التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بيان وزارة الدفاع الوطني: السيادة الاستراتيجية الجزائرية في مواجهة الحرب الإعلامية وإعادة تشكّل الجغرافيا السياسية لمنطقة الساحل

لا يندرج النفي الحازم والمفصّل الصادر عن وزارة الدفاع الوطني الجزائرية بشأن المزاعم الكاذبة حول إنشاء وحداتٍ من «المرتزقة» تنشط في الساحل ضمن خانة ردٍّ دفاعيٍ عابر؛ بل هو إعلانٌ سياسي واستراتيجي يضيء تحولات البيئة الأمنية الإقليمية، وتصاعد الحروب الهجينة، وتنامي مركزية الجزائر في معادلات الساحل.

ساحة القتال المعلوماتي: حين تُستهدَف صورة الدولة

بتوصيفه للحملة بأنها «افتراءٌ فجّ» تقوده منصّات إعلامية وإلكترونية «معروفة الانتماء والوجهة»، يعرّي البيان آليات الحرب المعلوماتية المعاصرة: تشويه المؤسسة العسكرية، إضعاف خطاب الدولة، تعويم عقيدتها، ومن ثمّ هزّ المصداقية الدولية للجزائر وقدرتها على التأثير الإقليمي.
هذه العمليات الإدراكية لا تسعى إلى الإقناع المباشر بقدر ما تعمل على زرع الشكّ في الشرعية، وفي قانونية السلوك، وفي هوامش النفوذ الجزائرية.

الجيش الوطني الشعبي: الهدف الرمزي للنيل من صلابة الدولة

من خلال استهداف الجيش الوطني الشعبي، تُصوَّب الضربات إلى صلب الدولة. فالجيش، بوصفه وريثًا لجيش التحرير الوطني، يجسّد استمرارية مشروع التحرير، وحماية السيادة، وثبات المؤسّسات.
وتأكيد وزارة الدفاع على أنّ عمل الجيش يجري ضمن إطارٍ دستوري وقانوني—قائم على حسن الجوار، وعدم التدخّل، واحترام سيادة الدول—ليس زخرفًا بل ترسيمٌ لخط فاصل مع ممارسات أُقحِمت في ساحلٍ متخمٍ بخصخصة العنف، والقوى المُفوَّضة، والمناطق الرمادية قانونًا، ويعيد تثبيت العقيدة الجزائرية بوصفها استثناءً مُعلَنًا في مشهدٍ أمنيٍ مضطرب.

الساحل: مختبرٌ مفتوح للحرب الهجينة

أضحى الساحل فضاءً للتنافس العالمي: نزاعاتٌ لا تماثلية، انقلابات، تدخلات مباشرة وبالوكالة، صعود الشركات العسكرية الخاصة، تكاثر الفاعلين غير الدوليين، وتوظيفٌ مكثّفٌ للمعلومة كسلاح.
في هذا السياق، لا تأتي تهمة «المرتزقة» ضد الجزائر صدفةً؛ إنّها محاولةُ تسويةٍ رمزية لإقحامها في منطق خصخصة القوة، بغية نزع تفوّقها الأخلاقي ومحاكاتها بمن يمتهنون التدخل المسلّح خارج القانون. والردّ الجزائري القاطع يُعيد رسم خط أحمر: لا عمل خارج الشرعية، ولا استعانة بقوةٍ مُستأجَرة.

عقيدة السيادة: ما يزعج أجندات التدخل

تتفرّد الجزائر بـمقاربة حلّ الأزمات على أساس أولوية السياسة، والوساطة، والحوار الشامل، والسعي إلى حلولٍ داخلية. هذه الفلسفة، المتولّدة من إرث التحرير والمدعومة بـدبلوماسية المبادئ، تصطدم مباشرةً بأجندات تُعامِل الساحل كمنصةٍ لـالإسقاط النفوذ والافتراس الاقتصادي.
ومن ثمّ، يُقرأ النفي بوصفه فعل مقاومةٍ استراتيجية: تقديم شرعية قانونية وتاريخية في مواجهة سردياتٍ نفعيةٍ تُهيّئ لممارسة ضغطٍ أو تهميشٍ إقليمي أو فرض «توازنات» قسرية.

«سايل إنتليجنس»: تفكيك أداةٍ دعائية

تكشف المعطيات حول الطبيعة الفعلية لموقع «Sahel Intelligence»—وقد لبس لفترةٍ طويلة لبوس التحليل الأمني—عن منصّةٍ دعائية متخصّصة في تصنيع محتوىٍ عدائي ضد الجزائر، مع تركيزٍ مرضيّ على مؤسّستها العسكرية.
تحت قناع «الخبرة»، تنتج مثل هذه المنصّات تضليلًا عالي التأثير: لغةٌ شبه تقنية، استهدافٌ لدوائر القرار والرأي، وتوزيعٌ شبكي داخل منظوماتٍ إعلامية متحالفة. الهدف واحد: إضعاف صورة الجيش لتقليص قدرة الجزائر على التأثير في إعادة تشكيل الساحل.

شبكةٌ منسّقة: حين تعمل الغرفُ على صدى واحد

تكرار الاستهداف ليس صدفة؛ فالجيش الجزائري بما يمتلكه من قدرةٍ عملياتية، وعقيدةٍ سيادية، وتجذّرٍ إقليمي، يشكّل عائقًا بنيويًا أمام مشاريع إعادة ترتيب المشهد الساحلي.
وجود شبكة قنوات—مواقع، حسابات، مجلات إلكترونية—تعمل بمنطق غرفة صدى يكشف عن تنسيقٍ معلوماتي يراد به التعويض عن عجز الأدوات الدبلوماسية أو العسكرية التقليدية عن تعديل الموقف الجزائري.

الجزائر والساحل: وحدةُ تاريخٍ وجغرافيا وأمن

تتكوّن علاقة الجزائر بالساحل من جديلةٍ واحدة: التاريخ، والجغرافيا، والأمن. والطعن في الجزائر كـ«مُولِّدةٍ للاضطراب» تناقضٌ استراتيجي؛ إذ ما فتئت الجزائر تدفع باتجاه الاستقرار: وساطات سياسية، دعمٌ للتنمية، وشراكاتٌ تقوم على التضامن والاحترام.
هذه الرؤية البعيدة المدى، المناقضة لسياسات المكاسب التكتيكية، تمنح الجزائر رصيدًا من المصداقية في منطقة تبحث عن توازناتٍ مستدامة.

شرعيةٌ صلبة من تجربة مكافحة الإرهاب

لم تُبالغ الجزائر يومًا في ادّعاء الدور، لكنها كانت من أوائل الدول التي واجهت الإرهاب في عزّ العزلة الدولية، حين ساد التردّد والإنكار. ومن تلك التجربة خرجت عقيدةٌ شاملة: أمنٌ صلب، مصالحةٌ وطنية، ومعالجةٌ لجذور التطرف.
هذه الشرعية التاريخية تُربك قراءاتٍ راهنة تريد إعادة توزيع الأدوار في الساحل عبر تجريم من دفع أثقل الأثمان.

المعنى الأعمق: من يُعرّف النظام الإقليمي؟

يتجاوز النفيُ الحدثَ نفسه إلى معركةٍ أوسع: من يعرّف النظام الساحلي؟ حملات التشويه لا تعكس ضعف الجزائر، بل ضيق بعض الفاعلين بدولةٍ تُصرّ على تصوّر سيادي، قانوني، وسياسي للأمن.
وبـتثبيت المبادئ، وحماية المؤسّسات، ورفض الاصطفاف، تؤكد الجزائر مركزيّتها الجيوسياسية: فاعلٌ محوري، موثوق، ولا غنى عنه في أيّ مقاربةٍ جادّة لمستقبل الساحل وتوازنات شمال أفريقيا.

خلاصةٌ مكثّفة (5 نقاط)

  1. نفيٌ استراتيجي: إشارةٌ سياسية في معركة السرديات، وليس ردًّا انفعاليًا.
  2. عقيدةٌ واضحة: قانونيةٌ صارمة، عدمُ التدخل، حلولٌ داخليةٌ تُقدّم السياسة على القوة.
  3. سياقٌ هجين: الساحل ملعبٌ لخصخصة العنف والعمليات الإدراكية.
  4. تضليلٌ مُهيكل: منصّاتٌ «خبرية» زائفة وشبكاتُ صدى تستهدف صورة الجيش.
  5. مركزية الجزائر: شرعيةٌ تاريخية وقدرةُ جذبٍ نحو نظامٍ إقليمي أكثر توازنًا.

✍️ بلقاسم مرباح

وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...