التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل تهدد إسرائيل الجزائر؟ قراءة في تصريحات مئير المصري المثيرة للجدل

أثارت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مئير المصري، المعلق السياسي الإسرائيلي المعروف بإطلالاته على قناة i24NEWS ومنشوراته على منصة X (تويتر سابقاً)، حالة من الاستغراب والقلق لدى المتابعين للشأن السياسي في الجزائر. إذ قال صراحة:

“بعد أن ننتهي من إيران، ستكون الجزائر هدفنا التالي، فهي آخر معاقل الكراهية ضد إسرائيل في العالم العربي.”

ورغم أن هذه التصريحات لا تصدر عن مسؤول رسمي في الحكومة الإسرائيلية، إلا أن طبيعتها التحريضية وخطورتها الرمزية تستوجب التوقف عندها وتحليل خلفياتها وأبعادها الجيوسياسية.


 سياق التصريحات ومضمونها

في مقابلة بثتها قناة i24NEWS، التي تُعرف بقربها من دوائر صنع القرار الإسرائيلي وتروّج غالباً للمواقف الرسمية الإسرائيلية بأسلوب إعلامي ناعم، أطلق مئير المصري تهديداً مباشراً ضد الجزائر، معتبراً إياها “عقبة أيديولوجية” أمام المشروع الإسرائيلي في المنطقة.

لاحقاً، نشر المصري سلسلة تغريدات على حسابه في منصة X، اتهم فيها الجزائر بـ”تمويل الإرهاب”، و”التحريض ضد إسرائيل”، و”تهديد الاستقرار الإقليمي”.

لماذا تُستهدف الجزائر تحديداً؟

الجزائر لا تُشكّل خطراً عسكرياً مباشراً على إسرائيل، ولا تربطهما أي حدود جغرافية أو نزاعات ثنائية. لكن الجزائر تُعد من آخر الدول العربية التي ما تزال ترفض التطبيع بشكل قاطع، بل وتتبنى خطاباً سيادياً ثابتاً يدافع عن الحقوق الفلسطينية ويدين الاختراق الإسرائيلي للقارة الإفريقية.

وقد برزت الجزائر في السنوات الأخيرة كصوت ممانع داخل المنظمات الإقليمية والدولية، رافض لمحاولات إدماج إسرائيل في الاتحاد الإفريقي، ومعارض للتموضع الإسرائيلي في منطقة الساحل.

بالتالي، فإن استهدافها في هذا التوقيت يبدو أقرب إلى:
  • حرب نفسية إعلامية، تهدف إلى إرباك الموقف الجزائري وإشغال الرأي العام.
  • رسالة ردع مبطنة موجهة إلى دول عربية أخرى ما تزال مترددة في الالتحاق بركب “اتفاقيات أبراهام”.
  • تجربة ردود الفعل في الجزائر والمغرب العربي والفضاء العربي الرافض للتطبيع.

 هل يشكل هذا التهديد خطراً حقيقياً؟

من المهم التأكيد أن مئير المصري لا يشغل أي منصب رسمي في الدولة العبرية. وبالتالي، فإن الدولة الجزائرية ليست معنية بالرد على تصريحات فردية لا تملك أي شرعية سياسية أو دبلوماسية.

غير أن التجربة مع إسرائيل تُظهر أن الخط الفاصل بين الإعلام، الأمن، والسياسة ليس واضحاً دائماً. فغالباً ما تُستخدم شخصيات إعلامية شبه مستقلة لاختبار مواقف معينة أو تمهيد الأرضية لتصعيد تدريجي في اللهجة السياسية.

من الناحية العسكرية، فإن احتمال استهداف إسرائيل للجزائر هو شبه معدوم، نظراً:
  • لبُعد المسافة الجغرافية.
  • لغياب أي صراع مباشر.
  • لقوة الجيش الجزائري وقدرته على الردع.
إلا أن الخطر يكمن في الحملة الإعلامية والدبلوماسية التي قد تُبنى لاحقاً على مثل هذه التصريحات، بهدف شيطنة الجزائر على الساحة الدولية.

 كيف يجب أن تتعامل الجزائر مع هذا النوع من التصريحات؟

انطلاقاً من عقيدتها الدبلوماسية المبنية على ضبط النفس، لا ينبغي للجزائر أن تنجرّ إلى الرد على شخصية بلا صفة رسمية، مهما كانت تصريحاته استفزازية.

لكن في المقابل، يمكن تبنّي جملة من الخطوات غير المباشرة:
  • التحليل الهادئ والمراقبة الدقيقة لتكرار هذا النوع من الخطاب في الأوساط الإسرائيلية.
  • تعزيز الخطاب الإعلامي الجزائري الذي يوضح مواقف الدولة ومبادئها بخصوص فلسطين، ويُفند الاتهامات الباطلة.
  • العمل الدبلوماسي المستمر بالتنسيق مع الدول الرافضة للتطبيع، وفضح محاولات إسرائيل لبث الفتنة داخل المحيط المغاربي والإفريقي.

 خلاصة

تصريحات مئير المصري لا تكتسي طابعاً رسمياً، لكنها تكشف عن انزعاج إسرائيلي متزايد من الموقف الجزائري الصلب. الجزائر لا تحتاج إلى الرد، ولا إلى التصعيد، وإنما إلى الهدوء، واليقظة، والاستمرار في الدفاع عن مبادئها التاريخية.

ففي زمن تتكالب فيه قوى الضغط والتطبيع، الثبات على الموقف أصبح في حد ذاته مقاومة.


✍️ بلقاسم مرباح



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...