التخطي إلى المحتوى الرئيسي

زيارة الوفد الإماراتي لباماكو… حين تمتد يد أبو ظبي لتخدم أجندات الرباط وتل أبيب في الساحل

لم يكن البيان الصادر عن النظام الانقلابي في مالي، عقب زيارة وفد رسمي إماراتي رفيع المستوى أوفده محمد بن زايد إلى باماكو، سوى غطاء دبلوماسي خافت يخفي في طياته حقائق خطيرة. فرغم اختصاره وكلماته المنتقاة بعناية، إلا أنه لم يتمكّن من إخفاء الطابع الأمني لهذه الزيارة، التي تم تضخيمها إعلامياً من قبل سلطة باماكو، وكأنها “رسالة تحدٍّ” موجهة إلى الجار الشمالي، الجزائر، بعد إسقاط طائرة مسيرة معادية على الأراضي الجزائرية من قبل دفاعات الجيش الوطني الشعبي.


درون تركي بـ30 مليون يورو… ودروس قاسية

أصيب نظام باماكو ومعه حلفاؤه في الرباط وتل أبيب بصدمة لم يستطيعوا حتى الآن استيعابها، حين تمكّنت الدفاعات الجزائرية من إسقاط طائرة مسيّرة هجومية تركية الصنع، في ثوانٍ معدودة، داخل التراب الوطني. هذه الطائرة، التي تم اقتناؤها بمبلغ فلكي قُدّر بثلاثين مليون يورو، تم تمويلها من قروض أجنبية، تحوّلت إلى رماد تحت صواريخ الدفاع الجزائري. وهكذا فهمت الطغمة العسكرية في مالي، ومعها ممولوها، أن أيّ محاولة لاختبار السيادة الجزائرية، بتحريض من المخزن أو غيره، مصيرها الفشل الذريع.

الإمارات تدخل على الخط… حماية مقابل الموارد

في أعقاب هذا الانكشاف، قرر محمد بن زايد أن يتدخّل مباشرة لإغراء أسيمي غويتا بضمانات “الحماية الإماراتية”، مُسوِّقًا لتجربة بلاده في ليبيا والسودان ودول أخرى، حيث لعبت أبو ظبي دورًا مركزيًا في تسليح وتمويل ميليشيات لإعادة تشكيل المشهد السياسي بما يخدم مصالحها. وتفيد التسريبات أن الإمارات وعدت مالي بتعويض الخسائر، من خلال تزويدها بدُفعات جديدة من الدرونات المسلحة، مقابل منح شركاتها الحق في استغلال جزء من الثروات الباطنية المالية، خاصة الذهب والليثيوم.

جُبن داخلي وتنازلات خارجية

تعيش مالي، اليوم، وضعًا داخليًا هشًا، جعل قادتها العسكريين مستعدين لبيع كل شيء مقابل البقاء في السلطة. فمنذ أن أغلقت الجزائر حدودها الجنوبية ومنعت المجال الجوي أمام الطائرات المتجهة إلى مالي أو القادمة منها، دخل البلد في أزمة طاقة خانقة، وظهرت بوادر مجاعة ونقص حاد في المواد الأساسية. وقد أجّج ذلك الشارع المالي، فخرج المواطنون للمطالبة برحيل غويتا وزمرته، لكن ردّ هؤلاء لم يكن سوى فرض الأحكام العرفية، وشن حملة قمع شاملة، ومنع كل النشاطات السياسية في البلاد.

المقامرون بالخراب… أيامهم معدودة

لكن مهما طالت المهزلة، فإن نهايتها تقترب. فالجماعات الانقلابية في مالي، النيجر، وبوركينا فاسو، التي تحاول أبو ظبي الإبقاء عليها عبر المال والسلاح، ليست سوى ورقة خاسرة. النظام الإماراتي، الذي يبني تحالفاته على وهم السيطرة والتوسع في إفريقيا، يعيد ارتكاب نفس الخطأ: الارتماء في أحضان أنظمة مرفوضة شعبيًا، فاقدة للشرعية، محكوم عليها بالسقوط.

بل إن داخل الإمارات نفسها بدأت ملامح الاحتقان تظهر، وسط تزايد الأصوات المعارضة لسياسات المغامرة الخارجية والتسيير العشوائي للثروات الوطنية من قبل آل نهيان.

الخاتمة: الجزائر بالمرصاد… والسيادة خط أحمر

في وجه هذا المحور الثلاثي غير المقدس: (الرباط - تل أبيب - أبو ظبي)، تقف الجزائر بشعبها وجيشها موقف الثبات. لا تبتزها تحالفات مرتزقة، ولا تهمّها صفقات النفط والدرونات. الجزائر التي أسقطت الطائرة المسيرة، فعلت ذلك باسم السيادة، باسم التاريخ، وباسم دماء الشهداء الذين حرّروا الوطن.

ما حدث ليس مجرد حادثة عسكرية، بل رسالة استراتيجية: الجزائر لا تُستدرج، ولا تُخترق، ولا تُرهب. ومن يتوهّم اختراق حصنها المنيع، فليستعد لدفع الثمن.

الجزائر ليست للبيع… والساحل ليس مزرعة للمستعمرين الجدد.



✍️ بلقاسم مرباح



تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...