التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كُفّوا عن أسطورة “الصحراء الشرقية”.. وإن كنتم شجعانًا فجَرِّبوا عبور الحدود

 هناك من السخافات ما نسمعه ونتجاهله، وهناك من الاستفزازات ما يستوجب ردًّا واضحًا، صارمًا، لا لبس فيه. فمنذ فترة، أخذت أصوات مغربية – مسمومة بدعاية المخزن – تردد كالببغاوات وهماً سخيفاً: "سنستعيد الصحراء الشرقية."

فليعلموا جيدًا: إن تجرأ المغرب واقترب ولو متراً واحداً من حدودنا، فسيفتح أبواب الجحيم ويشعل كارثة لن يخرج منها سالمًا أبداً.

نحن في الجزائر نعرف تمامًا ما يغذي هذا الخطاب التوسعي، المدوَّن بوضوح في المادة 42 من الدستور المغربي، التي تتحدث عن ما يسمى بـ"الحدود الحقّة" للمملكة تحت حماية الملك. فكيف يمكن لمن يمد يده للجزائر طالبًا مساعدتها في حل قضية الصحراء الغربية، أن يحتفظ في مكتبه بخريطة تضم 45% من الأراضي الجزائرية ضمن حدود مزعومة؟

المغرب يدرك أنه لا يملك الوسائل العسكرية لتحقيق هذا الحلم الوهمي، لكنه يسعى لفرض دبلوماسية التوتر الدائم، حتى تبقى الجزائر في وضع دفاعي يمنعها من المطالبة بأراضيها التاريخية الممتدة حتى وادي ملوية غربًا ووادي نود جنوب غرب.



بين الخيال والواقع: من يسترجع ماذا؟

قبل الحديث عن “الصحراء الشرقية”، دعونا نسأل سؤالًا بسيطًا:
هل يستطيع من يهدّد بالنظريات الافتراضية أن يجرؤ على عبور الحدود؟

الجواب معروف:
من يتقن الضجيج الإعلامي لا يجيد سوى التلويح عن بُعد. أما الاقتراب من الحدود الجزائرية فهو امتحان حقيقي للشجاعة… امتحان يعرف الجميع نتيجته مسبقًا.

الجزائر اليوم ليست جزائر الأمس، وجيشها الذي راكم خبرة عقود في مكافحة الإرهاب وفي الدفاع عن السيادة، لا ينتظر إلا من يختبر صلابته. وأيّ محاولة لتغيير الحدود بالقوة ستكون انتحارًا سياسيًا وعسكريًا لمن يُقدم عليها.


المنطقة الواقعة شرق وادي ملوية: جغرافيا لا يمكن تزويرها

إذا كان البعض يحبّ فتح ملفات التاريخ، فنحن جاهزون تمامًا.

إذ إن ما يقارب 100 ألف كيلومتر مربع شرق وادي ملوية تمّ اقتطاعه وتعويضه في ظروف استعمارية، وضمن ترتيبات فرنسية-مخزنية معروفة.


هل نذكّر بالمدن التالية؟
  • وجدة: المدينة التي كانت جزءًا من المجال الحيوي الطبيعي للشرق الجزائري، اقتصاديًا وبشريًا وقبليًا.
  • فجيج: واحة جزائرية صُمِمَت حدود الاستعمار لاقتطاعها رغم أن جذورها تمتد إلى عمق الصحراء الجزائرية.
  • بركان، كرسيف، تاوريرت وغيرها من المناطق التي يعرف الجميع خرائطها الأصلية قبل التخطيط الاستعماري.
هذه ليست “مزاعم”، بل وثائق ومعاهدات وجغرافيات بشرية وثقافية ثابتة. والجزائر، وإن لم تجعل هذا الملف أولوية سياسية اليوم، فذلك حِلمٌ وليس ضعفًا. ضبط النفس خيار استراتيجي، وليس تنازلاً تاريخيًا.

الفرق بين الجزائر والمخزن: دولة تحترم القانون مقابل كيان يعيش على التوسع

بينما تُركّز الجزائر على بناء مؤسساتها، حماية حدودها، وتنمية أقاليمها، يعيش النظام المخزني على خلق الأوهام الجغرافية كلما احتاج لامتصاص الغضب الداخلي.

مرة “الصحراء الشرقية”.
مرة “الجزائر المغربية”.
مرة “منظمة وهمية تهدد المملكة”.
ومرة “مخطط توسعي جزائري”.

إنها سياسة الهروب إلى الأمام.
ولكن الخطير هو أن هذه الأكاذيب تُربّي أجيالًا على الكراهية، وعلى جغرافيا مصنوعة من الخيال.

إذا أردتم فتح الملفات: نحن جاهزون

الجزائر لا تطالب اليوم رسميًا باسترجاع أراضيها شرق ملوية، لأنها تحترم القانون الدولي والحدود الموروثة عن الاستعمار طبقًا لمبدأ الاتحاد الإفريقي. لكنها لم تنسَ شيئًا.

وإذا اختار البعض فتح الملفات الحدودية، فليعلموا جيدًا أن الجزائر تمتلك:
  • وثائق تاريخية دامغة.
  • خرائط فرنسية وإسبانية تؤكد ملكيتها.
  • قبائل وتكتلات سكانية جذورها جزائرية واضحة.
  • قوة عسكرية قادرة على حماية كل شبر من ترابها.

وهنا نعيد الجملة التي يجب أن تُفهم جيدًا:
كونوا شجعانًا وجرّبوا عبور الحدود، وسنرى ما سيحدث.


الخلاصة: الكلام سهل… لكن الأرض لها رجال

إلى أولئك الذين يثرثرون خلف شعارات جوفاء، نقول الآتي:

تتحدثون عن استعادة صحراء وهمية؟ حسنًا.

لدينا مئة ألف كيلومتر مربع حقيقية، تاريخية، موثقة، يجب أن نستعيدها شرق وادي ملوية.

أما الفرق بيننا وبينكم؟

فنحن لا نعيش على الأوهام.

نحن ننتظر، وبإصرار، من يجرؤ – بتهور أو جنون – على تجاوز حدودنا. لأننا، على عكسكم، نملك الوسائل التي تليق بطموحاتنا: قوات عسكرية قادرة على فرض إرادتنا، وإرادة شهدائنا الذين لن يهنأ لهم بال حتى نستعيد أراضينا التاريخية، تلك الأراضي التي كانت جزءًا لا يتجزأ من الجزائر منذ توحيد نوميديا عام 202 قبل الميلاد، وستظل إلى الأبد أساس هويتنا.


✍️ بلقاسم مرباح

وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...