التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في مواجهة “الانتصارات” الدبلوماسية المغربية: آن للجزائر أن تراجع استراتيجيتها وتحرّر القرار الصحراوي

تناقلت وسائل الإعلام الدولية خلال الأيام الأخيرة ما وصفته بـ”انتصار” دبلوماسي جديد للمغرب، بعد أن غيّرت المملكة المتحدة لهجتها بشأن قضية الصحراء الغربية، مبديةً دعمًا ضمنيًا لمقترح الحكم الذاتي الذي يروج له المغرب. هذا التطور لا يأتي في فراغ، بل يُضاف إلى سلسلة من المواقف المتغيرة في بعض العواصم الغربية. غير أن ما يُقدَّم على أنه نجاحات دبلوماسية مغربية، ليس في الحقيقة سوى تنازلات اقتصادية واستراتيجية كبيرة قايض بها المغرب قراره السيادي مقابل اعترافات سياسية شكلية.

المغرب يبيع السيادة مقابل التأييد

علينا أن نكون واضحين: ما يسميه المغرب “انتصارات دبلوماسية” ما هو إلا نتيجة مباشرة لصفقات سياسية واقتصادية أبرمها مع القوى الغربية. ما الذي وعد به المغرب بريطانيا؟ هل منحها امتيازات لاستغلال الثروات البحرية والمعدنية في الصحراء الغربية؟ هل فتح لها أبواب الصفقات الأمنية والعسكرية؟ نفس الأسئلة تُطرح بشأن المواقف الصادرة من إسبانيا وألمانيا وحتى الولايات المتحدة.

إنها سياسة مقايضة مكشوفة: مقابل دعم لفظي لمبادرة الحكم الذاتي، يمنح المغرب لهذه الدول موطئ قدم في منطقة غنية استراتيجيًا. إنها ليست انتصارات، بل رهن تدريجي للثروات والسيادة المغربية والصحراوية معًا.

الجزائر: ثبات مبدئي، ولكن أي فعالية؟

في مقابل هذا المشهد، تواصل الجزائر التمسك بموقفها المبدئي الثابت في دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وهو موقف نابع من عقيدتها الثورية والتزامها بمبادئ القانون الدولي. لكن الالتزام بالمبدأ لا يعني الجمود في الوسائل. بل إن التحديات الجديدة تتطلب إعادة نظر شاملة في أدوات الدعم التي تقدمها الجزائر للشعب الصحراوي.

فالجزائر اليوم، ورغم دعمها السياسي والدبلوماسي للبوليساريو، لا تزال تتحكم في خياراته العسكرية. وهي، عن قصد أو تحفظ، تمنع استخدام أسلحة نوعية مثل الطائرات المسيّرة أو الصواريخ بعيدة المدى، مما يؤدي إلى تجميد الجبهة العسكرية، ويمنح المغرب حرية التوسع الدبلوماسي دون ضغوط ميدانية.

آن الأوان لتحرير القرار الصحراوي

من غير المنطقي أن تطلب الجزائر من العالم الاعتراف بحق الشعب الصحراوي، بينما هي نفسها تحدّ من قدراته على فرض هذا الحق. لقد أثبت التاريخ أن القوى الاستعمارية لا تتنازل عن مكاسبها إلا تحت الضغط، والميدان هو العامل الحاسم في تعديل موازين القوة.

إن تحرير القرار العسكري والسياسي لجبهة البوليساريو هو اليوم ضرورة استراتيجية. يجب السماح لها بتوظيف كل وسائل الردع التي تتيحها التكنولوجيا العسكرية الحديثة. وعندها فقط، يمكن للملف أن يستعيد مكانته على طاولة التفاوض الدولية، لا كمجرد نزاع جامد، بل كقضية تحررية حيّة.

الجزائر مطالبة بالمبادرة لا بردود الفعل

الجزائر ليست مجبرة على أن تظل في موقع الدفاع، تكتفي بالتنديد بقرارات الدول التي اختارت المصلحة على المبادئ. بل عليها أن تعود إلى موقع المبادرة، وأن ترد على كل اختراق دبلوماسي مغربي بخطوة مقابلة: في إفريقيا، في أمريكا اللاتينية، في آسيا، وفي المحافل الدولية.

لم تعد البيانات تكفي، ولا الخطابات الأخلاقية تؤثر في عالم تحكمه المصالح. بل إننا إن لم نغيّر الأسلوب، سنجد أنفسنا نخسر ميدانيًا وقانونيًا رغم عدالة قضيتنا.

الخلاصة: الوفاء للمبدأ يتطلب القوة والمرونة

لم تتاجر الجزائر يوماً بمبادئها، ولن تفعل. لكنها مطالبة اليوم بأن توفّق بين ثباتها القيمي وفعاليتها السياسية. يجب أن تتوقف عن التعامل مع البوليساريو كوصي، وأن تمنحها كامل الثقة والحرية في اختيار أدوات المقاومة. ففي هذا العالم، لا تنتصر القضايا العادلة بالكلمات فقط، بل بالقوة والذكاء والجرأة.



✍️ بلقاسم مرباح



 

تعليقات

  1. السلام عليكم نعم تلك هي الحقيقة فلولا القيود الجزائرية لكان للقضية الصحراوية وضع آخر و خير مثال على ذلك حصار الزاك الذي وضع الجيش المغربي في وضع لا يحسد عليه و تدخلت الجزائر لدى البوليساريو لرفع الحصار

    ردحذف
  2. فلسطين حرة لا تطبيع مع الصهاينة

    ردحذف
  3. حج مبرور وذنب مغفور ياأخي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...