تُدرَجُ الصحراء الغربية ضمن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي على قائمة الأمم المتحدة منذ عام 1963، ما يجعلها حالةً مستمرة من حالات تصفية الاستعمار التي ينبغي حسمها عبر ممارسة حق تقرير المصير. هذا التوصيف القانوني لم يتغيّر، رغم مبادرات سياسية متعاقبة أبرزها مقترح الحكم الذاتي المغربي (2007)، ومداولات مجلس الأمن السنوية لتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة (مينورسو). تقطع هذه الدراسة، استنادًا إلى نصوصٍ قضائية دولية وقرارات أممية وأحكام محاكم الاتحاد الأوروبي، بأن الحلّ القانوني المعتبر يظلّ رهينًا باستفتاء حرّ يمكّن الشعب الصحراوي من الاختيار بين الاستقلال والاندماج، وأنّ أي تسوية تعاقدية أو اتفاقات اقتصادية تمسّ الإقليم من دون موافقة الشعب الصحراوي تُعرِّض نفسها للطعن والإبطال.
أولًا: الإطار القانوني الدولي
- وضع الإقليم في منظومة الأمم المتحدةتؤكد صفحة “تصفية الاستعمار” للأمم المتحدة أنّ الصحراء الغربية مُدرجة على قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي منذ 1963، وأن الجمعية العامة تعتمد سنويًا قرارات بشأنها، مع الإشارة إلى انسحاب إسبانيا عام 1976 من الإدارة دون نقل السيادة. هذا الإدراج يعني بقاء الإقليم في مسار تصفية الاستعمار وفق أحكام قرار الجمعية العامة 1514 (د-15) الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة.
- محكمة العدل الدولية (1975)انتهى رأي المحكمة الاستشاري حول الصحراء الغربية إلى نفي فكرة “الأرض المباحة (terra nullius)” وخلص إلى عدم قيام روابط سيادة إقليمية من شأنها التأثير في تطبيق مبدأ تقرير المصير وفق القرار 1514. هذا الاستنتاج يعضد وجوب الاحتكام إلى استفتاء حرّ لتحديد وضع الإقليم النهائي.
- ولاية بعثة الأمم المتحدة (مينورسو)أُنشئت مينورسو بقرار مجلس الأمن 690 (1991) لتنظيم استفتاء تقرير المصير يخيّر سكان الإقليم بين الاستقلال والاندماج بالمغرب، في إطار مقترحات التسوية الأممية/منظمة الوحدة الإفريقية المقبولة من الطرفين (1988). ورغم تعذّر إجراء الاستفتاء، بقيت الولاية المرجعية للبعثة كما هي.
- الجمعية العامة والصفة التمثيليةأكدت الجمعية العامة في قرار 34/37 (1979) “استمرار احتلال المغرب للصحراء الغربية” واعترفت بـجبهة البوليساريو ممثلًا للشعب الصحراوي، مجددةً المطالبة بإنهاء الاحتلال والانخراط في مسار سلام يفضي إلى ممارسة حق تقرير المصير. وقد أعيد تأكيد ذلك في قرار 35/19 (1980).
ثانيًا: الحكم الذاتي بين السياسة والقانون
يُطرَح مقترح الحكم الذاتي المغربي (2007) كأحد مداخل التسوية السياسية. لكن قرارات مجلس الأمن منذ القرار 1754 (2007) تُطوِّق هذا الطرح بإطارٍ حاسم: التوصل إلى حلٍّ سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين يوفّر تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، مع “أخذ العلم” بالاقتراح المغربي ومقترح البوليساريو معًا، والدعوة إلى مفاوضاتٍ “بدون شروطٍ مسبقة”. لم تُغيِّر قرارات التجديد اللاحقة لولاية مينورسو هذا الإطار المعياري.
وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025، جدّد مجلس الأمن ولاية مينورسو لعامٍ إضافي بقرار 2797 (2025)، مع إبراز مقترح الحكم الذاتي “أساسًا للنقاش”. غير أنّ القرار لا يُقِرّ بسيادة المغرب على الإقليم ولا يُعدِّل وضعيته كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي؛ بل يجدد دعم المساعي الأممية للوصول إلى حلّ يوفر تقرير المصير، في حين أن توصيف الإقليم في منظومة تصفية الاستعمار ظل ثابتًا.
خلاصة القسم: الحكم الذاتي، كتصوّر داخلي، لا يُنتج بذاته أثرًا قانونيًا دوليًا ما لم يُعبَّر عن رضا الشعب الصحراوي عبر آلية تقرير المصير. أي معالجة تُنزِل الحكم الذاتي منزلة “الحل النهائي” من دون استفتاء تُناقض المعايير المستقرة في القانون الدولي لعاملي تصفية الاستعمار وتقرير المصير.
ثالثًا: الديموغرافيا والدعاية الرقمية—تفكيك زعم “1819 صحراويًا”
تُقدِّر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أعداد اللاجئين الصحراويين في مخيّمات تندوف بالجزائر بنحو 173,600 شخص، مع الإشارة إلى أنّ أرقام التخطيط الإنساني قد تختلف تبعًا لمنهجيات المسح وتسييس ملف القوائم الانتخابية؛ إذ استخدمت بعض التقييمات الإنسانية رقمًا تشغيليًا أدنى (نحو 90,000 لأغراض التوزيع). هذه الفوارق لا تُسعف بأي حالٍ ادعاءاتٍ عبثية تُقلِّص العدد إلى “1819”؛ فالمصادر الأممية نفسها تُبين ضخامة الاحتياج واتساع قاعدة المستفيدين في التعليم والصحة والغذاء.
كما توثّق تقارير الأمين العام ومراكز بحثية انهيار ترتيبات وقف إطلاق النار عام 2020 وتجدد الاحتكاكات شرق الجدار الرملي، وهو ما يفسّر استمرار موجات النزوح واعتماد المخيمات شبه الكلي على المساعدات.
الاستنتاج المنهجي: إنكار الكتلة الديموغرافية الصحراوية أو التلاعب بأعدادها لا يصمد أمام سلاسل الأدلة الأممية، ويقع ضمن آليات التضليل التي تُستَخدم لتقويض شرعية الاستفتاء وحرف النقاش عن حق الشعب لا عن “عدد سكانٍ” مُختزل.
رابعًا: القضاء الأوروبي ووضوح قاعدة “الإقليم منفصل ومتمايز”
أرست محكمة العدل للاتحاد الأوروبي (2018) مبدأً حاسمًا مفاده أن الصحراء الغربية “إقليمٌ منفصل ومتمايز” عن المغرب؛ ومن ثم لا تنطبق الاتفاقات الأوروبية-المغربية على الإقليم أو مياهه إلا بمراعاة وضعه الخاص وبما يتفق مع قواعد القانون الدولي. وفي 2021 ألغى المحكمة العامة قراراتٍ اعتمدت اتفاقات تجارة وصيد تغطي الإقليم لعدم ثبوت موافقة الشعب الصحراوي؛ ثم أكّدت محكمة العدل (غرفة كبرى) في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2024 هذا الاتجاه بإبطال تطبيق تلك الاتفاقات على الإقليم واشتراط الرضا، مع تمييز واضح بين “الشعب” و“السكان”.
الدلالة القانونية: أي ترتيباتٍ اقتصادية تُبرَم مع المغرب وتمتد إلى الصحراء الغربية من دون موافقة الشعب الصحراوي (باعتباره صاحب الحق في تقرير المصير والثروات) تُعرِّض نفسها للإبطال القضائي، وتُؤكد مرّة أخرى أنّ الحكم الذاتي كتصوّر داخلي لا يُغني عن شرط الرضا الجماعي في القانون الدولي.
خامسًا: الاتحاد الإفريقي وتسمية الأشياء بأسمائها
تتعامل مجلس السلم والأمن الإفريقي تقاريرُه وبياناتُه مع الوضع بوصفه قضية تصفية استعمار غير مكتملة، وتشير بوضوحٍ إلى “الاحتلال” المغربي منذ 1975 خلافًا لرأي محكمة العدل الدولية، وتدعو إلى استفتاءٍ يمكّن الصحراويين من الاختيار بين الاستقلال والاندماج. كما أعاد الاتحاد في 2015 تفعيل مساعيه وتسمية مبعوث خاص ودورية النظر في الملف.
سادسًا: الخطاب الملكي وشرعية الحل—حدود المرجعيات الوطنية
توظيف عباراتٍ من خطابات رأس الدولة المغربية لتأطير “عفوٍ” أو “مصالحةٍ” لا يُنشئ مرجعيةً دولية؛ فالمعيار الحاكم هو احترام القانون الدولي (ميثاق الأمم المتحدة، قرارات الجمعية العامة، ولاية مينورسو). إن أي مقاربة أمنية/انتقائية لعودة الأفراد أو “فلترة” القوائم تمسّ جوهر الحق وتناقض التزامات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، فضلًا عن أنها لا تُغيِّر من الوضع القانوني للإقليم ولا من الالتزام الأممي بتصفية الاستعمار عبر الاستفتاء.
سابعًا: حالة النزاع الراهنة وحيّز التفاوض
تفيد تقارير الأمين العام (2024) استمرار تعقيد المسار السياسي ووقوع حوادث إطلاق نار متفرقة، فيما تواصل مينورسو مهامها من دون أن يتضمن تفويضُها مكوّنًا صريحًا للرصد الحقوقي—وهو فراغٌ انتُقد مرارًا في الأدبيات الحقوقية والبحثية. ومع تجديد الولاية في 2025، يهيمن خطاب “الواقعية/البراغماتية” لكن من دون تعديل الوضع القانوني كإقليمٍ غير متمتع بالحكم الذاتي.
خلاصة معيارية
- وضع الإقليم: الصحراء الغربية إقليمٌ غير متمتع بالحكم الذاتي يخضع لعملية تصفية استعمار وفق قرار 1514 (د-15). [un.org], [digitallib...ary.un.org]
- المرجعية القضائية: رأي محكمة العدل الدولية (1975) يؤكد عدم قيام روابط سيادة تمنع تطبيق تقرير المصير. [icj-cij.org], [hlrn.org]
- أداة الحسم: استفتاء تقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة وفق قرار مجلس الأمن 690 (1991) هو الأداة المعيارية للفصل النهائي. [digitallib...ary.un.org]
- التمثيل السياسي: جبهة البوليساريو ممثّل معترف به للشعب الصحراوي في قرارات الجمعية العامة (1979/1980). [digitallib...ary.un.org], [securityco...report.org]
- الاتفاقات الاقتصادية: لا تنصرف إلى الإقليم أو موارده إلا بموافقة الشعب الصحراوي؛ وإلا تعرّضت للإلغاء أمام قضاء الاتحاد الأوروبي. [eur-lex.europa.eu], [curia.europa.eu]
- مقترح الحكم الذاتي: مقبولٌ كـ”أساسٍ للنقاش” لا كحلٍّ نهائيٍّ يُسقِط الاستفتاء أو يُنشئ سيادة بحكم الأمر الواقع. [securityco...report.org], [press.un.org]
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق