عاد أحمد الريسوني، الرئيس السابق لما يُسمّى “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، إلى هوايته المفضّلة: التحريض، التكفير السياسي، وتوزيع صكوك “الوحدة” وفق مقاس المخزن. الرجل الذي لم يتورّع سابقًا عن الدعوة إلى “الجهاد” ضد الجزائر، وإلى “مسيرة نحو تندوف”، يطلّ اليوم بوجه جديد، لكن بلسان أكثر خطورة، مُحمّلاً خطابه بما يكفي من الفتنة لإشعال المنطقة لو أنه وجد من يصدّقه.
يكتب الريسوني مقالة طويلة يزعم فيها أن “الجمهورية الصحراوية” قد “دُفنت” نهائيًا، كأن الأمم المتحدة أعلنت ذلك، أو كأن الصحراويين قرروا فجأة التنازل عن حقهم في تقرير المصير. لكنه يتناسى أمرًا بسيطًا:
الأمم المتحدة لم تعترف يومًا بسيادة المغرب على الصحراء، وما زالت تعتبر النزاع مسألة تصفية استعمار.
الريسوني يبيع الوهم في سوق السياسة، ويمنح المخزن شهادة “طهرانية” سياسية لا توجد إلا في خياله.
الجزائر ليست مشجبًا لفشل الأنظمة
يمضي الريسوني متهمًا الجزائر بأنها أصل “النزاع الصحراوي”.
لكن الحقيقة التي يحاول طمسها واضحة:
حركات التحرر لا تُزرع، والشعوب لا تستورد كفاحها من الجيران.
القضية الصحراوية وُلدت قبل استقلال الجزائر نفسها.
غير أن الريسوني، كغيره من كتّاب البلاط، لا يقرأ التاريخ… بل يقرأ ما يملى عليه.
التناقض الأكبر: حين يصبح التطبيع “مشروعًا” إذا كان مخزنيًا و”خيانة” إذا كان عند غيره
أشد ما يفضح الريسوني هو انتقائيته الأخلاقية الصارخة.
فالرجل الذي يندد بتواصل “الماك” مع إسرائيل، يصمت تمامًا حين يتعلق الأمر بالمخزن الذي:
- وقّع اتفاقًا أمنيًا وعسكريًا شاملًا مع إسرائيل
- فتح الأجواء أمام الطائرات الإسرائيلية
- استقبل ضباط الموساد في قلب الرباط
- أدخل التكنولوجيا الصهيونية إلى أجهزة الأمن
- وشارك، بشهادة تقارير دولية، في مخططات تجسسية ضد الجزائر
فما الفرق إذن بين “الماك” التي يهاجمها لزيارة رئيسها تل أبيب،
وبين دولة جعلت إسرائيل شريكًا رسميًا في أمنها، وسلاحها، وحدودها؟
إن كان معيار الخيانة هو التعامل مع إسرائيل، فليبدأ الريسوني بتخوين المخزن قبل غيره.
لكن الرجل لا يجرؤ… لأن وظيفته ليست حماية الدين، بل حماية رواية سياسية واحدة.
القبائل ليست انفصالًا… بل جزء من روح الجزائر
يستعمل الريسوني “الماك” كفزّاعة سياسية، محاولًا تصوير كل القبائل كأنهم مشروع “تقسيم”.
وهنا يبلغ الخطاب مستوى من الجهل التاريخي لا يليق برجل يزعم العلم.
القبائل ليست هامشًا في الجزائر.
إنهم صلب الهوية الوطنية، من محرري بيان أول نوفمبر، إلى كتاب النشيد الوطني، إلى شهداء التحرير.
ومن يريد المزايدة على وحدة الجزائر، فليتذكر أنه من جهة أخرى توجد مناطق مغربية كاملة تطالب منذ عقود بحقوقها: الريف، الأطلس، …
ومع ذلك لم تتدخل الجزائر يومًا أو تستغل ذلك سياسيًا.
الجزائر لا تهدد… لكنها لا تُهدد
سابقًا، دعا الريسوني إلى “مسيرة على تندوف”.
اليوم يلمّح إلى ضرورة “التصدي” للجزائر.
لكن من يعرف الجيش الجزائري، يعرف أن الجزائر لا تتقدم شبرًا خارج عقيدتها:
الدفاع عن السيادة، لا صناعة الأطماع.
وعندما يتحدث الريسوني عن “الشجاعة”، فليتذكر أن الجزائر لم تُهزم يومًا، لا أمام الاستعمار ولا أمام الإرهاب.
من يهدد وحدة المغرب الكبير؟ الجزائر أم من أدخل إسرائيل؟
يتحدث الريسوني عن “مشاريع تفتيت المنطقة”، لكنه يتغافل عن الحقيقة التي يعرفها الجميع:
إسرائيل لم تدخل المغرب الكبير إلا عبر بوابة واحدة: بوابة المخزن.
فالذي:
- منح الشرعية السياسية للتطبيع
- أدخل الخبراء العسكريين الصهاينة
- سلّم سيادته التكنولوجية للموساد
- واستعمل إسرائيل كورقة ضغط على الجزائر
هو المغرب الرسمي، لا الجزائر، ولا الصحراويون، ولا القبائل.
فأي مشروع تفتيت أخطر؟
مسؤول تابع لمنظمة صغيرة في المنفى؟
أم دولة بكاملها جعلت أمن المنطقة رهينة مصالح تل أبيب؟
ازدواجية الريسوني: هل إسرائيل “عدو” أم “شريك استراتيجي”؟
في مقاله، يصوّر الريسوني إسرائيل كأنها أصل البلاء، وأنها وراء كل مشروع انفصالي في العالم الإسلامي.
لكن الرجل يصمت—صمتًا تامًا—حين يصل الحديث إلى التطبيع المغربي.
فهل أصبحت إسرائيل “مشروعًا حضاريًا” عندما وقّع المخزن معها اتفاقيات دفاعية؟
أم أن الحرام يتحول إلى حلال بمجرد أن يخدم أجندة سياسية معينة؟
هذا ليس موقفًا دينيًا… بل انهيار كامل لأخلاق الفتوى.
خاتمة: قبل أن يهاجم الريسوني الآخرين… فليتجرّأ ويهاجم من أدخل إسرائيل إلى قلب المنطقة
إن الريسوني، وهو يهاجم القبائل والصحراويين والجزائر، ينسى أن أكبر خرق لوحدة المغرب العربي هو إدخال إسرائيل—بكل ثقلها الأمني والعسكري—إلى شمال إفريقيا.
وإذا كان يريد فعلا أن يحمي وحدة المسلمين، فليبدأ بالحديث عن التطبيع الذي يصفّق له المخزن،
وليس بمطاردة أشباح لا تهدد أحدًا.
الجزائر لا تحتاج درسًا في الوطنية من واعظ فقد البوصلة.
والجزائر لا تتردد في الدفاع عن نفسها، ولا تقبل التهديد، ولا تركع أمام التحالفات.
وستظل واقفة… مهما ارتفع ضجيج الفتنة، ومهما كثرت فتاوى البلاط.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق