التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في مواجهة هندسة مغربٍ عربيًا زائف: الجزائريون في فرنسا مدعوون إلى اليقظة

في مدينة فرنسية متوسطة الحجم، عُرفت لعقود بحضورها الجزائري القوي في أحيائها الشعبية، مرّت مشهديةٌ خطيرةٌ في صمت، لكنها كشفت حرباً خفيةً عميقةً تُخاض على الهوية والرمزية.
في الاحتفال السنوي الذي اعتاد فيه رئيس البلدية تكريم الوجوه الجمعوية الجزائرية التي أسّست النسيج الاجتماعي للمدينة منذ الثمانينيات، حضر هذه المرة مرفوقاً بقنصل المغرب. وتحت أنظار رموز الجالية الجزائرية التاريخية، تم تكريم المغاربة، الوافدين حديثاً إلى المدينة منذ خمس سنوات فقط، فيما أُقصي الجزائريون من المشهد.
لم يكن ذلك مجرد سهو أو خطأ بروتوكولي. بل كان رسالة واضحة: محاولة لتحويل مركز الثقل المجتمعي. مسعىٌ لكتابة تاريخ الحي الشعبي الفرنسي بمداد مغربي.
وهذا المشهد ليس إلا عرَضاً من أعراض حرب ناعمة تُشنّ اليوم في فرنسا: هندسة اجتماعية وسياسية خفية، تهدف إلى جعل المغرب “المرجع المغاربي الأول”، بل المرجع الوحيد المسموح به، في مختلف الميادين: الدين، الثقافة، الرياضة، الإعلام.

استراتيجية حصان طروادة المغربي

في مدن كبرى مثل مرسيليا، تولوز، وليون، حيث كان الجزائريون يشكلون الأغلبية لعقود، نشهد اليوم صعوداً ديموغرافياً ومؤسساتياً مدروساً للجالية المغربية. لكن الأمر لا يتعلق فقط بالحضور العددي، بل بالسيطرة على مفاصل التأثير الرمزي.

المساجد “الحرة”، التي بناها الجزائريون بعرق جبينهم وأموالهم الخاصة، باتت اليوم تخترقها الأطر المغربية التي تفرض أئمتها ورؤاها.

في ملاعب كرة القدم، التي كانت مرسيليا تمثل فيها رمزاً للروح الجزائرية الشعبية، تغير المشهد. أصبحت إدارة النادي تحت تأثير لاعبين مغاربة سابقين ذوي توجهات سياسية واضحة، بينما يُستهدف اللاعبون الجزائريون مثل يوسف عطال بحملات تشويه ممنهجة، بتواطؤ ضمني من دوائر مجتمعية نافذة، بما في ذلك داخل بعض الأوساط اليهودية المارسيليّة.

والأخطر ما يحدث في ميدان الثقافة والإعلام. اليوم، لكي يظهر الفنان الجزائري في الساحة الثقافية الفرنسية، عليه أن يمر عبر “بوابة التصفية”: نوادي الكوميديا، شركات الإنتاج الباريسية، قنوات المصادقة الإعلامية التي تخضع كثيراً لنفوذ شبكات مغربية أو متحالفة معها.

الجزائري إن أراد الظهور، فعليه أن يكون “مُروَّضاً”، مصفّىً، وأن يقدّم خطاباً عن “الأخوة المغاربية” وفق مقاسات تُفصَّل في الرباط. الحديث عن تاريخ الجزائر، عن ثورتها المجيدة، عن قضية الصحراء الغربية… كل ذلك يصبح من المحظورات. أما المطلوب: الابتسام والترويج لصورة مغرب “حديث”.

من الوطنية الجزائرية إلى خطاب مصنّع

ا يُبنى اليوم ليس فقط قيادة مغربية على الساحة الرمزية. بل عملية تقزيم وإسكات للجزائريين.

من يرفض هذا المسار يُوسَم بـ”الرجعية”، “الإسلاموية”، أو “الانعزالية”. هذه الوصمات ليست اعتباطية، بل جزء من استراتيجية مدروسة: خنق الأصوات الجزائرية المستقلة، وتجريدها من حقها في تمثيل نفسها بكرامة.

في الوقت ذاته، نرى انسحاباً متعمّداً لرموز مغربية كانت تتصدر المشهد في القضايا الحقوقية أو الفلسطينية. لماذا؟ لأن المغرب اليوم يسعى للظهور بمظهر “المحترم”، المتحالف مع القوى الكبرى (إسرائيل، الإمارات، دوائر فرنسية نافذة).

الإسلاموفوبيا العنيفة أو الشعارات الفلسطينية الرنانة؟ تُركت للجزائريين لشيطنتهم لاحقاً.

الأمثلة كثيرة: ياسين بلعطار، الذي كان يوماً صوتاً قوياً ضد العنصرية، انسحب بهدوء إلى المغرب بعد تطبيع بلده مع إسرائيل. زينب الغزوي، التي كانت أيقونة الإسلاموفوبيا الإعلامية، غيّرت فجأةً خطابها وصارت “مناصرةً لفلسطين”. انقلاب تكتيكي يُعبّر عن رغبة المغرب في السيطرة على الصورة لا على الضجيج.

الجزائر تقاوم… لكن بصمت

الجزائر ليست غافلة. استقبال الرئيس تبون مؤخراً للنجم العالمي دي جي سنيك — فنان جزائري فرنسي عملاق — كان رسالةً واضحة: الجزائر لن تقبل أن تمر ثقافتها عبر مصافي الآخرين. لن تُروَّض ولن تُختزل.

لكن المعركة صعبة. المغرب يتقدّم بخطة دقيقة، مع دعم حلفائه. الجزائر لا تزال في موقف دفاعي. لم يعد يكفي الاعتراض سراً. حان وقت المواجهة العلنية في الميدان الرمزي والثقافي.

رفض المحو

ما يحدث في فرنسا ليس توازناً طبيعياً بين الجاليات. بل عملية محو سياسي رمزي.

الجالية الجزائرية في فرنسا ليست جالية عادية. إنها جالية تاريخية حملت على عاتقها نضالاً طويلاً: من أجل الاستقلال، من أجل الكرامة، ضد العنصرية. هذا التاريخ لا يُمكن السماح بمسحه لصالح رواية مغربٍ رسمي، مصنّع، يخدم أجندات خارجة عن إرادتنا.

الجزائريون اليوم مدعوون لاستعادة صوتهم. ليس للهيمنة، بل للدفاع عن وجودهم وعن ذاكرتهم. لأن ما يُطبخ خلف الكواليس هو حرب ناعمة للإلغاء. حرب لا يحق لنا أن نخسرها.



✍️ بلقاسم مرباح



تعليقات

  1. تحليلك رائعة
    فعلى الجالية الجزائرية أخذ الحيطة و الحذر من الصهيومخزنية وأن لا يثقوا في أي أحد ينتمي لمملكة جحا السادس المخنث و الشاذ و المنكوح و الزامل والسكير.
    تحيا الجزائر المجد والخلود لشهدائنا الأبرار ✌️🇪🇭🇩🇿🇵🇸✌️

    ردحذف
  2. موروكو تمارس حربا على الجزائر على جميع الاصعدة

    ردحذف
  3. الجزائر ليست مغفلة بل تعرف جيدا ما يحاك و يطبخ ضذها علي الشعب الجزائري الوقوف وقفة رجل واحد مع قيادته تحيا الجزائر

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...