التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قضية بلغيث وسكاي نيوز: عندما تتحول الأكاذيب إلى أدوات لضرب الهوية الوطنية

منذ صيف 2019، بدأت تتضح معالم مشروع خبيث يستهدف الوحدة الوطنية الجزائرية من خلال ضرب أحد أهم مكونات هويتنا الجماعية: الثقافة الأمازيغية. هذا المشروع، الذي أطلق عليه اسم “صفر قبايلي”، كان في بدايته يُنظر إليه كحملة محدودة يقودها أفراد بدوافع شخصية، لكن مع مرور الوقت وظهور شخصيات سياسية مثل نعيمة صالحي بخطابات عدائية ممنهجة، أصبح من الواضح أن الأمر أعمق وأخطر مما كنا نظن.



في هذا السياق المتوتر، جاءت تصريحات بلغيث، خلال ظهوره على قناة “سكاي نيوز عربية”، لتصب الزيت على النار. بلغيث لم يكتفِ بإنكار الثقافة الأمازيغية، بل ذهب إلى حد الادعاء بأنها “صناعة استخباراتية فرنسية وصهيونية تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر”. هذا التصريح الخطير لا يمس فقط شريحة واسعة من الشعب الجزائري، بل يهين تاريخاً ضارباً في عمق شمال إفريقيا، يمتد من يوغرطة وماسينيسا إلى ثورة نوفمبر المجيدة.

لقد أبانت تصريحات بلغيث عن جهل عميق بالتاريخ، وانخراط واعٍ أو غير واعٍ في مشروع خارجي يهدف لتفكيك النسيج الوطني. فمن السخرية أن يُتّهم مكون أصيل من مكونات الهوية الجزائرية، اعترف به الدستور ودعّمه قانونياً وسياسياً، بأنه أداة أجنبية، بينما من يروّجون لهذه النظريات هم أنفسهم واجهات لأجندات أجنبية معلومة.

مشروع “صفر قبايلي”، الذي بلغ ذروته أثناء الحراك، كان أحد أكثر المخططات دناءة في محاولة لإقناع الرأي العام الدولي بوجود “أقلية مضطهدة” تُمهّد لتدخل خارجي في الجزائر، كما حدث في ليبيا وسوريا. وتمكنت الدولة الجزائرية، بفضل يقظتها وبدعم من حلفائها مثل روسيا، من إفشال هذا السيناريو، لكن الحرب الإعلامية والثقافية ما زالت مستمرة.


اليوم، يعود هذا الخطاب من جديد، على ألسنة من يُفترض فيهم أن يكونوا صوت العقل والوحدة. بلغيث وغيره من الناشطين على الشبكات الاجتماعية يعملون على إعادة تدوير نفس الخطاب الإقصائي الذي يزرع الفتنة ويشكك في مكونات هويتنا الجامعة.

إن ما يجب أن يفهمه الجميع، هو أن الهوية الجزائرية ليست خاضعة للتفاوض أو المقايضة. الإسلام والعربية والأمازيغية هي ثوابت وطنية راسخة، لا يملك أحد الحق في التشكيك فيها أو التلاعب بها تحت أي ذريعة. فالدستور الذي يجمعنا واضح، والتاريخ الذي نحتكم إليه لا يقبل التحريف.

من هذا المنبر، نوجه نداءً للسلطات الجزائرية العليا: لا مجال للتسامح مع دعاة الفتنة. حماية الوحدة الوطنية لا تكون بالشعارات بل بتطبيق القانون على من يهددها، أياً كان موقعه أو منصبه. لقد تعب الشعب الجزائري من الشعارات الفارغة، ويريد أفعالاً تحمي أرضه وهويته ومستقبله.

الجزائر بحاجة اليوم إلى خطاب وطني جامع، لا إلى تهريج إعلامي فارغ. وما قاله بلغيث ليس مجرد “رأي شخصي” بل تحريض مباشر على الكراهية وضرب لركيزة أساسية من ركائز الأمة الجزائرية.

لن تكتمل السيادة الجزائرية إلا بحماية كل مكونات هويتنا الوطنية، ورفض كل خطاب يقسمنا أو يصنع من بعضنا أعداءً لغيرنا.



✍️ بلقاسم مرباح




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...