التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القرار 2797: بين القانون والدبلوماسية، المفارقة المقصودة في موقف مجلس الأمن من قضية الصحراء الغربية

أثار اعتماد القرار 2797 من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء الغربية موجة جديدة من التفسيرات المتباينة.
فمن جهة، اعتبرته الرباط ومعها وسائل إعلامها المقرّبة انتصاراً دبلوماسياً يؤكد “واقعية” مخطط الحكم الذاتي المغربي.
ومن جهة أخرى، رأت الجزائر ومعها العديد من المدافعين عن الشرعية الدولية أن القرار ليس سوى نص توافقي حافظ على المبدأ الأساسي للقضية، وهو حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
لكنّ الحقيقة تكمن في ما بين السطور: إنّ صياغة القرار تعبّر عن توازن دقيق بين منطق القانون الدولي وضغوط السياسة الواقعية، وتحديداً تحت تأثير دعمٍ واضح من الولايات المتحدة وفرنسا للموقف المغربي.


1. قرار وُلد من اختلال ميزان القوى

جاء النص النهائي للقرار نتيجة ميزان قوى غير متكافئ.
فمنذ بداية المفاوضات، مارست الولايات المتحدة وفرنسا ضغوطاً واضحة لفرض الاعتراف بمخطط الحكم الذاتي الذي يقدّمه المغرب منذ عام 2007 باعتباره “الحلّ الواقعي والوحيد”.

وهذا الدعم لم يعد ضمنياً:
  • الولايات المتحدة، منذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في ديسمبر 2020 اعترافها بـ“سيادة المغرب” على الصحراء الغربية، لم تتراجع رسمياً عن هذا الموقف، وإن حاولت لاحقاً تبني لهجة أكثر دبلوماسية.
  • أما فرنسا، فقد أكدت مراراً أن المخطط المغربي يشكّل في نظرها الأساس “الجاد والواقعي” لأي تسوية دائمة.
بهذا، أصبح تأثير هاتين القوتين واضحاً في صياغة القرار، الذي يميل سياسياً نحو الرباط، لكنه يظل قانونياً مفتوحاً على مبدأ تقرير المصير.

2. الغموض الدبلوماسي ثمناً للإجماع

لتجنّب انقسام داخل مجلس الأمن، صيغ القرار بلغة غامضة ومدروسة.
فقد أُشير إلى المخطط المغربي بعبارة “يُرحّب به”، ولكن مع التأكيد على ضرورة التوصّل إلى “حلّ مقبول من الطرفين”.

وهذه الصياغة ليست صدفة: فهي تحاول موازنة الميول السياسية المؤيدة للمغرب بإدخال عبارة تحفظ الإطار القانوني للنزاع القائم على حق تقرير المصير.

بهذا، يظهر القرار كأنه يدعم سياسياً الموقف المغربي، لكنه في جوهره يبقي الباب مفتوحاً أمام الحلول الأخرى التي تنسجم مع مبادئ الأمم المتحدة.

3. تقرير المصير: بند الحماية القانونية

رغم الضغوط الغربية، نجحت الدبلوماسية الجزائرية، مدعومة بعدد من الدول مثل روسيا وموزمبيق وغويانا، في الحفاظ على الإشارة الصريحة إلى حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
وهذا التذكير ليس تفصيلاً، بل ضمان قانوني يؤكد أن طبيعة النزاع لم تتغيّر:

فالصحراء الغربية لا تزال إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي، مدرجاً منذ عام 1963 ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم التي تنتظر تصفية الاستعمار.

بالتالي، فإن أي “حلّ سياسي واقعي” لن يكون شرعياً ما لم ينبع من الإرادة الحرة للشعب الصحراوي.

4. مخطط الحكم الذاتي: اعتراف سياسي بلا شرعية قانونية

يقدّم المغرب منذ عام 2007 مخطط الحكم الذاتي بوصفه تسوية نهائية للنزاع، غير أن هذا الطرح يقوم على خلط متعمّد بين السيادة والإدارة المحلية.
ورغم أن القرار 2797، تحت تأثير فرنسي أمريكي واضح، يُبرز هذا المخطط في ديباجته، إلا أنه لا يعترف به كحلّ نهائي.

فالقرار يواصل التأكيد على أن دور المبعوث الشخصي للأمين العام يتمثل في التوصّل إلى حلّ متفاوض عليه يتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وفي مقدّمتها تقرير المصير.

5. الدور المحوري للجزائر: حارسة الشرعية الدولية

أمام هذا الاختلال في موازين القوى، تتصرّف الجزائر كقوة توازن مبدئية.
فهي لا تعتبر نفسها طرفاً في النزاع، بل حامية للإطار القانوني الأممي الذي يُصنّف القضية كملف لتصفية الاستعمار.

ومن خلال تحركاتها داخل الاتحاد الإفريقي وتنسيقها مع روسيا والصين وعدد من دول الجنوب العالمي، تمكنت الجزائر من إفشال محاولات فرض الأمر الواقع المغربي عبر بوابة الأمم المتحدة.


6. بين القانون والقوة: جوهر المفارقة

يجسّد القرار 2797 التحدّي الدائم للأمم المتحدة: كيف يمكن التوفيق بين شرعية القانون الدولي وواقع القوة الجيوسياسية؟
ففي حين تفرض واشنطن وباريس رؤيتهما السياسية عبر دعم الحكم الذاتي، تتمسّك قوى أخرى بمبدأ أن القانون لا يخضع للمصالح وأن حق تقرير المصير ليس خياراً دبلوماسياً بل التزاماً دولياً.

وهكذا، لم يكن الغموض في النص ضعفاً، بل تعبيراً عن ميزان القوى داخل مجلس الأمن، حيث يُترجم كلّ سطر توازناً دقيقاً بين الضغط السياسي والالتزام القانوني.

الخاتمة

القرار 2797 ليس نهايةً للنزاع، بل مرآة للواقع الدولي الراهن.
فبدعمٍ صريح من الولايات المتحدة وفرنسا، يميل المجلس نحو منطق الواقعية السياسية.
لكن بقاء مبدأ تقرير المصير في النص يُظهر أن القانون الدولي لم يُقصَ بعد من المعادلة.

فالصحراء الغربية ما زالت إقليماً في طور تصفية الاستعمار، ولن تغيّر أي حملات دعائية أو ضغوط سياسية هذه الحقيقة ما دام الشعب الصحراوي لم يمارس حقه غير القابل للتصرّف في تقرير مصيره.



✍️ بلقاسم مرباح

وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...