في بيان شديد اللهجة، اتهم جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي (SVR) الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتفكير في تدخل عسكري مباشر في أوكرانيا، في خطوة قد تُعد تصعيدًا محتملاً في تورط الغرب بالصراع.
مناورة سياسية أم رهانات عسكرية؟
يصف البيان الروسي إيمانويل ماكرون بأنه مُنهك داخليًا ويسعى لاستعادة هيبته المفقودة عبر مغامرة عسكرية خارجية.
وبحسب موسكو، يأمل الرئيس الفرنسي، الذي يواجه أزمة اجتماعية واقتصادية متفاقمة، أن يدخل التاريخ كقائد عسكري على غرار نابليون بونابرت.
وتُعد هذه الاتهامات جزءًا من الخطاب التقليدي للكرملين، الذي يسعى إلى تصوير القادة الغربيين على أنهم جهات غير عقلانية مدفوعة بالطموح الشخصي. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن فكرة تدخل عسكري فرنسي، حتى محدودة، ليست مستبعدة بالكامل.
ففي الأشهر الماضية، كثفت باريس من إشارات الدعم العسكري لأوكرانيا، من خلال توريد الأسلحة، وتدريب الجنود، والإعلان عن شراكة أمنية ثنائية في أوائل 2025.
الفيلق الأجنبي الفرنسي في بولندا؟
يؤكد SVR أن وحدات من الفيلق الأجنبي الفرنسي موجودة بالفعل في بولندا بالقرب من الحدود الأوكرانية، حيث تتلقى تدريبات مكثفة على التنسيق القتالي وتتسلم الأسلحة والمعدات العسكرية.
كما يشير البيان إلى أن فرنسا تقوم بتجهيز مئات الأسرّة الإضافية في المستشفيات لاستقبال الجرحى، وأن الأطباء الفرنسيين يتلقون تدريبًا ميدانيًا خاصًا.
ويهدف هذا الوصف إلى إضفاء مصداقية على رواية التدخل المحتمل، مع التأكيد على أن الحكومة الفرنسية ستزعم في حال تسرب المعلومات أنها مجرد مجموعة صغيرة من المدربين العسكريين.
أشباح التاريخ: نابليون وبولتافا
اختتم البيان الروسي بنبرة تاريخية وساخرة، حيث قارن ماكرون بـ نابليون بونابرت، واتهمه بعدم تعلم دروس الماضي، خصوصًا الهزيمة في حملة روسيا عام 1812، وفشل الملك السويدي شارل الثاني عشر في هزيمة روسيا بدعم من الهتمان الأوكراني الخائن مازيبا، والتي انتهت بـ هزيمة ساحقة للسويديين في بولتافا.
واختتم البيان بالاقتباس من المؤرخ الروسي فاسيلي كليوتشيفسكي:
“التاريخ لا يعلمنا شيئًا، لكنه يعاقبنا على عدم تعلم دروسه.”
باريس صامتة لكن الإشارات تتزايد
حتى الآن، لم يصدر عن الإليزيه أو وزارة الجيوش الفرنسية أي رد رسمي.
لكن تصريحات ماكرون في الأشهر الأخيرة تشير إلى استعداده لعدم استبعاد أي خيار لضمان انتصار أوكرانيا.
وفي مارس 2025، أكد الرئيس الفرنسي أن “لا شيء مستبعد لضمان نصر أوكرانيا”، وهو تصريح فسره الكرملين على أنه تهديد بتدخل مباشر.
كما أن التعاون العسكري الفرنسي-الأوكراني تزايد، بما في ذلك تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى وأنظمة دفاع جوي، مع احتمالية إرسال قوات فرنسية غير مقاتلة (مدربين ومستشارين) وفقًا لبعض الدوائر الدبلوماسية.
انعطاف خطير لأوروبا؟
إذا ثبتت صحة الاتهامات الروسية، سيكون ذلك تحولًا تاريخيًا، إذ ستكون هذه المرة الأولى التي يرسل فيها دولة أوروبية عضو في الناتو قوات نظامية مباشرة إلى أوكرانيا.
مثل هذا السيناريو قد يزيد من خطر التصعيد العسكري بين روسيا وحلف الأطلسي.
لكن بعض الخبراء يرون أن البيان قد يكون أداة حرب نفسية تهدف إلى تقسيم الأوروبيين وإضعاف الموقف الدبلوماسي لفرنسا.
ومع ذلك، يوضح البيان أهمية السرد الرمزي والتاريخي في الصراع الإعلامي المحيط بالحرب الأوكرانية.
الخلاصة: بين الطموح والردع والدعاية
تأتي الاتهامات الروسية لماكرون في سياق توتر شديد حيث يمكن لكل كلمة أو خطوة دبلوماسية أن تُفسر كإشارة استراتيجية.
سواء كان إرسال قوات فرنسية حقيقيًا أم لا، فإنه يعكس تحولات دور فرنسا في أوروبا بين طموح قيادي ومخاطر العزلة الاستراتيجية.
من خلال الإشارة إلى “نابليون جديد”، يسعى الكرملين إلى تقويض مصداقية باريس وإحياء ذكريات الكوارث الأوروبية في روسيا.
لكن الحقيقة تبقى أن أوروبا تقترب من نقطة مواجهة مباشرة مع روسيا، وكل قرار سياسي في باريس أو وارسو أو كييف قد يغيّر ميزان القوى على القارة.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق