التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ماكرون وظل نابليون: روسيا تتهم فرنسا بالتحضير لتدخل عسكري في أوكرانيا

في بيان شديد اللهجة، اتهم جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي (SVR) الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتفكير في تدخل عسكري مباشر في أوكرانيا، في خطوة قد تُعد تصعيدًا محتملاً في تورط الغرب بالصراع.

ووفقًا للمعلومات التي نشرها الجهاز، يسعى الرئيس الفرنسي إلى نشر قوة عسكرية تصل إلى ألفي جندي، معظمهم من الفيلق الأجنبي الفرنسي، لدعم نظام كييف. ورغم أن باريس لم تؤكد هذه المعلومات، إلا أن هذا الإعلان جذب اهتمام المراقبين الدوليين وأعاد فتح النقاش حول دور فرنسا في الحرب الأوكرانية.



مناورة سياسية أم رهانات عسكرية؟

يصف البيان الروسي إيمانويل ماكرون بأنه مُنهك داخليًا ويسعى لاستعادة هيبته المفقودة عبر مغامرة عسكرية خارجية.

وبحسب موسكو، يأمل الرئيس الفرنسي، الذي يواجه أزمة اجتماعية واقتصادية متفاقمة، أن يدخل التاريخ كقائد عسكري على غرار نابليون بونابرت.

وتُعد هذه الاتهامات جزءًا من الخطاب التقليدي للكرملين، الذي يسعى إلى تصوير القادة الغربيين على أنهم جهات غير عقلانية مدفوعة بالطموح الشخصي. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن فكرة تدخل عسكري فرنسي، حتى محدودة، ليست مستبعدة بالكامل.

ففي الأشهر الماضية، كثفت باريس من إشارات الدعم العسكري لأوكرانيا، من خلال توريد الأسلحة، وتدريب الجنود، والإعلان عن شراكة أمنية ثنائية في أوائل 2025.

الفيلق الأجنبي الفرنسي في بولندا؟

يؤكد SVR أن وحدات من الفيلق الأجنبي الفرنسي موجودة بالفعل في بولندا بالقرب من الحدود الأوكرانية، حيث تتلقى تدريبات مكثفة على التنسيق القتالي وتتسلم الأسلحة والمعدات العسكرية.

كما يشير البيان إلى أن فرنسا تقوم بتجهيز مئات الأسرّة الإضافية في المستشفيات لاستقبال الجرحى، وأن الأطباء الفرنسيين يتلقون تدريبًا ميدانيًا خاصًا.

ويهدف هذا الوصف إلى إضفاء مصداقية على رواية التدخل المحتمل، مع التأكيد على أن الحكومة الفرنسية ستزعم في حال تسرب المعلومات أنها مجرد مجموعة صغيرة من المدربين العسكريين.

أشباح التاريخ: نابليون وبولتافا

اختتم البيان الروسي بنبرة تاريخية وساخرة، حيث قارن ماكرون بـ نابليون بونابرت، واتهمه بعدم تعلم دروس الماضي، خصوصًا الهزيمة في حملة روسيا عام 1812، وفشل الملك السويدي شارل الثاني عشر في هزيمة روسيا بدعم من الهتمان الأوكراني الخائن مازيبا، والتي انتهت بـ هزيمة ساحقة للسويديين في بولتافا.

واختتم البيان بالاقتباس من المؤرخ الروسي فاسيلي كليوتشيفسكي:

“التاريخ لا يعلمنا شيئًا، لكنه يعاقبنا على عدم تعلم دروسه.”

باريس صامتة لكن الإشارات تتزايد

حتى الآن، لم يصدر عن الإليزيه أو وزارة الجيوش الفرنسية أي رد رسمي.

لكن تصريحات ماكرون في الأشهر الأخيرة تشير إلى استعداده لعدم استبعاد أي خيار لضمان انتصار أوكرانيا.

وفي مارس 2025، أكد الرئيس الفرنسي أن “لا شيء مستبعد لضمان نصر أوكرانيا”، وهو تصريح فسره الكرملين على أنه تهديد بتدخل مباشر.

كما أن التعاون العسكري الفرنسي-الأوكراني تزايد، بما في ذلك تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى وأنظمة دفاع جوي، مع احتمالية إرسال قوات فرنسية غير مقاتلة (مدربين ومستشارين) وفقًا لبعض الدوائر الدبلوماسية.

انعطاف خطير لأوروبا؟

إذا ثبتت صحة الاتهامات الروسية، سيكون ذلك تحولًا تاريخيًا، إذ ستكون هذه المرة الأولى التي يرسل فيها دولة أوروبية عضو في الناتو قوات نظامية مباشرة إلى أوكرانيا.

مثل هذا السيناريو قد يزيد من خطر التصعيد العسكري بين روسيا وحلف الأطلسي.

لكن بعض الخبراء يرون أن البيان قد يكون أداة حرب نفسية تهدف إلى تقسيم الأوروبيين وإضعاف الموقف الدبلوماسي لفرنسا.

ومع ذلك، يوضح البيان أهمية السرد الرمزي والتاريخي في الصراع الإعلامي المحيط بالحرب الأوكرانية.

الخلاصة: بين الطموح والردع والدعاية

تأتي الاتهامات الروسية لماكرون في سياق توتر شديد حيث يمكن لكل كلمة أو خطوة دبلوماسية أن تُفسر كإشارة استراتيجية.

سواء كان إرسال قوات فرنسية حقيقيًا أم لا، فإنه يعكس تحولات دور فرنسا في أوروبا بين طموح قيادي ومخاطر العزلة الاستراتيجية.

من خلال الإشارة إلى “نابليون جديد”، يسعى الكرملين إلى تقويض مصداقية باريس وإحياء ذكريات الكوارث الأوروبية في روسيا.

لكن الحقيقة تبقى أن أوروبا تقترب من نقطة مواجهة مباشرة مع روسيا، وكل قرار سياسي في باريس أو وارسو أو كييف قد يغيّر ميزان القوى على القارة.


✍️ بلقاسم مرباح

وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...