يشكّل مشروع القانون المدرج حديثًا ضمن جدول أعمال المجلس الشعبي الوطني، والذي يهدف إلى سحب الجنسية الجزائرية من أي مواطن مقيم بالخارج يرتكب أفعالًا تُعدّ تهديدًا جسيمًا لمصالح الدولة أو يُظهر ولاءً لقوة أجنبية معادية، محطة مفصلية في مسار تعزيز السيادة الوطنية.
يتناول هذا المقال بالتحليل الأسس القانونية والسياسية والجيوسياسية لهذه المبادرة، من خلال ربطها بالسياق التاريخي لتشكّل الدولة الجزائرية الحديثة، وبالتحولات الراهنة المرتبطة بما يُعرف بـ "حروب المعلومات" العابرة للحدود.
مقدمة
منذ نيل الاستقلال، ظلّ مفهوم السيادة حجر الزاوية في الخطاب السياسي الجزائري، مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالتحرر من الاستعمار وبناء الدولة الوطنية. ويأتي مشروع القانون الجديد، الذي يجيز نزع الجنسية عن الجزائريين المقيمين بالخارج في حال تورطهم في أفعال تُعدّ خيانة للوطن، ليعيد التأكيد على العلاقة الوثيقة بين المواطنة والولاء للدولة.
ويُطرح هذا المشروع في سياق تصاعد الهجمات الإعلامية والرقمية الموجهة ضد الجزائر، والتي تُدار في جزء كبير منها من الخارج، وتُصنّف رسميًا ضمن إطار "الحرب الهجينة" التي تستهدف زعزعة الاستقرار الداخلي وتشويه صورة الدولة. ومن هذا المنطلق، يسعى المقال إلى دراسة المشروع من ثلاث زوايا: الإطار القانوني، الأبعاد السياسية والرمزية، ثم الانعكاسات الدبلوماسية والاجتماعية.
أولًا: الأسس القانونية والإطار المعياري
1.1 الحق في الجنسية وحدوده
تُعدّ الجنسية رابطة قانونية وسياسية جوهرية بين الفرد والدولة، تُنتج حقوقًا وواجبات متبادلة. ويُنظّمها في الجزائر الأمر رقم 70-86 لسنة 1970، الذي يتضمّن بالفعل أحكامًا بشأن فقدان الجنسية أو إسقاطها في حالات استثنائية، كالإضرار بمصالح الدولة.
غير أن المشروع الحالي يُوسّع نطاق هذه الحالات ليشمل الأفعال المرتكبة خارج التراب الوطني، مُدخلًا بذلك مفهوم "المسؤولية العابرة للحدود"، حيث يُقاس الانتماء الوطني بمعيار الولاء السياسي، لا بمجرد الأصل أو الإقامة.
1.2 مدى التوافق مع القانون الدولي
تخضع مسألة نزع الجنسية لضوابط دولية، أبرزها اتفاقية عام 1961 للحد من حالات انعدام الجنسية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 15). ورغم أن للدولة الحق السيادي في تنظيم شؤون الجنسية، إلا أن هذا الحق مقيد بعدم التسبب في حالة انعدام الجنسية، وبضمان المحاكمة العادلة ومبدأ التناسب بين الفعل والعقوبة.
لذا، فإن تطبيق هذا القانون يجب أن يُرفق بضمانات قانونية واضحة، تشمل تحديدًا دقيقًا للأفعال التي تُعدّ خيانة، كالتعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية أو المشاركة في حملات عدائية ممولة، إضافة إلى ضمان حق الدفاع والطعن القضائي.
ثانيًا: الاستجابة السياسية للتهديدات الهجينة
2.1 أشكال جديدة من التخريب العابر للحدود
تشير السلطات الجزائرية إلى تصاعد حملات منظمة عبر الفضاء الرقمي تستهدف مؤسسات الدولة ووحدتها الرمزية، وتُدار هذه الحملات، وفق الخطاب الرسمي، من قبل أفراد أو شبكات في الخارج، تتلقى دعمًا استخباراتيًا من دول تُصنّف على أنها معادية.
ومن هنا، يبرز مفهوم "الخيانة من الخارج" كمؤشر على تحوّل نوعي في طبيعة الصراع، حيث أصبحت المعلومة والفضاء الرقمي أدوات رئيسية في المساس بالسيادة الوطنية.
2.2 السيادة الرقمية والشرعية السياسية
يأتي مشروع القانون في إطار توسّع مفهوم السيادة ليشمل المجال الرقمي والإعلامي، حيث لم يعد الولاء للوطن مرتبطًا بالموقع الجغرافي، بل بالسلوك والخطاب في الفضاء العام، لا سيما الرقمي منه.
ومن خلال هذه الخطوة، تسعى الدولة إلى تحصين فضائها السيادي من الاختراقات الإعلامية والسياسية الخارجية. ومع ذلك، يظل السؤال قائمًا: كيف يمكن تحقيق هذا الهدف دون المساس بحرية التعبير والنقاش السياسي المشروع؟
ثالثًا: الدلالة الرمزية والانعكاسات المجتمعية
3.1 الوفاء الوطني كقيمة تأسيسية
ترتبط الهوية الوطنية الجزائرية ارتباطًا وثيقًا بقيم الوفاء والتضحية من أجل الوطن، وهي قيم متجذّرة في الذاكرة الجماعية منذ حرب التحرير. ومن ثمّ، يحمل هذا المشروع رمزية قوية، إذ يُعيد التأكيد على قداسة الانتماء الوطني، ويجعل من الخيانة خطًا أحمر لا يُغتفر.
إنه، في جوهره، تعبير عن رؤية تعتبر المواطنة التزامًا أخلاقيًا بقدر ما هي وضع قانوني.
3.2 بين تعزيز الوحدة وخطر الإقصاء
على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، قد يُسهم المشروع في تعزيز التماسك الوطني وردع محاولات التشكيك في الدولة ومؤسساتها. غير أن تطبيقه بشكل غير متوازن أو توظيفه لتصفية الحسابات السياسية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، من خلال تعميق الانقسامات أو تقييد المعارضة السلمية.
ومن هنا، فإن التحدي الأكبر أمام المشرّع الجزائري يكمن في تحقيق التوازن بين مقتضيات الأمن ومبادئ العدالة.
الخاتمة
يمثّل مشروع قانون نزع الجنسية خطوة رمزية في إعادة تعريف مفهوم المواطنة في الجزائر، في ظل التحديات التي تفرضها العولمة الرقمية والحروب الإعلامية.
فهو يُعبّر عن إرادة الدولة في الدفاع عن سيادتها ضدّ أشكال التخريب غير التقليدية، لكنه في الوقت ذاته يُحمّلها مسؤولية أخلاقية وقانونية لضمان أن يبقى القانون أداة حماية لا وسيلة قمع.
إن نجاح هذا المشروع لن يُقاس بصرامته، بل بقدرته على التوفيق بين حماية الدولة وصون كرامة المواطن، وفاءً لروح الثورة التحريرية التي قامت على مبدأ: «الحرية والسيادة معًا».
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
بالرغم من انني اعيش خارج الوطن منذ 40 سنة و لكنني ادعم هاذا القانون الجديد. لانهم خونة و نحن نعرفهم واحد واحد.
ردحذف