تُشيع بعض المنابر خطابًا يعتبر مبادرة «الحكم الذاتي» المغربية الحلَّ «الوحيد الواقعي» لقضية الصحراء الغربية، وكأن ثمة تحوّلًا نوعيًا في القانون الدولي وممارسة الأمم المتحدة. يُبيّن هذا المقال، استنادًا إلى مصادر أولية رسمية، أنّ الإطار القانوني لم يتغير: فالصحراء الغربية ما تزال إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي يخضع لمسار تصفية استعمار مؤسَّس على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير؛ كما أنّ قرارات مجلس الأمن ما برحت تدعو إلى حلٍّ سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين يضمن تقرير المصير، من دون تكريس خيار واحد بعينه. ويؤكد قضاء محكمة العدل الأوروبية (2024) أنّ الإقليم «منفصل ومتميز» عن المغرب، وأن موافقة الشعب الصحراوي شرطٌ لأي اتفاق يمس الإقليم. أما المواقف الثنائية لبعض الدول، فتبقى سياسيةً ولا تغيّر الإطار متعدد الأطراف الحاكم للملف.
1) القضية في جوهرها قانونية‑سياسية أممية
ينعقد الإطار الناظم لقضية الصحراء الغربية على ثلاثة أعمدة:
-
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (1975): خلُص إلى عدم قيام أي رابطة سيادة إقليمية بين الصحراء الغربية وكلٍ من المغرب وموريتانيا، مؤكدًا سريان مبدأ تصفية الاستعمار عبر تقرير المصير للشعب الصحراوي.
-
صفة الإقليم لدى الأمم المتحدة: ما يزال مدرجًا على قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي منذ 1963، وهي قائمة توثّق قضايا تصفية الاستعمار غير المكتملة.
-
قرارات الأجهزة الرئيسية: تؤكد اللجنة الرابعة سنويًا حق الصحراويين في تقرير المصير ومسؤولية الأمم المتحدة عن المسار، كما تُبقي قرارات مجلس الأمن على صيغة الحلّ السياسي الذي يضمن تقرير المصير عبر مفاوضات جدية دون شروط مسبقة.
خلاصة جزئية: لا وجود لـ«واقعية قانونية» جديدة تُسقط حق تقرير المصير أو تُقْصِي خياراته.
2) ماذا تقول قرارات مجلس الأمن فعلًا؟
منذ 2007، يجدد المجلس ولاية المينورسو ويدعو إلى حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين يضمن تقرير المصير، مع الحثّ على التفاوض بلا شروط مسبقة وبروح الواقعية والتسوية:
-
القرار 2703 (30 أكتوبر/تشرين الأول 2023): تمديد المينورسو عامًا، دعم المبعوث الشخصي، والتشديد على احترام الاتفاقات العسكرية ووقف التصعيد.
-
القرار 2756 (31 أكتوبر/تشرين الأول 2024): تمديد جديد حتى 2025، إعادة تأكيد التزام المجلس بـحل يضمن تقرير المصير، والدعوة إلى تعزيز التعاون مع مفوضية حقوق الإنسان (OHCHR).
3) ولاية المينورسو: مرجعيةٌ استفتائية لا تُمحى
4) عن «تقرير المصير الداخلي»: تدقيقٌ مفاهيمي
5) الاجتهاد القضائي الأوروبي (2024): «إقليم منفصل ومتميز» ومفهوم «الموافقة»
هذا القضاء يعيد تثبيت التصنيف القانوني للإقليم ويُبطل الحُجج التي تفترض سيادةً مغربيةً نافذة دوليًا على الصحراء الغربية.
6) المواقف الثنائية مقابل الإطار المتعدد الأطراف
7) مشروع قانون الكونغرس الأمريكي H.R.4119 (2025) بشأن تصنيف «البوليساريو»
وعليه، لا يجوز تقديمه كواقعٍ قانونيٍ مُلزِم أو كعامل يغيّر الإطار الأممي.
8) حقوق الإنسان والحكامة: بعدٌ لا يُغفله المجلس
9) خارطة طريق مسؤولة: قانون، وقائع، وتفاوض
للتعامل الجاد مع الملف وتفادي استدامة التوتر الإقليمي، تبدو ثلاثة مبادئ لازمة ومتسقة مع القانون وممارسة الأمم المتحدة:
-
أولوية المسار الأممي: استئناف مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة برعاية المبعوث الشخصي، بحضور المغرب وجبهة البوليساريو كطرفين، والجزائر وموريتانيا كـ«دولٍ مجاورة» تسهم بحسن نية.
-
صون حق تقرير المصير: أي حلٍّ «مقبول من الطرفين» يجب أن يكفل تقرير المصير للشعب الصحراوي؛ ولا تُقبل نماذج مؤسسية—ومنها الحكم الذاتي—إلّا إن انبثقت عن موافقةٍ حرةٍ وأصيلة للشعب.
-
ضمانات قانونية واقتصادية: كل تفاهمٍ حول الموارد أو الاتفاقات الاقتصادية يجب أن يراعي اجتهاد CJUE في اشتراط موافقة الشعب لا «استشارات السكان».
خاتمة
بعيدًا عن ادعاءات «الواقعية» التي تختزل القضية في خيارٍ وحيد، تظل الصحراء الغربية ملفَّ تصفية استعمار محكومًا بمبدأ تقرير المصير؛ ولم تُقْدِم قرارات مجلس الأمن على فرض نتيجة بعينها، بل تُصِرّ على مسارٍ تفاوضي نزيه يضمن إرادة الشعب الصحراوي في شأن وضعه النهائي. وقد أعاد قضاء الاتحاد الأوروبي (2024) تثبيت الآثار القانونية المترتبة على كون الإقليم «منفصلًا ومتميزًا». أما المواقف الثنائية أو المبادرات التشريعية خارج الإطار الأممي، فلا تُبطل المرجعية المتعددة الأطراف. وعليه، فإن الخروج المسؤول من المأزق يتطلّب تنحية الدعاية جانبًا، والعودة إلى نصوص القانون ومؤسساته، وجعل إرادة الصحراويين هي البوصلة الوحيدة المتسقة مع ميثاق الأمم المتحدة.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
مراجع مختارة (روابط مباشرة)
- محكمة العدل الدولية (1975): <https://icj-cij.org/case/61> — ملخص: <https://hlrn.org/img/documents/Advisory_Opinion_1975_summary.pdf>
- قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي: <https://www.un.org/dppa/decolonization/en/nsgt> — اللجنة الرابعة 2024: <https://press.un.org/en/2024/gaspd806.doc.htm>
- S/RES/2703 (2023): <https://digitallibrary.un.org/record/4025694> — UN Press 2703: <https://press.un.org/en/2023/sc15471.doc.htm>
- S/RES/2756 (2024): <https://press.un.org/en/2024/sc15882.doc.htm> — Security Council Report: <https://www.securitycouncilreport.org/western-sahara/>
- MINURSO – التفويض: <http://minurso.unmissions.org/mandate> — تقرير SG S/2024/707: <https://documents.un.org/doc/undoc/gen/n24/279/78/pdf/n2427978.pdf>
- CJUE (4/10/2024): <https://eur-lex.europa.eu/legal-content/EN/TXT/?uri=CELEX%3A62021CJ0779> — ECFR تحليل: <https://ecfr.eu/article/still-free-to-choose-what-polisarios-legal-win-means-for-eu-ties-with-morocco-and-western-sahara/>
- بيان الخارجية الأمريكية (8/4/2025): <https://www.state.gov/secretary-rubios-meeting-with-moroccan-foreign-minister-bourita/> — رويترز/US News: <https://www.usnews.com/news/world/articles/2025-04-08/us-says-moroccan-proposal-should-be-sole-basis-for-western-sahara-talks>
- H.R.4119 (مشروع قانون أمريكي – مرحلة الإحالة): <https://www.congress.gov/bill/119th-congress/house-bill/4119/text> — GovTrack: <https://www.govtrack.us/congress/bills/119/hr4119>
تعليقات
إرسال تعليق