التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الجزائر.. بين الدبلوماسية الحازمة والتحالفات الاستراتيجية: الرد على أوهام الدعاية المغربية حول مشروع القرار الأممي

تحاول الآلة الإعلامية المغربية، مرة أخرى، صناعة الوهم وتزييف الحقائق من خلال الترويج لمزاعم مفادها أن الجزائر “تتجه نحو الامتناع عن التصويت” على مشروع القرار الأممي المتعلق بالصحراء الغربية، وأن روسيا “لن تستخدم حق النقض”، في محاولة يائسة لإيهام الرأي العام بأن ميزان القوى الدولي بات يميل لصالح الأطروحة المغربية. غير أن هذه الدعاية الرخيصة تصطدم بجدار الواقع الجيوسياسي الصلب، وبالتحالفات الاستراتيجية العميقة التي نسجتها الجزائر مع القوى العالمية الكبرى، وعلى رأسها روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية.



أولاً: روسيا لن تقبل مشروعاً يتناقض مع الشرعية الدولية

يعرف المتابعون للشأن الدولي أن روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن، لا يمكنها بأي حال أن تدعم مشروع قرار يُشرعن الاحتلال أو يكرّس الأمر الواقع الذي تفرضه قوة استعمارية على شعب يسعى لتقرير مصيره.

فالمبدأ الروسي الثابت يقوم على رفض فرض الحلول الأحادية، وعلى التمسك الصارم بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، التي تؤكد أن الصحراء الغربية إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، وأن الحل لا يمكن أن يكون إلا عبر استفتاء حر ونزيه يعبّر فيه الشعب الصحراوي عن إرادته.

روسيا التي وقفت إلى جانب الشعوب في وجه الهيمنة الغربية من أوكرانيا إلى سوريا، لا يمكنها أن تصمت أمام محاولة أمريكية-مغربية لفرض واقع استعماري جديد في شمال إفريقيا، يهدد الأمن الإقليمي ويفتح الباب أمام تدخلات أجنبية مباشرة.


ثانياً: الشراكة الجزائرية-الروسية تتجاوز الظرفية

تحاول بعض الأقلام المأجورة تصوير العلاقة الجزائرية-الروسية على أنها علاقة ظرفية أو محدودة التأثير. والحقيقة أن هذه الشراكة هي تحالف استراتيجي شامل، قائم على المصالح المتبادلة والرؤية المشتركة لعالم متعدد الأقطاب.

فروسيا تدرك تماماً أن الجزائر تمثل عمقها الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط وفي القارة الإفريقية، وأنها شريك موثوق ومؤثر في ملفات الطاقة، الأمن، والتوازن الإقليمي.

كما أن الجزائر، من جهتها، تعتبر روسيا ركيزة أساسية في معادلة الردع الدبلوماسي والعسكري ضد أي محاولة للمساس بأمنها القومي أو فرض إملاءات غربية تمس بسيادتها أو بمبادئها الثابتة في دعم حركات التحرر.

ثالثاً: الصين.. الداعم الصامت للشرعية

في موازاة ذلك، لا يمكن تجاهل الموقف الصيني الراسخ في دعم احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

الصين، كقوة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن، تعارض تماماً منطق “الأقاليم الذاتية” المفروضة من الخارج، وتدرك أن دعمها للشرعية الدولية في الصحراء الغربية هو دفاع غير مباشر عن مبدأ وحدة أراضيها.

ولهذا، فإنّ بكين لن تقبل مشروعاً يكرّس هيمنة قوة احتلال أو يفتح الباب أمام سابقة خطيرة في القانون الدولي.

رابعاً: الجزائر لا تساوم على المبادئ

من يتحدث عن “امتناع الجزائر عن التصويت” يتجاهل حقيقة أساسية وهي أن الجزائر لا تبني مواقفها على الحسابات الشكلية داخل مجلس الأمن، بل على مبادئها التاريخية: دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومناهضة الاستعمار بكل أشكاله.

وإذا كان الامتناع عن التصويت تكتيكاً دبلوماسياً في لحظة معينة، فإن الجزائر لن تتنازل أبداً عن جوهر موقفها، ولن تسمح بتمرير أي قرار يُفرّط في حق الشعب الصحراوي، أو يمسّ بمكانة جبهة البوليساريو كممثل شرعي ووحيد لهذا الشعب.

خامساً: الردع السيادي وخطوط الجزائر الحمراء

لقد عبّر الرئيس عبد المجيد تبون بوضوح عن الالتزام الثابت تجاه القضية الصحراوية، مؤكداً أن الجزائر لن تقبل بأي حل يُفرض على الشعب الصحراوي خارج إرادته الحرة.

وفي حال فُرضت تسوية تتعارض مع الشرعية الدولية أو تمسّ بمصالح الجزائر الحيوية، فإن الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير، لن يتردد في اتخاذ كل الإجراءات التي تضمن حماية الأمن القومي الجزائري، وصون وحدة المنطقة من أي محاولة للابتلاع أو التوسع الاستعماري الجديد.

فالقوة ليست خياراً عدوانياً بالنسبة للجزائر، بل حق سيادي مشروع للدفاع عن أمنها ومبادئها.

سادساً: نهاية الوهم المغربي

إن الخطاب الدعائي المغربي الذي يروّج لـ”عزلة الجزائر” و”تراجعها” يعكس أزمة وعي في المخيال المخزني أكثر مما يعكس واقعاً دولياً.

فالعالم اليوم يشهد انهيار الهيمنة الأمريكية وصعود قوى جديدة ترفض الوصاية الغربية، بينما تحافظ الجزائر على استقلال قرارها، وتعزّز موقعها كقوة إقليمية مؤثرة، ذات مصداقية وعمق استراتيجي متين.

أما “المكاسب الدبلوماسية” التي يتحدث عنها الإعلام المغربي فهي مجرد سراب، سرعان ما يتبخر عند أول مواجهة مع الموقف الروسي أو الصيني داخل مجلس الأمن.

الخلاصة

الجزائر ليست في موقع “الحرج” كما يدّعي الإعلام المغربي، بل في موقع قوة ورصانة، لأنها تتحرك وفق رؤية استراتيجية واضحة، مبنية على ثوابت الثورة التحريرية ومبدأ عدم الانحياز.

وإذا كان بعض الأطراف يظن أن قرارات الأمم المتحدة يمكن أن تُستخدم أداة لابتزاز الشعوب، فعليه أن يتذكر أن الجزائر لا تُبتزّ، ولا تُرهب، ولا تتنازل.

الجزائر ستظل وفية لتعهد رئيسها بأن لا يُفرض على الشعب الصحراوي ما لا يرضاه، وبأن أمن الجزائر وكرامتها لا يُقايضان بأي قرار أو تفاهم، مهما كان مصدره.


✍️ بلقاسم مرباح

وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...