تُظهر الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى موسكو أن الدبلوماسية المغربية تواجه طريقاً مسدوداً في محاولاتها إقناع القوى الكبرى بقبول الأمر الواقع في الصحراء الغربية، والاعتراف بـ”السيادة المغربية” على الإقليم.
فعلى الرغم من الطابع الرسمي والمجاملات الدبلوماسية التي طبعت اللقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلا أن فحوى التصريحات الصادرة بعد المؤتمر الصحفي المشترك كشفت بوضوح حدود هذه الزيارة، بل وإخفاقها في تحقيق الأهداف التي راهن عليها المغرب.
■ الموقف الروسي: القانون الدولي أولاً
في تصريحاته، حاول بوريطة أن يُظهر نوعاً من التفاهم مع موسكو، فقال:
“نتفق مع روسيا على أن الحل يجب أن يكون منسجماً مع القانون الدولي.”
هذه الجملة وحدها كافية لتختصر المأزق المغربي في التعامل مع الموقف الروسي. فروسيا، التي تتمسك بمبدأ تقرير المصير وشرعية الأمم المتحدة كإطار وحيد لتسوية النزاعات الإقليمية، لم تغيّر قيد أنملة من موقفها التاريخي من قضية الصحراء الغربية.
وبهذا، فإن إقرار بوريطة بمرجعية القانون الدولي يعني ضمنياً تبني نفس المبدأ الذي تدافع عنه الجزائر منذ عقود، والمتمثل في ضرورة تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير وفق قرارات الأمم المتحدة.
■ فشل الرهان على “الديناميكية الجديدة”
حاول الوزير المغربي تلميع الموقف بالحديث عن “ديناميكية جديدة يعرفها ملف الصحراء” وعن “تغير مواقف العديد من الدول”، في إشارة إلى الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية وبعض المواقف الأوروبية المتذبذبة.
لكن الرد الروسي، وإن جاء دبلوماسياً، كان عملياً بارداً وواضحاً: موسكو لا تعترف بأي تغيير في الوضع القانوني للإقليم، ولا تقبل فرض الأمر الواقع خارج مظلة الأمم المتحدة.
وبذلك تكون زيارة بوريطة قد اصطدمت مجدداً بجدار المبدأ الروسي الثابت، الذي يرفض خرق القانون الدولي أو تجاوز قرارات مجلس الأمن.
■ دبلوماسية المظاهر بدل النتائج
لم تحمل الزيارة أي إعلان مشترك أو تفاهم جديد، ولم تصدر عنها حتى صيغة رمزية توحي بأن روسيا تميل نحو الموقف المغربي.
على العكس، فإن إشادة بوريطة بـ”الدور المحوري لروسيا كعضو دائم في مجلس الأمن” بدت محاولة يائسة لاسترضاء موسكو، أكثر مما كانت إشارة إلى شراكة حقيقية أو توافق فعلي حول الملف الصحراوي.
أما في الكواليس، فقد قرأت الأوساط الدبلوماسية الروسية الرسائل المغربية بوضوح: الرباط تريد من موسكو موقفاً داعماً للمغرب داخل مجلس الأمن، وهو ما لم يتحقق ولن يتحقق ما دامت روسيا متمسكة بمرجعيات الشرعية الدولية.
■ تطابق غير معلن مع الموقف الجزائري
المفارقة اللافتة هي أن التصريحات المغربية نفسها أقرت عملياً بالمبادئ التي طالما أكدت عليها الجزائر:
- احترام القانون الدولي؛
- رفض فرض الحلول الأحادية؛
- التمسك بمسار الأمم المتحدة.
وهكذا، فإن زيارة بوريطة إلى موسكو، التي كانت تهدف إلى كسب دعم روسي لخيارات المغرب، انتهت إلى تعزيز الموقف الجزائري أكثر مما أضعفته.
فقد وجد المغرب نفسه، من حيث لا يدري، مضطراً للحديث بنفس لغة الجزائر أمام شريك دولي لا يساوم على المبادئ القانونية.
■ خلاصة
تؤكد زيارة بوريطة إلى موسكو أن الدبلوماسية المغربية تفقد تدريجياً قدرتها على فرض سرديتها حول الصحراء الغربية، خاصة أمام القوى الكبرى التي تتعامل مع الملف من زاوية الشرعية الدولية لا المصالح الظرفية.
لقد خرج الوزير المغربي من موسكو من دون مكاسب، وربما بخسارة رمزية كبيرة: الاعتراف العلني بأن القانون الدولي هو المرجعية العليا، وهي الجملة التي تعيد الملف إلى مربّعه الأول، وتعيد إحياء مقاربة الجزائر والبوليساريو في المحافل الدولية.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق