التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الجزائر على طريق بلوغ 400 مليار دولار من الناتج الداخلي الخام: بين التوقعات والرهانات

تشهد الجزائر تحولات اقتصادية عميقة تعكس مساراً جديداً نحو تنويع الاقتصاد وتعزيز موقعها الإقليمي. ووفقاً للخبير الاقتصادي كريم ساسي، المستشار في الاستراتيجية والشريك لدى مكتب PwC البريطاني، فإن الجزائر قادرة على تحقيق 400 مليار دولار كناتج داخلي خام بحلول سنة 2027. هذه التوقعات تلتقي مع الرؤية التي أعلنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ما يعكس ـ في نظر الخبير ـ ديناميكية هيكلية أكثر منها ظرفية (صحيفة لُوبينيون الفرنسية، سبتمبر 2025).



صعود جزائري في إفريقيا

على المستوى القاري، تستعد الجزائر لتكريس مكانتها كـ ثالث أكبر اقتصاد إفريقي بعد نيجيريا ومصر. ويستند هذا الصعود إلى عدة ركائز:
  • تحديث قطاع الصناعات الغذائية الزراعية، لاسيما من خلال المشاريع الكبرى في الجنوب؛
  • تنامي دور التكنولوجيا الحديثة والرقمنة؛
  • تدفق استثمارات أجنبية إنتاجية في قطاعات الطاقة والصناعة.

وتُجسّد الشراكات القائمة هذه الديناميكية: مجموعة توسيالي التركية باستثمارات تفوق 6 مليارات يورو في الصناعات المعدنية، مشروع تايال في النسيج، إلى جانب كبريات الشركات الأمريكية مثل شيفرون وإكسون موبيل وأوكسي، فضلاً عن استثمارات إيطالية في الفلاحة، روسية في الصناعات الدوائية، وصينية في قطاعات متنوعة.

كما أسهم قانون الاستثمار الجديد (2022)، الذي دخل حيز التنفيذ في 2023، في تعزيز جاذبية السوق الجزائرية، إذ تم تسجيل أكثر من 16 ألف مشروع جديد وفقاً لـ الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار (2024).


مؤشرات اقتصادية مستقرة

على صعيد المؤشرات الكلية، تبدو الأوضاع أكثر استقراراً: نمو متوقع عند 3,5 %، تضخم متراجع إلى 4 % خلال 2025، فضلاً عن تحسن التوازنات المالية العامة بفضل سياسة وزارة المالية. وقد حافظت هذه الوزارة على استقرارها ضمن حكومة سيفي غريب (المعينة في 14 سبتمبر 2025)، حيث نُسب إليها الفضل في إعادة التوازن للحسابات الجارية وإعادة تعريف دور الخزينة بعيداً عن منطق الريع والاعتماد المفرط على الدعم.

كما أُعطي اهتمام خاص لـ الأمن الغذائي عبر تعيين وزير جديد للفلاحة مكلف بتطوير آليات التتبع والابتكار التكنولوجي، إضافة إلى إطلاق وزارة خاصة بالطاقة والطاقات المتجددة للإشراف على مشاريع الطاقة الشمسية والريحية والهيدروجين.

العلاقات الاقتصادية الجزائرية ـ الفرنسية: بين المنافسة والاستمرارية

ورداً على ما يُروَّج حول “حملة استهداف” للشركات الفرنسية، يؤكد ساسي أن الأسواق الجزائرية باتت تُفتح على المنافسة وهو ما قد يُربك بعض المزودين التقليديين دون أن يُقصيهم. الأرقام تعزز هذا الطرح، إذ بلغت قيمة التبادلات التجارية بين الجزائر وفرنسا نحو 5 مليارات يورو في النصف الأول من 2025، وهو مستوى مشابه لما تم تسجيله في 2023 و2024 (البيانات الجمركية الفرنسية، 2025).


تحديات المستقبل

ورغم تكوين ما يقارب 300 ألف خريج جديد سنوياً “أكثر تأهيلاً”، كما يقول الخبير، إلا أن الجزائر مدعوة إلى استقطاب كفاءات من جاليتها في الخارج لتسريع وتيرة الابتكار ونقل المعرفة.

غير أن التفاؤل الذي تعكسه تقارير PwC لا يُلغي التحديات المستمرة: فالاعتماد الكبير على عائدات المحروقات لا يزال قائماً، والبيروقراطية تعرقل بعض المشاريع، بينما يبقى الرهان الأكبر هو تحويل الموارد الريعية الحالية إلى استثمارات إنتاجية طويلة المدى.


✍️ بلقاسم مرباح

وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...