يُعد حق الشعوب في تقرير مصيرها من المبادئ الراسخة في القانون الدولي المعاصر، وهو مبدأ نصت عليه ميثاق الأمم المتحدة وعدد من قرارات الجمعية العامة. ورغم وضوح هذا الحق في الصياغة القانونية، إلا أن مسألة مدى إلزامية إدراج خيار الاستقلال في أي استفتاء يُجرى تحت مسمى “تقرير المصير” تثير جدلاً سياسياً وقانونياً واسعاً، خاصة في حالات النزاعات الإقليمية أو القضايا الاستعمارية السابقة.
الإطار القانوني الدولي
- ميثاق الأمم المتحدة (المادة 1، الفقرة 2) يقر بحق الشعوب في “تقرير مصيرها” كأحد مقاصد المنظمة.
- قرار الجمعية العامة 1514 (د-15) لعام 1960 المعروف بـ”إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة” يؤكد أن الاستقلال هو الشكل الأسمى لتقرير المصير بالنسبة للشعوب الخاضعة للاستعمار.
- قرار الجمعية العامة 1541 (د-15) يحدد ثلاثة أشكال لممارسة تقرير المصير:
- الاستقلال الكامل.
- الارتباط الحر مع دولة أخرى.
- الاندماج الكامل في دولة أخرى.
بناءً على هذه القرارات، يعتبر خيار الاستقلال ركيزة أساسية لأي عملية استفتاء يراد لها أن تُعترف دوليًا كآلية لتقرير المصير.
التجارب التاريخية
- تيمور الشرقية (1999): أجري استفتاء بإشراف الأمم المتحدة تضمّن خيار الاستقلال، وكانت النتيجة لصالح الانفصال عن إندونيسيا.
- جنوب السودان (2011): استفتاء واضح بين البقاء ضمن السودان الموحد أو إعلان الاستقلال، وأفضت النتيجة إلى قيام دولة جديدة.
- كيبيك – كندا (1995): استفتاء محلي على الاستقلال لم يكن تحت إشراف الأمم المتحدة، لكنه جسّد ممارسة سياسية لتقرير المصير.
- كاليدونيا الجديدة (1987): استفتاء غابت عنه مشاركة واسعة من السكان الأصليين لغياب شروط الثقة، ولم يكن خيار الاستقلال واضحاً في صياغة الاستفتاء الأول، مما أضعف مشروعيته.
الفروق بين الاستفتاءات
- الاستفتاء على الاستقلال: واضح ومباشر، يعتمد صيغة “نعم/لا” على الانفصال.
- استفتاء تقرير المصير: يجب أن يتضمن الاستقلال كأحد البدائل، إلى جانب خيارات أخرى كالاتحاد أو الارتباط الحر.
- الاستفتاء الداخلي على الوضع السياسي: قد يمنح صلاحيات أو حكماً ذاتياً، لكنه لا يرقى إلى مستوى تقرير المصير ما لم يتضمن خيار الانفصال.
الإشكاليات السياسية
بعض الدول التي تواجه حركات انفصالية تحاول تجنب إدراج خيار الاستقلال في الاستفتاءات، والاكتفاء بطرح بدائل داخل إطار الدولة الأم، وذلك خوفاً من فقدان وحدة الإقليم. إلا أن هذا التوجه، من منظور القانون الدولي، يجعل الاستفتاء مجرد تشاور داخلي وليس ممارسة حقيقية لحق تقرير المصير.
الخلاصة
إن حق تقرير المصير، كما استقر في القانون الدولي، لا يكتمل إلا بتمكين الشعب المعني من الاختيار الحر بين جميع البدائل، بما فيها الاستقلال الكامل. وأي استفتاء يُستبعد فيه هذا الخيار يفقد أهم ركن من أركان الممارسة الشرعية لهذا الحق، ويظل في إطار الإصلاحات أو التسويات الداخلية.
وبالتالي، فإن إدراج خيار الاستقلال ليس فقط ضرورة قانونية، بل هو ضمانة سياسية لشرعية العملية واعتراف المجتمع الدولي بنتائجها.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق