منذ انطلاق القضية الفلسطينية في منتصف القرن العشرين، أصبحت رمزًا للنضال والتضامن في العالم العربي والإسلامي. ومع ذلك، فإن المغرب اتخذ مواقف متناقضة بل وخائنة تجاه هذه القضية المركزية. يتفاقم هذا التناقض اليوم مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل وسط حملة قمع وحشية في فلسطين، في حين يعبر الشعب المغربي عن دعمه للفلسطينيين لكنه عاجز عن التأثير في سياسات نظامه. يستعرض هذا المقال خيانات المغرب للقضية الفلسطينية من عهد الحسن الثاني إلى يومنا هذا.
1. موقف المغرب من القضية الفلسطينية: تضامن شكلي محدود
تاريخيًا، أظهر المغرب دعمًا شفهيًا للقضية الفلسطينية، خاصة في المنابر العربية، لكنه لم يشارك فعليًا في الدعم العسكري أو اللوجستي. على عكس دول أخرى مثل سوريا ومصر والجــزائــر، لم يسمح المغرب بوجود قوي أو دائم للمقاتلين الفلسطينيين على أراضيه (سيغيغ، 1997).
2. الحسن الثاني وتسريب تسجيلات جامعة الدول العربية عام 1967
تعتبر واحدة من أبرز خيانات المغرب تجاه القضية الفلسطينية تسريب الحسن الثاني لتسجيلات اجتماعات جامعة الدول العربية السرية قبيل حرب يونيو 1967 (حرب الأيام الستة).
2.1. سياق حرب الأيام الستة
في يونيو 1967، كانت الدول العربية تستعد لمواجهة العدوان الإسرائيلي القادم، وكانت اجتماعات الجامعة العربية سرية لإعداد استراتيجية مشتركة وللحفاظ على عنصر المفاجأة.
2.2. الخيانة والتسريب
وفقًا لعدة مصادر تاريخية (بابي، 2006؛ شلايم، 2000)، نقل الحسن الثاني معلومات وتسجيلاّت سرية إلى الأجهزة الفرنسية التي بدورها سلمتها لإسرائيل، مما أتاح لإسرائيل معرفة تحركات العرب مسبقًا، وساهم في النصر الإسرائيلي السريع والمهين.
2.3. الدوافع والنتائج
جاء هذا التسريب وفق حسابات سياسية ساعية لتعزيز مصلحة المغرب على حساب التضامن العربي والفلسطيني، وتمثل تقويضا لدور المغرب في الوحدة العربية (ميلر، 2013).
3. التطبيع مع إسرائيل: انقلاب تاريخي
في 2020، وقع المغرب اتفاقيات أبراهام التي مهدت لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية (وزارة الخارجية الأمريكية، 2020).
3.1. تناقض الشعب المغربي
بينما يعبر غالبية المغاربة عن تأييدهم للقضية الفلسطينية، إلا أنهم عاجزون عن التأثير على السياسات الرسمية التي تذهب نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. هذا التناقض يبرز الفجوة بين إرادة الشعب وسياسات النظام (ميدل إيست مونيتور، 2021).
3.2. شرعنة الاحتلال الإسرائيلي
هذا التطبيع يزود إسرائيل بشرعية جديدة تضعف التضامن العربي وتمنح قوة أكبر لمواصلة الاحتلال والاعتداءات على الفلسطينيين.
4. الوجود العسكري الإسرائيلي في المغرب عام 2025: استفزاز في ظل المجازر في غزة
في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي الدموي في غزة عام 2025، أظهرت مناورات “الأسد الأفريقي” في المغرب تواجدًا لجنود من لواء جولاني الإسرائيلي، الوحدة المتميزة في الجيش الإسرائيلي (العربية، 2025). هذا الوجود يؤكد تحالف المغرب العسكري مع إسرائيل، رغم الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية في فلسطين.
هذه الحقيقة تعكس ازدواجية دولة تدعي الانتماء العربي والإسلامي لكنها تتعامل بما يتناقض مع طموحات شعبها ومبادئ التضامن العربي.
الخاتمة
يمثل موقف المغرب من القضية الفلسطينية سلسلة من الخيانات السياسية والتاريخية التي تمتد من تسريب الحسن الثاني لتسجيلات جامعة الدول العربية إلى التطبيع الرسمي مع إسرائيل، وامتدادًا للتعاون العسكري في 2025. هذه السياسات تعكس توجهات استراتيجية تسعى إلى حماية مصالح المغرب على حساب الوحدة العربية والتضامن مع فلسطين. ويبرز التناقض بين تأييد الشعب المغربي للقضية الفلسطينية وعجزه عن تغيير سياسات نظامه كدليل على الانقسام العميق بين الشعب والسلطة، مما يستوجب تحركًا عربيًا شعبيًا أصيلًا لمواجهة هذه الانقسامات والدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
المراجع
- أبو خليل، أ. (2004). القاموس التاريخي للصراع العربي-الإسرائيلي. سكارو كرو.
- سيغيغ، ي. (1997). النضال المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية 1949-1993. مطبعة جامعة أكسفورد.
- بابي، إ. (2006). التطهير العرقي لفلسطين. ونورلد.
- شلايم، ع. (2000). الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي. دبليو. دبليو. نورتون وشركاه.
- ميلر، س. (2013). الملك الحسن الثاني والتاريخ السري للصراع العربي-الإسرائيلي. مجلة الشرق الأوسط.
- تولان، ج. (2007). الفرنسيون واليهود: تاريخ الصراع. مطبعة برينستون.
- وزارة الخارجية الأمريكية. (2020). إعلان اتفاقيات أبراهام. https://www.state.gov/abraham-accords-declaration/
- الجزيرة. (2020). الفلسطينيون يدينون تطبيع المغرب مع إسرائيل. https://www.aljazeera.net/news/2020/12/11/الفلسطينيون-يدينون-تطبيع-المغرب-مع-إسرائيل
- العربية. (2025). تواجد جنود إسرائيليين في المغرب خلال مناورات الأسد الأفريقي.
تعليقات
إرسال تعليق