بينما يقضي الرئيس الجزائري عطلته الصيفية، متوقفًا بشكل طبيعي عن أنشطته الرسمية، تعيش الساحة المغربية على إيقاع غريب. فقد تكاثرت اللايفات والتعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي في المغرب، كلّها تبحث في سؤال واحد: «أين يوجد الرئيس الجزائري؟». سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يكشف عن خلفيات سياسية ونفسية عميقة.
مفارقة لافتة
ما يثير الانتباه أولاً هو المفارقة الصارخة: ملك المغرب نفسه يغيب باستمرار، تارةً بسبب المرض وتارةً بسبب عطل طويلة يقضيها في الخارج. ومع ذلك، لا تنشغل بعض الأوساط المغربية بغياب ملكها، بل تُسخّر جهدها للتجسس على وجود أو غياب الرئيس الجزائري.
ويأتي ذلك في وقت يعيش فيه المغرب أزمات خانقة ومتعددة: اقتصادية مع تفاقم المديونية، اجتماعية مع اتساع رقعة الفقر والبطالة، وسياسية مع نظام مغلق يتركز في يد الملك ويقمع الأصوات المعارضة. ومع ذلك، تُستغل كل هذه الأزمات لصالح خطاب واحد: الحديث عن الجزائر.
الحرب الإعلامية كوسيلة للتغطية
الهوس بالرئيس الجزائري ليس عفوياً. بل يندرج في إطار حرب إعلامية يقودها النظام المغربي. شبكات التواصل أصبحت سلاحًا دعائيًا: تضخيم غياب الرئيس الجزائري أو اختلاق الشائعات حوله وسيلة لتحويل انتباه الرأي العام المغربي بعيدًا عن همومه الحقيقية.
إنها سياسة إلهاء واضحة: التركيز على “الآخر” عوض مواجهة الواقع الداخلي. وهكذا يتحول غياب عادي لرئيس في عطلة إلى مادة خصبة لبث الفضول والتشكيك، فقط لإبقاء المجتمع المغربي في دائرة المقارنة المستمرة مع الجزائر.
علاقة هوسية بالجزائر
لكن المسألة تتجاوز مجرد الدعاية. فهناك بُعد نفسي عميق: المغرب يعيش في حالة مقارنة دائمة مع الجزائر، إلى درجة يصبح وجوده السياسي مرهونًا بما يجري عند الجار الشرقي. هذه العلاقة غير السوية تُترجم إلى متابعة مفرطة لكل تفاصيل الجزائر، حتى التوقف المؤقت للرئيس عن نشاطاته الرسمية.
الجزائر بالنسبة للمغرب ليست مجرد جار، بل هي مرآة يعكس فيها عقده وأزماته الداخلية. بدل أن يواجه هذه الأزمات، يجد في “الهوس بالجزائر” وسيلة للتنفيس ولتغذية خطاب سياسي هش.
لعبة خطيرة
غير أن هذا الهوس قد ينقلب على المغرب. إذ إن الانشغال المستمر بالجزائر لا يلغي حقائق الداخل: التضخم، البطالة، المديونية، تراجع الثقة الشعبية، وانسداد الأفق السياسي. هذه التحديات لن تُحلّ عبر تتبّع أخبار الرئيس الجزائري أو محاولة صناعة الشائعات حوله.
الحقيقة أن المغرب كلما زاد تركيزه على الجزائر، كلما كشف ضعفه الداخلي. فالثقة بالنفس والدولة لا تحتاج إلى مراقبة الآخر، بل إلى بناء مشروع وطني متماسك.
خاتمة
إن الانشغال المفرط بغياب الرئيس الجزائري ليس مجرد فضول شعبي، بل انعكاس لعلاقة مرضية قائمة على الانبهار والغيرة والعداء في آن واحد. النظام المغربي يغذي هذا الهوس ليُلهي شعبه عن أزماته الداخلية، لكنه في النهاية يرسّخ صورة بلد غير قادر على مواجهة نفسه دون الاستناد إلى “الجار الجزائري”.
أما الجزائر، فهي ليست في حاجة إلى الدخول في هذه الألعاب الصغيرة. خيارها واضح: المضي في طريقها السيادي بثقة وهدوء، تاركةً خصومها يغرقون في تناقضاتهم.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
سلام عليكم،المطلوب من ألسلطات ترحيل الرعايا المغاربة إلى بلادهم و شكرا
ردحذف