تسابقت وسائل الإعلام المغربية، في حالة من النشوة والانتصار المزعوم، للاحتفاء برسالة وجهها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب إلى الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش في صيف 2025، أعاد فيها التأكيد على اعتراف واشنطن المثير للجدل بـ”السيادة” المغربية على الصحراء الغربية، وهو الاعتراف الذي أعلنه لأول مرة في ديسمبر 2020 خلال ولايته الأولى.
بالنسبة للخطاب الرسمي في الرباط، تمثل هذه الرسالة تأكيداً جديداً على ما يُسوّق له كـ”شرعية دولية” لضم الإقليم، وكخطوة أخرى نحو تثبيت الأمر الواقع.
لكن خلف هذه الضوضاء الإعلامية والزخم الدبلوماسي، تبقى الحقيقة واضحة وثابتة: هذه الرسالة، مهما كانت رمزيتها، لا تغيّر شيئاً من الوضع القانوني للصحراء الغربية. فالقانون الدولي، المكرّس في قرارات الأمم المتحدة والمدعوم برأي محكمة العدل الدولية، لا يزال يؤكد أن الصحراء الغربية إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، يخضع لمسار تصفية استعمار لم يكتمل بعد.

وهم الاعتراف كأداة لتغيير الواقع القانوني
لو كان اعتراف عضو دائم في مجلس الأمن كافياً لتغيير الوضع القانوني لأي إقليم، لكانت فرنسا قد أخرجت منذ زمن طويل كاليدونيا الجديدة أو بولينيزيا الفرنسية من قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي. والأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة بالنسبة لجزر فيرجن الأمريكية أو ساموا الأمريكية، وعلى بريطانيا بالنسبة لجبل طارق أو برمودا.
إن استمرار هذه الأقاليم على قائمة الأمم المتحدة يثبت قاعدة أساسية: الاعتراف الأحادي من دولة، مهما بلغت قوتها، لا يمكن أن يحل محل المسار الأممي المتعدد الأطراف المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.
أولاً: الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار لا نزاع ثنائياً
منذ عام 1963، أدرجت الأمم المتحدة الصحراء الغربية ضمن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، الخاضعة لمسار تصفية الاستعمار، وفقاً للقرار 1514 (د-15) الصادر عن الجمعية العامة، والذي ينص على أن “جميع الشعوب لها الحق في تقرير مصيرها” وأن أي ضم قسري يتعارض مع هذا الحق.
وفي 16 أكتوبر 1975، أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً واضحاً: لا وجود لأي روابط سيادة إقليمية بين المغرب والصحراء الغربية يمكن أن تبرر ضم الإقليم.
ثانياً: مبادرة الحكم الذاتي المغربية – عرض أحادي بمرجعية سيادة مفترضة
في عام 2007، قدّم المغرب ما سمّاه “المبادرة المغربية للتفاوض بشأن حكم ذاتي” كحل سياسي نهائي. لكن القراءة المتأنية تكشف أن هذا المقترح مبني على افتراض أحادي وهو أن السيادة المغربية أمر مسلّم به، في حين أن هذه السيادة لا تعترف بها أي جهة أممية أو دولية معتبرة.
1. تجاهل جوهر حق تقرير المصير
الخطة لا تتيح لشعب الصحراء الغربية الاختيار الحر بين الاستقلال أو الاندماج أو الحكم الذاتي، وهو ما يجعلها مخالفة تماماً للمعايير الدولية التي تشترط أن تكون كل الخيارات مطروحة في أي استفتاء لتقرير المصير.
2. استبعاد الممثل الشرعي للشعب الصحراوي
تم إعداد المبادرة وإعلانها من جانب واحد دون التشاور مع جبهة البوليساريو، المعترف بها من الأمم المتحدة كممثل شرعي وحيد للشعب الصحراوي، مما يجعلها في جوهرها خطة إملاء وليست إطاراً للتفاوض المتكافئ.
ثالثاً: حكم ذاتي صوري تحت سيطرة مركزية مطلقة
رغم العنوان المعلن، تحتفظ المبادرة المغربية ببنية سلطة مركزية صارمة:
- احتكار الملك للشؤون الدينية والدبلوماسية والعسكرية والقضائية.
- تعيين رئيس الحكومة الإقليمية من قبل السلطة المركزية.
- خضوع القضاء الإقليمي لرقابة القضاء الوطني.
وبذلك يصبح “الحكم الذاتي” مجرد غطاء سياسي يفتقر إلى أي مضمون سيادي حقيقي.
رابعاً: استغلال غير مشروع للثروات الطبيعية
تستغل الرباط موارد الصحراء الغربية من فوسفات وثروات سمكية وطاقة متجددة دون موافقة الشعب الصحراوي، في خرق واضح للأحكام المتكررة لمحكمة العدل الأوروبية (2016، 2018، 2021). ولا تتضمن الخطة أي آليات لضمان الإدارة المستقلة لهذه الموارد أو الحصول على موافقة أصحاب الحق، مما يجعلها إطاراً مقنناً لنهب اقتصادي.
خاتمة: القانون الدولي هو الحاجز الأخير أمام شرعنة الضم
مهما علت أصوات الدعاية الإعلامية المغربية أو تعاقبت رسائل الدعم من هنا وهناك، فإن المرجعية الثابتة تبقى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. مستقبل الصحراء الغربية لن يُحسم بالرسائل البروتوكولية ولا بالخطط الأحادية، بل عبر مسار أممي يضمن استفتاءً حراً ونزيهاً يشمل خيار الاستقلال.
إن المجتمع الدولي مدعو إلى:
- رفض أي حل مفروض من طرف واحد.
- إعادة التأكيد على الحق غير القابل للتصرف للشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
- حماية ثروات الإقليم من أي استغلال غير مشروع.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تحليل دقيق وموزون و واقع برافو خويا بلقاسم
ردحذفتحيا الجزائر المجد والخلود لشهدائنا الأبرار