التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وهم الأخوّة: ستة عقود من السذاجة الجزائرية أمام الإستراتيجية المغربية

على مدى عقود، كانت الجزائر بالنسبة للمغرب مصدراً سخياً للثروات. فقد استفاد جارنا الغربي بسخاء من مواردنا: مواد غذائية مدعمة، محروقات، بنزين، مازوت، أدوية… وكان ذلك يتم أحياناً عبر القنوات الرسمية، وكثيراً عبر شبكات التهريب.

غير أنّ الهدية الكبرى تمثّلت بلا شك في أنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي، الذي أنشئ بمبادرة جزائرية، ومنح المغرب مليارات الدولارات من عائدات العبور، فضلاً عن تمكينه من توفير طاقة رخيصة جذبت المستثمرين الأجانب. والحقيقة التي يجب التصريح بها بوضوح هي أنّه قبل عبور الغاز الجزائري عبر أراضيه، لم يكن للمغرب أي صناعة تُذكر. حتى أكثر المحللين عداءً للجزائر يعترفون بالعلاقة السببية بين مرور أنبوب الغاز ونهوض الصناعة المغربية، إذ لا صناعة من دون طاقة.

ورغم كل هذا، يواصل النظام المغربي ترديد مقولة أنّ الحكومة الجزائرية تُكنّ حقداً دفيناً للمغرب. ولكن، هل من المعقول أن يمدّ “العدو” المفترض شريكه المزعوم بأكسجين صناعته وأساس نموه الاقتصادي؟

أخوّة من طرف واحد

الواقع أنّ الجزائر لم تغرس يوماً مشاعر الكراهية تجاه المغرب في نفوس أبنائها. على العكس، كانت مناهجنا المدرسية تغرس مفاهيم الأخوّة والتضامن بين شعوب المغرب العربي. وهذا النهج يتناقض جذرياً مع مقاربة المغرب، حيث صُمّمت المناهج الدراسية لغرس العداء ضد الجزائر منذ الطفولة، واتهامها بـ”احتلال” أراضٍ مغربية مزعومة، وعلى رأسها ولايتا تندوف وبشار.



بل إنّ الخرائط التي تُدرَّس للأطفال في المغرب تحذف عمداً الحدود بين فجيج وتندوف. وهذا ليس خطأً بريئاً، بل هو أسلوب مدروس لغرس قناعة بأنّ على المغرب “استرجاع” ما يسمّيه “الصحراء الشرقية”.

تاريخ طويل من الخيانة

نزعة الخيانة لدى النظام الملكي المغربي ليست وليدة اليوم. فقد نشر نيويورك تايمز في فبراير 1873 مقالاً يؤكد أنّ هزيمة الأمير عبد القادر لم تكن بسبب عبقرية السلاح الفرنسي، بل بفعل خيانة السلطان المغربي عبد الرحمن، الذي تحالف مع فرنسا لمحاصرته.

ومن بُكّوس الذي سلّم يوغرطة للرومان، إلى أحداث أقرب عهداً، تتواصل حلقات الغدر: الدور المريب للمغاربة في مجازر 8 ماي 1945 بسطيـف وقالمة وخراطة، اختطاف طائرة قادة جبهة التحرير في 22 أكتوبر 1956، واستغلال السلطان محمد الخامس للثورة الجزائرية كورقة ضغط على فرنسا لتحقيق مكاسب للمغرب… ومع ذلك، لم تُدرَّس هذه الوقائع يوماً في مدارسنا.

ثمن السذاجة الجزائرية

في سنة 1845، منحت فرنسا للمغرب أكثر من 100 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الجزائرية، كمكافأة على خيانته للأمير عبد القادر. ورغم ذلك، ومنذ الاستقلال، أصرّت الجزائر على إسكات هذه الصفحة من تاريخها، باسم “أخوّة” وهمية.

والنتيجة أنّه بعد 62 سنة من الاستقلال، أفرز نظامنا التعليمي أجيالاً تعتقد، ببراءة مؤلمة، أنّ الشعب المغربي هو شعب شقيق، بينما قسم منه يطالب علناً بأراضينا، ويسطو على تراثنا الثقافي والديني، ويشتم شهداءنا على منصات التواصل.

وبينما كنّا نغذّي هذه الأوهام، كان المغرب يهيئ شعبه لمواجهة محتومة، مدركاً ضعفه العسكري، فاعتمد استراتيجية تسلّل اجتماعي، عبر تشجيع مئات الآلاف من مواطنيه على الاستقرار في الجزائر، وتأسيس عائلات، والتأثير على نسيجنا الاجتماعي على المدى البعيد.

ضرورة اليقظة الوطنية

لقد فشل تدريس التاريخ في الجزائر في أداء رسالته الأساسية: تهيئة المواطن لفهم التهديدات التي تواجه وطنه. آن الأوان لمراجعة مناهجنا الدراسية من الجذور، وإدراج حدودنا التاريخية الحقيقية – حتى وادي ملوية غرباً ووادي نون جنوب غرب – وتذكير الأجيال بأن مدناً مثل وجدة وفجيج كانت أراضٍ جزائرية.

كما يجب أن يترافق ذلك مع إقرار دستوري صريح بحدودنا التاريخية، تأكيداً على حقنا المشروع في استرجاع الأراضي التي لا تزال تحت الاحتلال المغربي. فطالما أنّ أكثر من 100 ألف كيلومتر مربع من أراضينا ما زالت مغتصبة، فإن استقلالنا يظل ناقصاً.

الخلاصة

لقد دفعت الجزائر ثمن سذاجتها لعقود طويلة. وقد حان الوقت لطيّ صفحة الأوهام، وتلقين أبنائنا الحقيقة التاريخية كاملة، حتى يكونوا على أهبة الاستعداد للدفاع عن وطنهم وحدوده وهويته، في مواجهة جار لم يتوقف، خلف خطاب الأخوّة، عن التطلّع إلى أرضنا وثرواتنا.

✍️ بلقاسم مرباح

وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...