يشكّل 20 أوت محطة مركزية في الذاكرة الوطنية الجزائرية، حيث تجتمع في هذا التاريخ هجمات الشمال القسنطيني 1955 ومؤتمر الصومام 1956. وقد حرص رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في رسالته الأخيرة، على التأكيد أنّ هذا اليوم ليس مجرد ذكرى رمزية، بل هو عهد متجدد مع الشهداء والمجاهدين، ورسالة إلى الحاضر والمستقبل.
1. استحضار ملحمة الهجمات
الرسالة بدأت باستدعاء الهجمات البطولية للشمال القسنطيني، التي كسرت أسطورة “الجيش الاستعماري الذي لا يُقهر”، وأثبتت أن جيش التحرير قادر على المبادرة وفرض توقيت المعركة على فرنسا. تبون أراد من خلال هذا الاستدعاء أن يُظهر أنّ الاستقلال لم يكن منحة، بل ثمرة إرادة صلبة وصمود أسطوري.
2. مؤتمر الصومام: العقل السياسي للثورة
الرسالة توقفت أيضًا عند مؤتمر الصومام، الذي شكّل لحظة مفصلية في مسار الثورة، إذ نقلها من مرحلة الفعل العسكري العفوي إلى تنظيم سياسي وهيكلي محكم. من خلال هذا التذكير، يبعث تبون برسالة إلى الحاضر: لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح دون تنظيم ورؤية واضحة.
3. من ذاكرة المعاناة إلى مشروع الدولة
الرسالة أعادت التذكير بالمكابدات والتضحيات الجسام التي تحمّلها الشعب، مشددة على أنّ النصر تحقق بالإيمان بالحرية والعدالة. لكن تبون لم يقف عند الماضي، بل ربطه بالحاضر حين قال إنّ الجزائر اليوم تسير بثبات نحو التنمية المستدامة، في ظل سيادة القرار الوطني. وهنا يوجّه خطابًا صريحًا إلى الداخل والخارج: الجزائر، مثلما دافعت عن استقلالها بالسلاح، تدافع اليوم عن استقلال قرارها السياسي والاقتصادي.
4. البُعد السياسي الراهن
يمكن قراءة الرسالة أيضًا في سياق التحديات الراهنة، سواء الإقليمية أو الدولية. في كل مرة يستحضر فيها الرئيس معارك الثورة، فإنما يريد أن يُذكّر بأنّ الجزائر ليست دولة تابعة، بل دولة تأسست على الدم والتضحيات، ولا تقبل المساس بسيادتها أو التدخل في شؤونها.
5. تجديد العهد مع المجاهدين والشهداء
ختم الرئيس رسالته بتحية المجاهدين الأحياء، والدعاء للشهداء الأبرار، مذكّرًا بأنّ الوفاء لرسالة نوفمبر ليس مجرد شعارات، بل هو مسؤولية جيل الاستقلال في بناء جزائر قوية، شامخة، متماسكة.
خلاصة
رسالة الرئيس تبون بمناسبة 20 أوت لم تكن مجرد خطاب تذكاري، بل هي خطاب سيادي بامتياز، يربط بين الماضي التحرري والحاضر التنموي، ويضع خطًا واضحًا: الجزائر وفية لرسالة شهدائها، متمسكة باستقلال قرارها، وماضية نحو مستقبلٍ يليق بتضحيات أبنائها.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
رسالة الرئيس تبون في هذه المناسبة الوطنية، التي استحضر فيها مآثر المجاهدين وتضحياتهم الجسام، والتي جاء فيها:
“بسم الله الرحمن الرحيم والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ المُرسَلين، أَيَّتُهَا المُوَاطِنَاتُ .. أَيُّهَا المُوَاطِنُونَ،
نَحْتَفِي بيومِ المُجاهد، فَنَسْتَحضِرُ في هَذِهِ الذِّكرى السّبعين (70) لِهُجومات الشَّمالِ القسنطيني، مَعَارِكِ الشَّرفِ الَّتي أبْلى فيها جَيْشُ التَّحرير البَاسِلِ، وَأبْرَزَتْ قُدْرَةَ المُجاهدين الأبطال على تَكْبِيدِ الجيش الاستعماري خسائرَ فَادِحَةٍ وَمُوجِعَة .. وَتَصْمِيمًا على إلْحَاقِ الهزيمة بِقُوَّاتِهِ المُدَجَّجَة، مِنْ خِلالِ المُبادَرَة بِفَرْضِ سَاحَةِ وَتَوقيت المُواجهة العسكريَّةِ على العدو.. وَأدَّتْ إلى تَوسيعِ صَدَى ثورة الفَاتح نوفمبر 1954، الَّتي كان العالمُ يُتَابِعُ فُصُولَها الدَّامية، وكان الأحرارُ في أصْقَاعِ الدُّنيا يُرَدِّدُون إنْتِصَارَاتِها العسكريَّة في سَاحَاتِ الوَغَى، وَإنْجَازَاتِها السِّيَاسِيَّة في المَنَابِرِ وَالمَحَافِلِ الدُّولِيَّة.
وَفي يَوْمِ المُجاهد، يُحيِّي الشَّعب الجزائري – أيضًا – ذكرى مُؤتمر الصومام التَّاسعةِ وَالسِّتين (69)، المُنْعَقِد في (20 أوت 1956)، فَفِي تِلْكَ المَرْحَلَةِ مِنْ مَسَارِ الكِفَاح قَرَّرَتْ قِيَادَات الثَّوْرَةِ الالْتِئَامَ في إيفري أوزلاقن، لإسْنَادِ الثَّوْرَة بِآلِيَاتِ التَّنْسِيق..وَبِالأُطُرِ وَالهَياكِل التَّنْظِيمِيَّةِ الكَفيلَةِ بِتَحقِيقِ أهْدَافِها .. تلك الأهدافُ الَّتي حَدَّدَها بَيَانُ الفَاتِح مِنْ نُوفمبّر .. وَهَبَّ الشَّعبُ الجزائري الأبيُّ إلى إعْتِنَاقِهَا وَالالتِفَافِ حَوْلَهَا.
إنَّ احتِفَاءَنا بِهَذِهِ الذِّكرى المُزدَوَجَة مُنَاسبَةٌ نَسْتَذْكِرُ فيها مُكابَدَاتٍ عَظيمةً، وَتضحياتٍ جسِيمَةً، وَمُعاناةً ألِيمَةً تَحَمَّلَهَا الشَّعبُ بِصَبْرٍ وَشَجَاعَة خلالَ حَرْبٍ قَاسِيَةٍ ضَرُوسٍ، خَاضَها مُؤمِنًا بِالنَّصرِ .. وَبِالحَقِّ وَالحُرِّيَة .. وَهِي مَحَطَّةٌ نُجَدِّدُ فيها العَهْدَ للشُّهَدَاء والمُجاهدين وَالوفاءَ لِرِسَالَةِ نُوفمبر الخالدة، في جزائر تَبْنِيها إرَادَةُ الوَطنيِّين الغَيُورين على الأمانة، الصَّائِنين للوَدِيعةِ، جزائِرٌ شَامِخَةٌ، قَوِيَّةٌ حَريصَةٌ على استقلالِ قَرَارِهَا، وَعلى صَوْنِ سِيَادَتِهَا.. وَسَائِرَةٌ إلى غَايَاتِ التَّنْمِيَة المُسْتَدَامَة الحَقِيقِيَّة، التي تَدْفَعُ بِهَا إلى مُسْتَوى البَلَدِ الصَّاعِد وَالوَاعِد بِالخَيْرِ وَالنَّماَء.
وَإنَّنَا وَنَحْنُ نَقِفُ في هَذَا اليَوْمِ الأغَرّ بِاعتِزَازٍ، إجلالًا لِتَضحِيَاتِ شُهدائنا الأبرار، أقِفُ مَعَكُم بِخُشُوعٍ للتَّرحُّمِ على أرْوَاحِهِم الزَّكِيَّة، وَأتَوَجَّهُ إلى أخَوَاتي المُجاهِدَات وَإخواني المُجاهدين أطالَ اللهُ في أعْمَارِهِم بِالتَّحِيَّةِ وَالتَّقدِير.
” تَحيَا الجَزائِر ” المَجْد والخُلُودُ لِشُهدائِنَا الأبرَار والسّلامُ عَليكُم ورَحمَةُ اللهِ تَعَالى وَبَرَكاتُه”.
تعليقات
إرسال تعليق