الجزائر في وجه الحملات الدعائية المغربية: السيادة لا تُقاس ببيانات الصحف، والشرعية لا تُمنح من خدم الاستعمار
في كل مرة تُمنى فيها السياسة المغربية بفشل داخلي أو نكسة دبلوماسية، يلجأ الإعلام المخزني إلى تكرار نفس الأسطوانة المشروخة: مهاجمة الجزائر، شيطنتها، واختلاق انتصارات وهمية حول “مغربية” الصحراء الغربية. آخر هذه الهذيانات ما نشره موقع هسبريس في مقال عنوانه: “الجزائر في حر الصحراء المغربية.. عزلة خانقة وهزائم دبلوماسية متلاحقة”. مقال لا يرقى حتى لمستوى الرأي، بل هو نوبة هلع مغطاة بالكذب والدعاية الرخيصة، كتبها كاتب يبدو أنه فقد البوصلة والمنطق.
1. الصحراء الغربية: قضية تصفية استعمار لا يحددها قصر المخزن ولا أبواقه
الصحراء الغربية ليست “أقاليم جنوبية” كما يروج الاحتلال المغربي، بل هي إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي حسب تصنيف الأمم المتحدة منذ 1963. مصير هذا الإقليم لا يُحسم في الرباط، ولا في تصريحات من رؤساء سابقين لدول إفريقية، بل عبر استفتاء تقرير المصير كما نصّت عليه قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.
فمن المضحك أن يعتبر الكاتب أن زيارة جاكوب زوما – رئيس سابق لا يتمتع بأي منصب رسمي اليوم – تمثل تحولًا استراتيجيا في موقف جنوب إفريقيا! وهل نُفتي في القانون الدولي بناءً على ما يقوله زعيم حزب معارض؟! هذا منطق العاجزين الذين يتعلقون بأي قشة ليغرقوا أكثر.
2. الدبلوماسية الجزائرية لا تبحث عن الظهور… بل عن التوازن الإقليمي والتحرر الإفريقي
يحاول المقال تصوير الجزائر وكأنها “تتنفس بصعوبة” في العواصم العالمية، متجاهلًا – عمداً أو جهلاً – أنها عضو فاعل في مجموعة البريكس+، وأنها تقود جهودًا للوساطة في منطقة الساحل، وتتمتع بعلاقات استراتيجية مع روسيا، الصين، إيطاليا، ألمانيا، بل وحتى الولايات المتحدة رغم الخلافات في الملفات.
فهل دولة معزولة يُستقبل رئيسها في روما بحفاوة، وتُوقّع في يوم واحد أربعين اتفاقية في مجالات الطاقة، الدفاع، الثقافة، الزراعة، والتكوين؟ وهل المعزول هو من يُزوّد 40% من السوق الإيطالية بالغاز الطبيعي ويُعد البديل الأول للطاقة الروسية في أوروبا؟ إن كانت هذه عزلة، فكيف نصف حال من يلهث وراء اعترافات هامشية ويشتري صمت بعض الدول بالشيكات والاستثمارات؟!
3. الاتفاق مع إيطاليا: شراكة ندية، لا تسوّل سياسي
رحلة الوفد الجزائري إلى روما لم تكن “طلب نجدة” كما أوهم كاتب هسبريس، بل كانت ترسيخًا لعلاقة استراتيجية تضرب بجذورها في التاريخ التحرري للبلدين. الاتفاق بين سوناطراك وإيني ليس “صفقة رمزية”، بل هو جزء من إعادة تشكيل الخريطة الطاقوية المتوسطية، حيث تتحول الجزائر إلى مركز محوري لتصدير الطاقة نحو أوروبا وإفريقيا.
بل إن إحياء اسم “ماتيو متاي” على خط الغاز الجزائري-الإيطالي يُعد تذكيرًا صريحًا بأن الجزائر لا تنسى من وقف إلى جانب ثورتها، ولا تغفر لمن باع فلسطين وساهم في تقطيع أوصال المغرب العربي خدمة لمصالح الاستعمار.
4. اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي: الجزائر تراجع، لا تتوسل
مغالطة أخرى في المقال تتعلق بالإجراء التحكيمي الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي ضد الجزائر بخصوص اتفاق الشراكة. الكاتب يصوره كصفعة، بينما الحقيقة أن الجزائر نفسها تطالب منذ 2020 بمراجعة هذا الاتفاق المجحف، الذي سمح للشركات الأوروبية بتصدير بضائعها المعفاة من الرسوم دون أن يُقابل ذلك استثمارات حقيقية أو تكنولوجيا.
الجزائر تمارس سيادتها الاقتصادية بكل وعي، وتحاول تصحيح ميزان تبادل ظالم كلفها عشرات المليارات من الخسائر. أما من يرى في كل قرار سيادي “أزمة”، فهو لم يتخلص بعد من ذهنية التبعية والخضوع، التي تسكن فكر من شبّ على خدمة البلاط الفرنسي.
5. عندما تُشيطن الجزائر دفاعًا عن الاحتلال
اتهام الجزائر بأنها “تموّل منظمات إرهابية” هو افتراء وقح وسخيف، لا دليل عليه إلا في مخيلة من يبرر قمع الصحافيين، وسجن المناضلين، وتهريب المخدرات نحو أوروبا.
هل نذكّر كاتب هسبريس بتقارير البرلمان الأوروبي التي تتهم المغرب صراحة بتورطه في فضيحة “ماروك غيت”؟ هل نعيد له نشر تقارير الشرطة الإسبانية حول تورط جهات مغربية في تمرير الكوكايين عبر الموانئ؟ ومن يحتضن قادة حركات انفصالية كالماك، ويسمح لأمراء الخليج باقتناء الأراضي مقابل صفقات مشبوهة، لا يحق له الحديث عن السيادة ولا عن “الشرعية الحضارية”.
6. الجزائر ليست لقيطة التاريخ… بل منارة شمال إفريقيا
الادعاء بأن الجزائر لا تملك “مقومات حضارية” هو انحطاط فكري وعنصرية ثقافية. الجزائر أمة بجذور ضاربة في أعماق التاريخ: من المازيغ الأحرار الذين هزموا روما، إلى الفتح الإسلامي، إلى الدولة الزيرية والحمادية والمماليك العثمانيين، إلى ثورة نوفمبر المجيدة. من كان عارياً زمن الاستعمار الفرنسي لا يحق له التطاول على من قدّم مليون ونصف مليون شهيد.
خاتمة: من يبحث عن الشرعية لا يهاجم منبعها
الجزائر لا تنتظر شهادة من أحد. شرعيتها لا تستمدها من تملق رؤساء سابقين، ولا من مقالات مأجورة في صحف البلاط. الجزائر موقف ومبدأ وتاريخ. لا تبيع القضية الفلسطينية، ولا تساوم على حرية الشعوب، ولا تقف على أبواب الصهاينة تطلب رضاهم.
ومن يتحدث عن “العزلة الجزائرية” فليتفقد خارطة إفريقيا: من مابوتو إلى طرابلس، من نواكشوط إلى أديس أبابا… الجزائر هناك، تحاور، توفق، تبني، تدافع. أما أنتم، فلا زلتم تُغرقون شعوبكم في فقر من أجل وهم اسمه “مغربية الصحراء”، لن يكون.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق