التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فرنسا تُصعِّد مجددًا ضد الجزائر: اليمين المتطرف يجعل من بلادنا شماعة انتخابية

تعود الحملات المعادية للجزائر بقوة على الساحة السياسية الفرنسية، تقودها هذه المرة أوساط اليمين المتطرف واليمين التقليدي، في وقت تقترب فيه الأزمة بين الجزائر وباريس من إتمام عامها الأول. فبعد ملفات التأشيرات، وطرد الرعايا، وجوازات السفر، وحملات التشويه ضد المؤثرين الجزائريين، ها هم يستهدفون اليوم اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، في محاولة جديدة للضغط على الجزائر وإضعاف موقفها السيادي على الساحة الدولية.

هذه العودة المحمومة للهجوم على الجزائر لا تنفصل عن السياق السياسي الفرنسي الداخلي، حيث تتسابق الأحزاب على كسب نقاط في استطلاعات الرأي، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لسنة 2027. الجزائر، كما جرت العادة، تتحول إلى موضوع داخلي فرنسي، توظفه بعض الجهات العدائية كورقة دعائية رخيصة لاستقطاب أصوات الناخبين.


ريتايو يستغل الجزائر لإنقاذ شعبيته

وفي هذا الإطار، عاد وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، إلى نغمة معاداة الجزائر، بعد تراجع شعبيته في آخر استطلاعات الرأي. ريتايو، الذي صعد إلى رئاسة حزب “الجمهوريين” مستغلاً نفس الورقة العدائية، صرّح لصحيفة لوفيغارو أنه صمت لفترة عن الملف الجزائري حتى لا يعرقل ما أسماه بـ”جهود الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال”. لكن المراقبين يؤكدون أن عودته للواجهة تزامنت مع تراجع شعبيته، مما يفضح الخلفية الانتخابوية لتحركاته.

في مقابل هذا التراجع، يسعى ريتايو إلى فرض “ميزان قوى” جديد مع الجزائر، داعيًا صراحة إلى القطع مع ما سماه “دبلوماسية النوايا الحسنة”. كما يسعى لإقناع الرئيس ماكرون بإلغاء اتفاق الهجرة المبرم بين الجزائر وفرنسا عام 1968، وفرض قيود جديدة على التأشيرات. بل إنه لم يتردد في إصدار قرارات تقيد تحركات بعض الرعايا الجزائريين داخل الأراضي الفرنسية، وفق ما أعلنته الناطقة باسم الحكومة الفرنسية.

اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي… ساحة جديدة للمواجهة

ومع توالي الانتقادات والضغوط، فتح المعسكر المعادي للجزائر جبهة جديدة، عبر ملف اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي بتاريخ 15 جويلية عن فتح مسار تحكيم ضد الجزائر بسبب ما وصفه بـ”قيود تجارية واستثمارية”، في انسجام واضح مع خطاب التحريض الفرنسي.

وفي هذا السياق، دعا النائب الفرنسي فرانسوا-كزافيي بيلامي، مساعد ريتايو، إلى جعل ما يُسمى “الإفراج عن بوعلام صنصال” شرطًا مسبقًا لأي مفاوضات مستقبلية مع الجزائر بخصوص هذا الاتفاق. وهو موقف يتقاطع مع تصريحات ريتايو الذي طالب بتجميد المفاوضات الجارية حول الشراكة، في محاولة يائسة لتوريط بروكسل في الأزمة الثنائية مع الجزائر.

الجزائر ليست ضعيفة… والشراكة لا تُفرض بالإملاءات

من الواضح أن هذه الحملة الممنهجة ضد الجزائر تكشف مرة أخرى عن الحنين الاستعماري الذي لا يزال يسكن بعض الدوائر الفرنسية. لكن ما يجب أن يفهمه أمثال ريتايو هو أن الجزائر اليوم ليست جزائر الأمس. الجزائر اليوم دولة سيدة، تملك كلمتها وتدافع عن مصالحها بإرادة شعبها وجيشها ومؤسساتها.

إن تحويل اتفاق الشراكة إلى أداة ابتزاز سياسي، وربط التعاون الاقتصادي بقضايا سيادية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والتباعد. والجزائر، بشعبها وتاريخها وثورتها المجيدة، ترفض أي علاقة قائمة على الإملاءات أو الضغط أو الاستعلاء.


✍️ بلقاسم مرباح



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...