التخطي إلى المحتوى الرئيسي

محدودية القوة الجوية الإيرانية: نقطة ضعف استراتيجية في مواجهة إسرائيل

في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، والتي تفاقمت بفعل الضربات الجوية المتكررة على الأراضي السورية، وأخيرًا على الأراضي الإيرانية نفسها، تبرز إحدى الثغرات الأخطر في بنية الدفاع الإيراني: الضعف البنيوي في سلاح الجو الإيراني. فرغم ما حققته طهران من تقدم في مجالات متعددة من الصناعات العسكرية، لا تزال قدراتها الجوية تشكل نقطة ضعف استراتيجية، خاصة في مواجهة خصم متفوق تكنولوجيًا كإسرائيل.

سلاح جو متقادم تقنيًا

منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وفرض الحظر العسكري الغربي، لم تتمكن إيران من تحديث أسطولها الجوي بشكل حقيقي. فمعظم طائراتها القتالية تعود إلى حقبة ما قبل الثورة، مثل طائرات F-4 Phantom، وF-5 Tiger، وF-14 Tomcat الأمريكية، إضافة إلى بعض الطائرات الروسية مثل MiG-29 وSu-24، إلى جانب محاولات محلية محدودة مثل مقاتلة “كوثر”، التي تفتقر بدورها إلى القدرات القتالية الحديثة.

وتُعد أكبر نقطة ضعف في هذه المقاتلات افتقارها إلى القدرة على الاشتباك خارج مدى الرؤية (BVR)، وهي القدرة التي تُعتبر معيارًا رئيسيًا في الحروب الجوية الحديثة، حيث تعتمد على أنظمة رادار متقدمة وصواريخ جو-جو بعيدة المدى. في المقابل، تمتلك إسرائيل مقاتلات من طراز F-35 الشبحية، ذات التقنية العالية، التي تمنحها تفوقًا كبيرًا في الرصد والاشتباك من مسافات بعيدة دون أن تكشف عن نفسها.

غياب طائرات الإنذار المبكر (AWACS)

من نقاط الضعف البنيوية الأخرى التي يعاني منها سلاح الجو الإيراني، عدم امتلاكه لطائرات الإنذار المبكر والتحكم الجوي (AWACS)، والتي تُعد عنصرًا أساسيًا في أي منظومة دفاع جوي متقدمة. هذه الطائرات تمكن من مراقبة المجال الجوي على نطاق واسع، وتنسيق عمليات الاعتراض، ونقل البيانات إلى الطائرات المقاتلة، ومنح القيادة العسكرية قدرة أفضل على اتخاذ القرار.

في غياب هذه القدرات، تبقى إيران “عمياء” خارج نطاق تغطية راداراتها الأرضية، ما يفتح المجال أمام الطيران الإسرائيلي لاختراق المجال الجوي أو تنفيذ ضربات دقيقة دون إمكانية اكتشاف مبكر أو رد فعل فعال.

دفاعات تفاعلية بدلًا من استباقية

بسبب هذا الضعف في القدرات الجوية، لا تستطيع القوات الإيرانية اعتراض المقاتلات الإسرائيلية قبل إطلاقها للصواريخ، وبدلاً من ذلك تُضطر إلى انتظار إطلاق الصواريخ واعتراضها بعد دخولها المجال الجوي الإيراني. هذه المقاربة تُعد دفاعًا تفاعليًا وليس استباقيًا، ما يُضعف فعالية الرد الإيراني ويُنهك منظومات الدفاع الجوي، خاصة في حال الهجمات المتزامنة والمكثفة.

محاولات التحديث والرهان على الشركاء

تدرك إيران حجم هذا الخلل، وتسعى منذ سنوات إلى تحديث قدراتها الجوية من خلال التعاون مع روسيا والصين. وقد تكررت التقارير حول احتمالية شراء مقاتلات Su-35 الروسية أو J-10 الصينية، لكن حتى الآن لم تتحقق هذه الصفقات بشكل ملموس، لأسباب تتعلق بالعقوبات، والضغوط السياسية، وأيضًا بحسابات شركاء طهران أنفسهم.

فالاعتماد على الخارج، خاصة على روسيا التي تسعى للحفاظ على نوع من التوازن في علاقاتها مع أطراف متعددة، قد يُبقي إيران في دائرة الارتهان الاستراتيجي.

خاتمة

إن افتقار إيران إلى مقاتلات حديثة قادرة على الاشتباك خارج مدى الرؤية، وغياب طائرات الإنذار المبكر، يمثلان نقطة ضعف استراتيجية خطيرة في ظل مواجهة مع خصم متفوق تقنيًا مثل إسرائيل. وإذا ما أرادت إيران تجاوز هذا الاختلال، فإن تحديث قدراتها الجوية لم يعد خيارًا بل ضرورة ملحة لتعزيز قدرتها على الردع والدفاع عن عمقها الاستراتيجي.


✍️ بلقاسم مرباح



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...