تُعدّ العداوة بين الهند وباكستان من أقدم وأكثر الصراعات تعقيدًا في جنوب آسيا. فمنذ التقسيم الدموي لشبه القارة الهندية عام 1947، دخل البلدان في عدة حروب (1947، 1965، 1971، وحرب كارجيل عام 1999). ورغم أن هذه الحروب لم تتحول إلى مواجهة شاملة منذ عقود، فإن احتمال اندلاع حرب جديدة بين قوتين نوويتين يثير قلقًا عالميًا متزايدًا. يتناول هذا المقال أسباب اندلاع النزاع الراهن وتأثيره على موازين القوى في العالم.

أولًا: الجذور العميقة للصراع الهندي الباكستاني
1. قضية كشمير
تقع كشمير في صميم النزاع، إذ اختار حاكمها الهندوسي الانضمام إلى الهند عام 1947 رغم كون الأغلبية الساحقة من سكانها مسلمين، مما أشعل أول حرب بين البلدين. ومنذ ذلك الحين، تنقسم كشمير بين الجانبين، لكن كل منهما يطالب بالسيادة الكاملة عليها. شهدت المنطقة حركات تمرد وهجمات دامية، تتهم الهند الجماعات المسلحة المدعومة من باكستان بالوقوف خلفها.
2. الصراع الهوياتي والأيديولوجي
نشأ باكستان كدولة مسلمة في مواجهة الهند العلمانية ذات الأغلبية الهندوسية. وتغذي هذه الخلفية الأيديولوجية مشاعر العداء، خاصة مع صعود التيار القومي الهندوسي بزعامة ناريندرا مودي، واستغلال الطرفين لقضية كشمير كورقة سياسية داخلية.
3. الإرهاب العابر للحدود
الهجمات الكبرى مثل مومباي (2008) وبولواما (2019) زادت من التوتر، حيث تتهم الهند جهاز الاستخبارات الباكستاني (ISI) بدعم جماعات إرهابية، وهو ما تنفيه إسلام آباد باستمرار.
4. عوامل جيوسياسية حديثة
أدت قرارات سياسية مثل إلغاء الحكم الذاتي لكشمير من قبل الهند عام 2019 إلى توتر غير مسبوق. وفي عام 2025، أدى هجوم دامي على جنود هنود إلى تصعيد عسكري ورد انتقامي جوي من الهند، ما أدى إلى مواجهة مباشرة بين الجيشين.
ثانيًا: اندلاع الحرب الحالية
اندلعت الحرب بعد تنفيذ هجوم كبير ضد قوات هندية في كشمير، وردّت الهند بغارات جوية على معسكرات يُعتقد أنها تؤوي جماعات مسلحة في باكستان. وردت إسلام آباد بضربات عسكرية مضادة. وسرعان ما تصاعدت المواجهات إلى اشتباكات برية وجوية، وسط تعبئة عسكرية مكثفة من الطرفين على طول الحدود. حتى الآن، لم تنجح الوساطات الدولية في فرض هدنة.
ثالثًا: تداعيات الحرب على الجغرافيا السياسية العالمية
1. خطر الحرب النووية
يمتلك كلا البلدين أسلحة نووية، ويثير الصراع مخاوف جدية من إمكانية استخدام السلاح النووي، خاصة وأن العقيدة النووية الباكستانية لا تستبعد الضربة الأولى إذا شعرت بخطر وجودي. أي تصعيد نووي ستكون له آثار كارثية إقليمية وعالمية.
2. زعزعة الاستقرار الإقليمي
الحرب تؤثر على كامل منطقة جنوب آسيا. فالوضع في أفغانستان قد ينفجر من جديد، بينما تتابع الصين—حليفة باكستان—الوضع عن كثب، في ظل توتر علاقاتها مع الهند. أما دول الجوار مثل نيبال وبنغلاديش وسريلانكا، فتخشى من تبعات الصراع على أمنها الداخلي.
3. ردود الفعل الدولية
طالبت كل من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين بوقف التصعيد. واشنطن تخشى تأثير الحرب على توازنات آسيا والمحيط الهادئ، في حين عرضت موسكو التوسط بين الطرفين. مجلس الأمن الدولي في حالة انقسام، مما يعقد فرص الحلول السريعة.
4. الآثار الاقتصادية العالمية
أدت الحرب إلى تراجع الأسواق المالية العالمية، وارتفاع أسعار النفط والذهب. توقفت سلاسل الإمداد في جنوب آسيا، وتعرضت الاستثمارات الأجنبية في الهند وباكستان لهزات خطيرة. كما أصبحت طرق التجارة الاستراتيجية، مثل “مبادرة الحزام والطريق”، عرضة للشلل.
خاتمة
ليست الحرب بين الهند وباكستان مجرد مواجهة حدودية، بل هي انعكاس لصراع تاريخي معقّد بين هويتين متناقضتين، ودولتين نوويتين محاصرتين بميراث من الدم والكراهية. تتجاوز آثار الحرب حدود المنطقة، وتهدد بتغيير معالم التوازنات العالمية. ولا بد من تحرك دولي عاجل لاحتواء الصراع، عبر وساطات فعّالة، وخطوات حقيقية نحو حلّ دائم لقضية كشمير، قبل أن تنفجر المنطقة بما لا تُحمد عقباه.
✍️ بلقاسم مرباح
تعليقات
إرسال تعليق