لطالما اتسمت العلاقات بين الجزائر ودولة الإمارات العربية المتحدة، خلال العقود الماضية، بطابع وُديّ نسبي، خاصة في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الاستثمارات الخليجية، وفي مقدمتها الاستثمارات الإماراتية. غير أنّ هذا الوئام الظاهري لم يصمد طويلاً، إذ سرعان ما بدأت ملامح القطيعة تظهر منذ مطلع العقد الحالي، لتتحول تدريجيًا إلى ما بات يُوصف بـ”الأزمة الصامتة”، ثم إلى صدام دبلوماسي مكشوف مع حلول عام 2023. وتُعزى هذه التوترات إلى خلافات عميقة في الرؤى الأيديولوجية والتوجهات الجيوسياسية بين الطرفين.

من جهة، تتمسك الجزائر بمبادئها التاريخية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واستقلالية القرار الوطني، والدفاع الثابت عن القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ومن الجهة المقابلة، تتبنى أبو ظبي، كدولة اتحادية ملكية ذات توجه غربي، سياسة خارجية هجومية قائمة على التحالف مع الأنظمة السلطوية، ومناهضة تيارات الإسلام السياسي، إلى جانب تطبيعها العلني مع إسرائيل منذ توقيع “اتفاقات أبراهام”.
ليبيا: جبهة صراع بالوكالة
تُعدّ الأزمة الليبية أحد أبرز محاور التوتر بين الجزائر والإمارات. ففي الوقت الذي دعمت فيه أبو ظبي المارشال خليفة حفتر عسكريًا وسياسيًا باعتباره حاجزًا أمام نفوذ الإخوان المسلمين وتركيا، تمسكت الجزائر بشرعية حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا في طرابلس، ورفضت أي حل عسكري. وقد وصل الخلاف إلى حد اتهام الإمارات بمحاولة عرقلة ترشيح مبعوثين جزائريين إلى ليبيا عبر ضغطها على واشنطن، بينما هدّد حفتر الجزائر ذات مرة بشكل مباشر، في ما اعتبرته الصحافة رسالة غير مباشرة من داعميه الخليجيين.
الساحل: منافسة على النفوذ
تتعدى المواجهة الجيوسياسية بين الجزائر والإمارات حدود الشمال الإفريقي، لتشمل منطقة الساحل الإفريقي، حيث تنظر الجزائر إلى انعدام الأمن هناك باعتباره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وتسعى لحلول عبر الحوار والتنسيق الإقليمي. على النقيض، اختارت الإمارات التدخل المالي والعسكري، عبر تمويل قوات الساحل المشتركة ودعمها للأنظمة العسكرية في مالي وتشاد، فضلاً عن دعمها لميليشيات في السودان. واتهمت وسائل الإعلام الجزائرية أبو ظبي بتمويل حملات دعائية تهدف إلى زرع الفتنة بين الجزائر وجيرانها في الساحل، وقدّرت إحدى هذه الحملات بـ15 مليون يورو.
فلسطين وإسرائيل: الموقفان النقيضان
إذا كان هناك ملف يكشف الفجوة الأخلاقية والسياسية بين الجزائر والإمارات، فهو بلا شك ملف التطبيع مع إسرائيل. ففي الوقت الذي اندفعت فيه الإمارات إلى تطبيع علاقاتها مع تل أبيب ضمن “اتفاقات أبراهام” سنة 2020، تمسكت الجزائر برفضها المطلق لأي تقارب مع الاحتلال، مجددة موقفها التاريخي الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. وقد صرّح الرئيس عبد المجيد تبون مرارًا بأن “الجزائر لن تُطبّع إلا بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة”.
الصحراء الغربية: دعم غير مباشر للمغرب
الصراع في الصحراء الغربية شكّل بدوره ساحة مواجهة غير معلنة بين الجزائر وأبو ظبي. ففي حين تُواصل الجزائر دعمها القوي لجبهة البوليساريو وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، اختارت الإمارات الوقوف بوضوح إلى جانب المغرب، إذ كانت أول دولة عربية تفتتح قنصلية عامة في مدينة العيون سنة 2020، في خُطوة استفزازية في نظر الجزائر. وذهب تقرير لمعهد IRIS الفرنسي إلى اعتبار هذا الموقف الإماراتي “انحيازًا فاضحًا” لصالح الطرح المغربي.
السودان وتونس: استمرار التباعد
امتدت التباينات بين البلدين إلى ملفات أخرى مثل السودان، حيث دعمت الإمارات الجنرال حميدتي في صراعه الدموي ضد الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، بينما حافظت الجزائر على دعمها الدبلوماسي للمؤسسات الرسمية. أما في تونس، فقد وقف الطرفان ظاهريًا إلى جانب الرئيس قيس سعيّد، لكن بحسابات متضادة؛ إذ تسعى الجزائر إلى تحصين البلاد من التدخلات الأجنبية، بينما ترى في التحرك الإماراتي محاولة لجر تونس إلى المحور الخليجي-المغربي.
من الخلاف إلى القطيعة: محطات تصعيدية
شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من الوقائع التي عمّقت الهوة بين العاصمتين. ففي يونيو 2023، بثّت قناة “النهار” الجزائرية خبرًا عن اعتقال “جواسيس إماراتيين يعملون لصالح الموساد”، قبل أن تنفي الخارجية الجزائرية الخبر وتُقيل وزير الاتصال في اليوم ذاته. وفي يناير 2024، أصدر المجلس الأعلى للأمن بيانًا تضمن إدانة غير مباشرة لـ”تحركات عدائية من طرف دولة عربية شقيقة”، وهو ما فُهِم على نطاق واسع كإشارة صريحة إلى أبو ظبي.
وفي السياق ذاته، علّقت الجزائر توقيع أي عقود جديدة مع شركتين إماراتيتين في قطاع التبغ، فيما ردت الإمارات بمنع دخول بعض المسؤولين الجزائريين إلى أراضيها دون إبداء أسباب، في خطوة اعتبرتها الصحافة “عقوبة غير معلنة”. تصاعدت اللهجة الرسمية بدورها، حيث صرّح الرئيس تبون في مارس 2024 بأن “كل بؤرة توتر في إفريقيا تجد فيها المال الإماراتي حاضرًا”، ما اعتُبر اتهامًا مباشرًا لسياسة أبو ظبي.
الإعلام: مرآة الصراع
لعب الإعلام دورًا بارزًا في تأجيج الخلاف. ففي الجزائر، أطلقت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة سلسلة من الحملات المضادة للإمارات، ووصفتها بعضها بـ”العاصمة المؤامراتية”. أما في أبو ظبي، فاختارت الصحافة الرسمية الصمت، بينما تولت شخصيات إعلامية مقربة من الحكم شن هجمات غير مباشرة على الجزائر ووحدتها الوطنية. وقد ردت التلفزة الوطنية الجزائرية في مايو 2025 على إحدى هذه الهجمات ببيان قوي أكدت فيه أن “الوحدة الوطنية خط أحمر”، متوعدة بـ”ردّ بالمثل” على هذا “الكيان المصطنع الصغير”.
في الخلاصة
تكشف هذه الأزمة المتفاقمة أن العلاقات الجزائرية-الإماراتية لم تكن يومًا علاقات استراتيجية متينة، بل مجرد تنسيق مصلحي هش سرعان ما انهار أمام اختلافات الرؤى والسياسات. فبين الجزائر التي تصر على الاستقلالية والتمسك بالقضايا العادلة، وبين الإمارات التي تمارس سياسة خارجية هجومية مدفوعة بالمصالح والتحالفات الغربية، لا يبدو أن هناك مساحة كبيرة للتقاطع.
وإذا استمر هذا المسار، فإن المنطقة المغاربية والساحلية قد تشهد مزيدًا من الاستقطاب بين محورين متباعدين جذريًا، مما يُهدد بتوسيع رقعة التوتر على حساب وحدة الصف العربي واستقرار شمال إفريقيا.
✍️ بلقاسم مرباح
الشعب الجزائري يطالب بقطع كل علاقات مع كيان الحمارات العبرية وطرد الديبلوماسيين الجواسيس
ردحذف