يأتي على الشعوب لحظات يصبح فيها الصمت خيانة، والسكوت على الأذى تفريطًا في السيادة. الجزائر، بتاريخها المجيد، وبشهدائها الأبرار، وبوحدتها الوطنية التي نُسجت من دماء الأحرار، لن تقف متفرجة أمام مؤامرة مكشوفة تستهدف ضرب تماسكها من الداخل. لم يعد الأمر تكهنات دبلوماسية ولا قراءات سياسية مبهمة؛ لقد سمّت الدولة الجزائرية، وبكل وضوح، الجهة المتورطة: الإمارات العربية المتحدة.
في الثاني من مايو، بثّ التلفزيون الجزائري الرسمي افتتاحية غير مسبوقة، هاجم فيها هذا “الدويلة الاصطناعية” التي تتوهم أنها قادرة على اللعب بالنار في أرض الثورة والمليون ونصف المليون شهيد. وكانت الرسالة قاطعة: الوحدة الوطنية خط أحمر، وأيّ مساس بها سيُقابل برد قاسٍ ومباشر.
حرب ناعمة بسمّ الهويات
لم يكن ظهور المدعو محمد الأمين بلغيث على قناة “سكاي نيوز عربية”، الممولة إماراتيًا، حدثًا عرضيًا ولا زلة لسان أكاديمية. بل كانت طعنة مباشرة في قلب الأمة، حين تطاول هذا الشخص على الأمازيغية، أحد أعمدة الهوية الجزائرية. لم تكن كلماته سوى حلقة ضمن سلسلة طويلة من المحاولات الممنهجة لضرب التوازن الثقافي والاجتماعي في البلاد.
ومنذ 2018، ظهر تيار مشبوه، يتخفّى تحت شعارات دينية ووطنية، ويُروّج لخطاب إقصائي تفتيتي، يهاجم مكونات الأمة، ويتطاول على رموز الثورة، ويشكك في نسيج الشعب الواحد. هذا التيار ليس وليد الداخل، بل صُنع في الخارج، ومُوِّل من الخارج، ووُجِّه من الخارج، واليد التي تحركه ليست سوى الإمارات العربية المتحدة.
المال الخليجي وأدوار الخراب في الجوار
الرئيس عبد المجيد تبون لم يُجامل حين قال: “أينما وُجدت الفتن، وُجد مال تلك الدولة.” من ليبيا إلى مالي، ومن السودان إلى الساحل، اليد الإماراتية كانت دائمًا حاضرة لتأجيج الصراعات وتمويل الانقلابات وتثبيت أمراء الحرب. بل وأكثر من ذلك، كانت أول من طعن الجزائر في ملف الصحراء الغربية، حين سارعت إلى فتح قنصلية في مدينة العيون المحتلة.
وما مشروع أنبوب الغاز المغربي–النيجيري إلا حلقة أخرى في سلسلة الاستهداف، مشروع وُلد ميتًا اقتصاديًا، لكن غايته السياسية واضحة: ضرب الممر الطاقوي الجزائري نحو إفريقيا، وتشويش خريطة النفوذ الإقليمي.
الهوية: ساحة المعركة الأخطر
إن أخطر ما يواجه الجزائر اليوم ليس في حدودها، بل في داخلها: خطاب مسموم يُزرع بين الشباب، يُحرض بين مناطق الوطن، ويشكك في الحقائق التاريخية والثوابت الوطنية. التيار المسمى بـ”الباديسية النوفمبرية” تحوّل، للأسف، من شعار جامع إلى أداة فتنة، يهاجم ثورة نوفمبر، ويتطاول على رموزها كعبان رمضان، ويغذي النزعات الجهوية والمناطقية.
لقد بلغ به الحد أن يحاول إشعال الفتنة بين شباب الجنوب وإخوانهم القادمين من الشمال، وتحديدًا من منطقة القبائل، الذين يعملون في حقول البترول. وها هو الخطاب الانفصالي يتغذى على هذه السموم، وسط تواطؤ إعلامي وتمويل مشبوه، مصدره معلوم.
الردّ الجزائري: وحدة وطنية وسيف دولة
أمام هذا الاستهداف المركّب، تتحرك الدولة الجزائرية بثقة ويقظة. مشروع قانون التعبئة العامة ليس فقط استجابة لتحديات أمنية، بل هو رسالة إلى كل من يتربص بالوطن: الجزائر لن تساوم على وحدتها. كل شبر من أرضها، وكل حرف من لغاتها، وكل صفحة من تاريخها، هي قضية وجود.
وليعلم من باع ضميره في الداخل، ورضي أن يكون بوقًا للفتنة، أن الوطن أكبر منه، وأن الشعب الذي أسقط إمبراطوريات الاستعمار، لن يخضع لأجندات البترودولار ولا لأوهام الدويلات الزجاجية.
الجزائر اليوم، كما كانت بالأمس، قلعة حصينة. والتاريخ لا يرحم المتآمرين.
✍️ بلقاسم مرباح
تعليقات
إرسال تعليق