التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ترامب وجنوب أفريقيا: دفاع عن البيض أم محاولة لإذلال مناصر لفلسطين؟

في مشهد أثار دهشة المتابعين حول العالم، تحوّل لقاء رسمي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا إلى لحظة مواجهة إعلامية مشحونة، بعدما فاجأ ترامب ضيفه بادعاءات حول “إبادة جماعية” تستهدف المزارعين البيض في جنوب أفريقيا، مدعومة بمقاطع فيديو مثيرة للجدل. هذا اللقاء، الذي كان يُفترض أن يُعيد ضبط العلاقات بين البلدين، تحوّل إلى ساحة اختبار للدبلوماسية الجنوب أفريقية أمام “قاحة” غير مسبوقة من سيد البيت الأبيض.

لكن خلف هذا المشهد العلني، يبرز سؤال أساسي: ما الدوافع الحقيقية وراء موقف ترامب؟ هل هي حرص صادق على البيض من جنوب أفريقيا؟ هل للأمر علاقة بإعجابه المعلن بإيلون ماسك، الملياردير الجنوب أفريقي الأصل؟ أم أن ترامب وجد في دعم جنوب أفريقيا لفلسطين في محكمة العدل الدولية ذريعة لإذلالها على الساحة العالمية؟


بين المهاجرين والرفاق البيض: لماذا الآن؟

قبل أسبوع فقط من زيارة رامافوزا، وافقت الولايات المتحدة على استقبال 59 جنوب أفريقيًا أبيض كلاجئين، في خطوة فُهمت على أنها رسالة سياسية أكثر منها استجابة إنسانية. هذا القرار أثار غضب بريتوريا، خاصة أن غالبية هؤلاء اللاجئين ينتمون إلى المجتمع الأفريكانري الذي طالما تمتع بامتيازات خلال فترة الأبارتايد.

ترامب اختار إذًا لحظة مدروسة ليُعيد تفعيل رواية “البيض المضطهدين”، مستخدمًا فيديوهات من مظاهرات تعود إلى عام 2020، ادّعى أنها توثّق لمقابر جماعية لمزارعين بيض قُتلوا. رغم أن هذه المزاعم فُندت مرارًا من جهات مستقلة، أعاد ترامب بعثها في سياق إعلامي مثير، متجاهلًا الإحصاءات الرسمية التي تظهر أن أغلب ضحايا العنف في جنوب أفريقيا هم من السود، لا البيض.

إذلال دبلوماسي أم معركة أيديولوجية؟

كان واضحًا أن ترامب لم يسعَ إلى حوار، بل إلى محاكمة علنية لرئيس دولة إفريقية تقف في صف فلسطين في محكمة العدل الدولية، وتنتقد السياسات الغربية بشكل متزايد. أسلوب ترامب لم يكن مجرد تعبير عن قلق على حقوق الإنسان، بل تضمن نبرة استعلائية واختزالاً سياسياً متعمدًا للصراع الداخلي في جنوب أفريقيا.

وقد رأى عدد من المحللين، من بينهم السفير الأميركي الأسبق في جنوب أفريقيا باتريك غاسبارد، أن ما جرى لم يكن صدفة. بل كانت هناك “فخاخ” إعلامية مدروسة لإحراج رامافوزا وإظهار بلاده كدولة عاجزة عن حماية البيض، في محاولة لنسف شرعية دعمها للقضايا العالمية العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

إيلون ماسك في الخلفية؟

لا يمكن تجاهل التقارب العلني بين ترامب وإيلون ماسك، الذي لا يُخفي فخره بجذوره الأفريكانرية. هل كان خطاب ترامب تعبيرًا عن تضامن شخصي مع مجتمع يُمثّل جذور أحد حلفائه الجدد؟ أم أن ماسك، المعروف بمواقفه اليمينية أحيانًا، لعب دورًا غير مباشر في صياغة هذه المواقف؟ رغم غياب الأدلة المباشرة، لا يمكن فصل السياق عن العلاقات المتشابكة بين رأس المال، الإعلام، والسياسة في عهد ترامب.


الأرض والسيادة: جوهر الصراع

من المهم الإشارة إلى أن “القلق” الأميركي المفاجئ على حقوق البيض في جنوب أفريقيا يتزامن مع مصادقة رامافوزا على قانون يسمح بمصادرة الأراضي دون تعويض في بعض الحالات. هذا القانون، رغم أنه لم يُطبق بعد، يُمثل تصحيحًا تاريخيًا لإرث الأبارتايد، ويهدد بشكل مباشر الامتيازات الاقتصادية التي ما تزال بيد الأقلية البيضاء.

لذلك، فإن “الدفاع عن المزارعين البيض” ليس سوى غطاء لتدخل صريح في سيادة بلد يحاول إصلاح موازين القوة داخليًا. رفض 
ترامب لهذا القانون لا يمكن فصله عن رفضه لمبدأ العدالة التصحيحية الذي لا يخدم مصالح حلفائه الإيديولوجيين.
 

الخلاصة: أميركا ترامب ليست صديقة لأفريقيا

تصرفات ترامب في هذا اللقاء تكشف بوضوح أن سياساته الخارجية لا تُبنى على مبادئ إنسانية بقدر ما تُستعمل كأدوات لمعاقبة الخصوم السياسيين، وإعادة إنتاج روايات استعمارية عن “البيض المظلومين في أفريقيا السوداء”. لا مبادئ حقوقية وراء هذه الحملة، بل رغبة في تأديب جنوب أفريقيا على مواقفها الدولية، وتشويه مشروعها الوطني في إعادة توزيع الثروة.

وإذا كانت هذه المواجهة قد كشفت عن شيء، فهي أن جنوب أفريقيا، برغم التحديات، ما تزال ترفض الخضوع لنظام عالمي يُملي عليها كيف تُدير شؤونها الداخلية، خاصة حين يتعلق الأمر بقضايا العدالة، الأرض، والكرامة.



✍️ بلقاسم مرباح



تعليقات

  1. هل من العدل 7بالمائة من الافريكانز يمتلكون 7بالمائة من اراضي جنوب افريقيا، قوانين الابارتايد العنصرية يجب تجاوزها

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...