التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أزمة الجزائر ومالي: قراءة سياسية لمآلات التصعيد من منظور الساحل الإفريقي

في ظل استمرار التوترات بين الجزائر والسلطات العسكرية في مالي، يتزايد القلق الإقليمي والدولي من التداعيات المحتملة على منطقة الساحل، التي تعاني أصلًا من هشاشة أمنية وتنموية. في حوار أجراه مع صحيفة الشروق الجزائرية، قدّم الكاتب والسياسي النيجري عمر مختار الأنصاري قراءة معمّقة للأزمة، مؤكدًا أن التصعيد لا يخدم سوى أعداء الاستقرار، داعيًا إلى حوار هادئ يعيد الأمور إلى نصابها.

الجزائر ودول الساحل: تحالف تاريخي يتعرض للاهتزاز

منذ عقود، لعبت الجزائر دورًا محوريًا في دعم الاستقرار السياسي والأمني في الساحل الإفريقي، من خلال مبادرات دبلوماسية وإنسانية وتنموية. يشير الأنصاري إلى أن الجزائر ليست مجرّد دولة جارة، بل شريك استراتيجي تاريخي وقف دائمًا إلى جانب تطلعات شعوب المنطقة نحو الحرية والتنمية.

في النيجر، على سبيل المثال، كانت الجزائر حاضرة عبر دعم مشاريع مكافحة الإرهاب، وتطوير المناطق الحدودية، وتدريب الكوادر المدنية والعسكرية. أما في مالي، فقد شكلت الوساطة الجزائرية عنصرًا حاسمًا في احتواء أزمات التمرد الطوارقي، منذ الستينيات وحتى اتفاق السلام في الجزائر سنة 2015.

أسباب التوتر: صراع رؤى بين الدبلوماسية الجزائرية والنُظم الانقلابية

يرى الأنصاري أن جوهر الأزمة يكمن في التباين العميق بين مقاربات الجزائر التي تؤمن بالحلول السلمية واحترام السيادة الشعبية، وبين الأنظمة العسكرية التي تتبنى خيارات أمنية صِدامية، أبرزها تعاون مالي مع مجموعات عسكرية خارجية مثل "فاغنر". هذا التحول يضع الجزائر في موقع قلق مشروع من احتمال زعزعة الاستقرار في المنطقة.

وأضاف الأنصاري أن استدعاء السفراء – سواء من قبل مالي أو لاحقًا من النيجر وبوركينا فاسو – لا يعكس بالضرورة إرادة الشعوب، بل يُترجم خيارات مؤقتة لأنظمة تفتقر إلى الشرعية الديمقراطية، وغالبًا ما تكون تحت تأثير أجندات خارجية.

التصعيد الإعلامي: حملات منظمة أم ردود فعل شعبية؟

رغم أن الجزائر حازت عبر التاريخ على مكانة متميزة في قلوب الشعوب الإفريقية، فإنها باتت هدفًا لحملات تشويه في وسائل الإعلام ومنصات التواصل، تتهمها بدعم الإرهاب أو التدخل في الشؤون الداخلية. الأنصاري يرفض هذه المزاعم جملة وتفصيلًا، معتبرًا أنها جزء من استراتيجية مدروسة تسعى إلى عزل الجزائر وتقويض نفوذها الإقليمي.

ويُبرز في هذا الإطار الموقف الجزائري الثابت من الانقلابات الأخيرة في المنطقة، لاسيما رفضها التدخل العسكري الأجنبي، وإغلاق أجوائها أمام الطيران الفرنسي، ودعوتها الدائمة إلى حلول دبلوماسية تُجنّب الساحل الانزلاق في دوامة الفوضى.

مخاطر التصعيد: من الخلاف السياسي إلى الانفجار الإقليمي

يحذّر الأنصاري من أن استمرار الأزمة، في غياب قنوات الحوار، قد يؤدي إلى تقويض التعاون الضروري لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ما قد يُحول منطقة الساحل إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الدولية، خاصة مع الانقسامات المتزايدة بين الدول.

ويدعو في هذا السياق إلى تفعيل آليات العمل الإقليمي مثل الإيكواس والاتحاد الإفريقي، من أجل بناء جبهة موحدة في وجه التدخلات الخارجية، وتعزيز الحوار الداخلي بين الدول المعنية بالأزمة.

دعوة إلى التهدئة وبناء الثقة

في ختام الحوار، يوجّه الأنصاري نداءً إلى شعوب المنطقة ونخبها السياسية، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية، وإعادة الاعتبار للعلاقات الأخوية التي تربطها بالجزائر. مؤكدًا أن الجزائر لم تكن يومًا قوة هيمنة، بل حليفًا حقيقيًا للحرية، وداعمًا لمطالب الشعوب في تقرير مصيرها.

ويختتم بدعوة واضحة إلى "تفكيك الدعاية المغرضة، ورفض الانجرار وراء التصعيد، والعمل على بناء مستقبل مشترك يضمن الاستقرار والتنمية في كامل الساحل الإفريقي."

في ظل التحولات الجيوسياسية الكبرى، تبقى الجزائر – برصيدها التحرّري، وخبرتها الدبلوماسية – عنصرًا أساسيًا في معادلة استقرار الساحل، بشرط أن تجد آذانًا صاغية في عواصم الجوار.


بقلم: بلقاسم مرباح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...