عقب تقرير المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، الذي دعا فيه المغرب بشكل صريح إلى تقديم مزيد من التوضيحات بشأن ما يُسمّى بخطة الحكم الذاتي – وهي وثيقة هزيلة تتكوّن من 35 مادة موزعة على أربع صفحات ونصف بالكاد – عبّر المغرب عن تحفظ ملحوظ، يكاد يشي بحرج غير معلن. في المقال التالي، نسلّط الضوء، بشكل دقيق وموضوعي، على الأسباب الحقيقية التي تحول دون قيام المغرب بتفسير خطته، إذ أن هذه المبادرة، بخلاف ما يُروَّج لها من كونها "جدّية" و"ذات مصداقية"، لا تستوفي الحد الأدنى من المعايير القانونية ولا تنسجم مع مبادئ القانون الدولي.
إنّ نزاع الصحراء الغربية، المُدرج منذ عقود في أجندة الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار، يُعد من أكثر القضايا حساسية وخطورة على استقرار منطقة المغرب العربي، بل وعلى السلم الإقليمي والدولي. ففي عام 2007، قدّم المغرب ما سماه "مبادرة التفاوض بشأن الحكم الذاتي"، التي يُفترض أن تشكّل حجر الأساس لحل نهائي لهذا النزاع. غير أن هذه المبادرة، التي تحاول أن تلبس ثوب الحل السياسي، ما هي في الواقع إلا محاولة أحادية الجانب لفرض أمر واقع، وتسويق ضمٍّ إقليمي مغلف بلغة الحوار والتسوية.
قراءة معمّقة لهذا النص، في ضوء قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، والمبادئ الثابتة لحق الشعوب في تقرير مصيرها، تكشف عن خطة جوفاء، تفتقر إلى الأسس القانونية، وتتناقض جوهرياً مع الشرعية الدولية. إنّها ليست دعوة لحل عادل ودائم ومقبول من الطرفين، بل محاولة لشرعنة الضمّ بالقوة، وفرض مستقبل شعب دون إرادته، في خرق صارخ للحق وللأخلاق الدولية.
أولاً: المبادرة المغربية تتنافى مع الحق غير القابل للتصرف للشعب الصحراوي في تقرير مصيره
1. الصحراء الغربية: إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي حسب تصنيف الأمم المتحدة
منذ عام 1963، صنّفت الأمم المتحدة الصحراء الغربية ضمن قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، التي ينبغي تصفيتها من الاستعمار، وفقاً للقرار 1514 الصادر عن الجمعية العامة. وقد أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بتاريخ 16 أكتوبر 1975 أنه لا توجد أي روابط سيادية بين المغرب والصحراء الغربية يمكن أن تبرر ضم الإقليم إليه.
"إن عملية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية لم تكتمل بعد، والشعب الصحراوي له حق غير قابل للتصرف في تقرير مصيره" – هذا هو الموقف الثابت للأمم المتحدة.
2. مبادرة الحكم الذاتي تقيد الخيارات ولا تحترم مبدأ تقرير المصير
تنص المبادرة المغربية على منح "حكم ذاتي موسّع" تحت السيادة المغربية، وهو ما يعني عملياً إقصاء خيار الاستقلال. بينما يشترط القانون الدولي أن يُمنح شعب الإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي حرية اختيار مستقبله من بين عدة خيارات: الاستقلال، الاندماج، أو الحكم الذاتي. وبالتالي، فإن المبادرة المغربية تحرف جوهر حق تقرير المصير عبر فرض خيار واحد داخل إطار السيادة المغربية.
ثانياً: المبادرة أُعدّت بشكل أحادي وأقصت الطرف الشرعي
1. استبعاد جبهة البوليساريو من صياغة المبادرة
تم إعداد المبادرة بشكل أحادي من قبل السلطات المغربية، دون إشراك جبهة البوليساريو، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي. وهذا يُعدّ خرقاً واضحاً للمسار التفاوضي الذي تدعو إليه قرارات مجلس الأمن، والذي يتطلب مشاركة الطرفين في إطار مفاوضات جدية ودون شروط مسبقة.
2. محاولة لإضفاء الشرعية على واقع الاحتلال
منذ انسحاب إسبانيا سنة 1975، يسيطر المغرب عسكرياً على جزء كبير من الصحراء الغربية دون أي اعتراف دولي بسيادته على الإقليم. ومن هذا المنطلق، تُعتبر مبادرة الحكم الذاتي محاولة لإضفاء شرعية قانونية وسياسية على واقع احتلال غير مشروع، بدل أن تكون جزءاً من مسار قانوني لتصفية الاستعمار.
ثالثاً: الحكم الذاتي المقترح شكلي ولا يضمن استقلالاً فعلياً
1. تركيز الصلاحيات السيادية في يد الملك المغربي
المبادرة تنصّ بوضوح على أن الملك يحتفظ بكامل صلاحياته في المجالات السيادية مثل:
-
الشؤون الدينية؛
-
الأمن القومي والدفاع؛
-
العلاقات الخارجية؛
-
السلطة القضائية العليا.
وبالتالي، فإن أي حكومة إقليمية ستكون تابعة ومرتبطة بالبنية المركزية للدولة، دون امتلاك سلطة فعلية مستقلة، مما يُفرغ مفهوم الحكم الذاتي من مضمونه.
2. إخضاع القوانين المحلية للدستور المغربي
تُلزم المبادرة الإقليم الصحراوي باتباع الدستور المغربي، مما يجعل جميع القوانين والتشريعات المحلية خاضعة للرقابة والسيطرة المركزية، ويُعطّل أي إمكانية لسن قوانين تعبّر عن إرادة الشعب الصحراوي بشكل مستقل.
رابعاً: استغلال غير مشروع للثروات الطبيعية دون موافقة الشعب الصحراوي
1. خرق مبدأ الموافقة المسبقة
أكدت محكمة العدل الأوروبية، في عدة أحكام (2016، 2018، 2021)، أن أي استغلال للموارد الطبيعية في الصحراء الغربية دون موافقة صريحة من الشعب الصحراوي يُعتبر خرقاً للقانون الدولي. المغرب يستمر في استغلال الفوسفات، الثروات السمكية، الموارد الطاقية والسياحة، دون موافقة الشعب الصحراوي أو ممثله الشرعي.
2. المبادرة لا تضع أي ضوابط للثروات
رغم أن النص يشير إلى تخصيص موارد مالية للإقليم، إلا أنه لا يضمن حق الشعب الصحراوي في التحكم الكامل أو السيادة على موارده، كما أنه لا ينص على آلية واضحة لإشراك الشعب في اتخاذ القرار بشأن استغلال هذه الموارد.
خاتمة: مبادرة لا تُعبّر عن حل حقيقي بل عن استمرار الهيمنة
تُظهر المبادرة المغربية، رغم لغتها الدبلوماسية، أنها:
-
تُقدّم حلاً مفروضاً أحادياً؛
-
تُفرغ مبدأ تقرير المصير من محتواه؛
-
تقصي الطرف الصحراوي الأساسي؛
-
وتحاول إضفاء طابع قانوني على واقع الاحتلال.
من هنا، فإن أي تسوية قائمة على هذه المبادرة تُعدّ منافية لقرارات الأمم المتحدة، ولا تفي بالمعايير الدولية لتصفية الاستعمار.
وعليه، فإن المجتمع الدولي مدعو إلى:
-
رفض أي حلول أحادية تُفرض على الشعب الصحراوي؛
-
دعم تنظيم استفتاء حرّ وحقيقي لتقرير المصير، يشمل خيار الاستقلال؛
-
إعادة التأكيد على حق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير مصيرها، وفق ميثاق الأمم المتحدة.
بقلم: بلقاسم مرباح
الخطة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء الغربية: https://www.europarl.europa.eu/meetdocs/2009_2014/documents/dmag/dv/dmag20101130_06-/dmag20101130_06-fr.pdf
تعليقات
إرسال تعليق