التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قراءة تحليلية في حوار السفير أبي بشرايا البشير: لماذا يخيم التشاؤم على جبهة البوليساريو؟ ولماذا تفتقد الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية؟

يُعدّ الحوار الذي أجرته صحيفة "نيوز الجزائر" مع السفير أبي بشرايا البشير، ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة، مرآة صادقة تعكس حجم القلق والتشاؤم الذي يسيطر على قيادة الجبهة إزاء المسار السياسي لقضية الصحراء الغربية. ولعلّ أبرز ما يسترعي الانتباه في هذا اللقاء هو الجمع بين وضوح الرؤية، وحدة النبرة، ومرارة التجربة الطويلة التي عاشها الصحراويون مع المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنظر إليها الجبهة بعين الريبة والخذلان.

أولاً: تشاؤم يعكس انسداد الأفق السياسي والخذلان الأممي

من خلال كلمات السفير، يتبدى أن حالة الإحباط التي تعيشها الجبهة ليست وليدة الساعة، بل هي ثمرة تراكمات تاريخية، ومواقف دولية متقلبة، وتصريحات من قادة دول عظمى، كالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تُناقض جوهر الشرعية الدولية ومبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.

تصريحات ترامب: شرعنة للاحتلال وتكريس لشريعة الغاب

يرى السفير أن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، كما ورد في تصريح ترامب نهاية ولايته الأولى، لم يكن مجرد موقف سياسي عابر، بل شكّل منعطفاً خطيراً في مسار القضية. فهو، من جهة، يعدّ انقلاباً على قرارات الأمم المتحدة، ومن جهة أخرى، يعكس تحوّلاً جذرياً في النظام العالمي، حيث تُقصى القوانين الدولية لصالح نزعات الهيمنة والسياسة الأحادية.

الشعب الصحراوي: مقاومة لا تلين أمام الرهان على الإنهاك

وعلى الرغم من هذا الواقع القاتم، تؤكد الجبهة أنها لا تزال متمسكة بحقها المشروع، وترفض بشكل قاطع مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وتشير بوضوح إلى أن هذا المقترح لم يلقَ أي تقدم منذ طرحه عام 2007، وأنه يعارض جوهر القانون الدولي الذي ينص على ضرورة استشارة الشعب الصحراوي، بوصفه المالك الوحيد لحق السيادة على الإقليم.

ثانياً: أزمة ثقة مع الولايات المتحدة: من الحياد المزعوم إلى الانحياز السافر

تحالف تاريخي مع المغرب وسقوط في التواطؤ

تشير الجبهة إلى أن العلاقة الأمريكية ـ المغربية تعود إلى عقود خلت، وتستند إلى مصالح استراتيجية متشابكة. غير أن التحول الخطير جاء في فترة ترامب، عندما تم تحويل ملف الصحراء الغربية إلى ورقة تفاوض في سياق "اتفاقيات أبراهام"، ليصبح الاعتراف الأمريكي جزءاً من صفقة إقليمية لا علاقة لها بجوهر النزاع.

محاولات التشويه: تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية

يتحدث السفير عن مبادرات من بعض أعضاء الكونغرس، كالنائب الجمهوري "جو ويلسون"، لتصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي، ويصفها بأنها حملة مغرضة تُدار من خلف الكواليس المغربية، هدفها تقويض شرعية الجبهة أمام المجتمع الدولي. ويؤكد أن هذه الاتهامات لا تعدو كونها أباطيل، دأب المغرب على ترويجها منذ عقود، من دون أن يقدم دليلاً واحداً يثبتها.

ثالثاً: المجتمع الدولي بين ازدواجية المعايير واستمرار بعض المنابر المستقلة في نصرة الحق

القضاء الأوروبي والإفريقي: بارقة أمل في ظلمة السياسة

ورغم التواطؤ السياسي لبعض العواصم الغربية، لا تزال بعض الهيئات القضائية الدولية تقف بثبات إلى جانب الحق الصحراوي، كالمحكمة الأوروبية التي قضت بعدم شرعية الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع المغرب والتي تشمل الصحراء الغربية، نظراً لغياب موافقة الشعب الصحراوي.

الاتحاد الإفريقي: حصن للمشروعية الصحراوية

يعيد السفير التأكيد على الدعم الثابت من دول القارة الإفريقية، التي نشأت معظم دولها من رحم حركات تحرر وطنية، وتجد في القضية الصحراوية صدى لتجاربها التاريخية. وقد أثبتت الأحداث أن انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي لم يغيّر من مكانة الجمهورية الصحراوية داخل المنظمة، بل زادها ترسيخاً، كما ظهر في قمم الشراكة الإفريقية ـ الدولية، وآخرها قمة "تيكاد" في طوكيو 2024.

رابعاً: إسبانيا: القوة الاستعمارية السابقة التي تخلت عن واجبها التاريخي

يرى السفير أن إسبانيا تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية كاملة في استمرار النزاع، كونها لم تُنهِ استعمارها بشكل قانوني، بل سلّمت الإقليم إلى المغرب وموريتانيا دون تنظيم استفتاء. كما أن موقف رئيس الحكومة الإسبانية "بيدرو سانشيز"، بدعمه العلني لمقترح الحكم الذاتي، يمثل أول اختراق للموقف الأوروبي، ويفتح الباب أمام مزيد من الانحرافات.

خامساً: الاستفتاء المؤجل: عقدة الحل السياسي ومعضلة مجلس الأمن

يسلط الحوار الضوء على سبب تعثر تنظيم الاستفتاء الذي تم الاتفاق عليه في خطة التسوية عام 1991، وهو ببساطة رفض المغرب لإجراء هذا الاستفتاء خوفاً من النتيجة التي يرجّح أن تصب في مصلحة الاستقلال. ومع وجود حلفاء دائمين للمغرب داخل مجلس الأمن، تم تحويل الملف من مسار الحل إلى مسار "التسيير"، ما يخدم أجندة الاحتلال الرامية إلى ربح الوقت وترسيخ الواقع الاستعماري.

ويشير السفير إلى أن الجبهة لا تمانع أن يُطرح مقترح الحكم الذاتي ضمن خيارات الاستفتاء، لكن ذلك لا يمكن أن يتم خارج إطار استشارة الشعب الصحراوي.

خلاصة القول:

إنّ تشاؤم جبهة البوليساريو اليوم ليس استسلاماً، بل تشخيص دقيق لمعادلات سياسية منحرفة، وممارسات دولية تتغاضى عن الحقوق، وترعى المصالح. ومع ذلك، فإن الجبهة تؤمن بأنّ الحق لا يُسقطه الزمن، وأنّ الشعوب لا تُهزم حين تُقاوم من أجل الحرية.

وفي ختام حديثه، يستحضر السفير تجربة الجزائر، نموذجاً للتحرر، ورسالة إلى كل الشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال: أن النصر وإن طال انتظاره، قادم لا محالة.



✍️ بلقاسم مرباح



المصادر:

ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة، السفير أبّي بشرايا البشير في حوار حصري لموقع "نيوز الجزائر": "بعد تصريح ترامب، لا يمكن للأمم المتحدة أن تنقلب على ذاتها، وهذه حقيقة تواجد عناصر البوليساريو بسوريا"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...