هل يمكن الحديث عن خلاف بين إيمانويل ماكرون وبرونو روتايو؟ تحليل سياسي في ضوء الأزمة الفرنسية الجزائرية
التوتر الدبلوماسي الأخير بين باريس والجزائر، في ظل مناخ سياسي فرنسي متوتر، أعاد إحياء نقاش قديم: هل هناك خلاف حقيقي بين إيمانويل ماكرون، رئيس الدولة، وبعض الشخصيات السياسية من اليمين الجمهوري مثل برونو روتايو، خاصة حول القضايا المتعلقة بالجزائر، الهجرة والإسلام؟ عند النظر بتمعن، يتضح أن هذا الخلاف أقل أيديولوجيًا وأكثر استراتيجيًا.
خلاف وهمي
برونو روتايو يمثل يمينًا جمهوريًا حازمًا بل وحتى هوياتيًا، لكن خطابه لا يتعارض مع الخط الحكومي الصارم، خاصة منذ أن اتخذ روتايو مواقف واضحة. لذلك، سيكون من المبالغة الحديث عن خلاف جوهري بين الإليزيه وهذا التيار من اليمين. فالأمر يتعلق أساسًا بتوزيع أدوار في مشهد فرنسي منقسم انتخابيًا ومجتمعيًا.
إستراتيجية توزيع الأدوار
في هذا السياق، تتجزأ الخطابات السياسية حسب الجمهور المستهدف. إيمانويل ماكرون، بصفته الضامن للتوازن المؤسساتي، مضطر لأن يوازن بين الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية والتوازنات الاجتماعية الداخلية. أما روتايو، فيتحدث إلى قاعدة انتخابية أكثر تحفظًا، تبحث عن مواقف واضحة فيما يخص الهوية.
هذا "التوزيع المحسوب للأدوار" ليس جديدًا في الحياة السياسية الفرنسية. فهو يسمح بالوجود في ساحات متعددة دون التسبب في انقسامات داخلية. فمثلاً، كان برونو روتايو في كثير من الأحيان حاملاً لخطاب أكثر تشددًا حول قضايا الأمن أو الإسلام، بينما حافظ ماكرون على خط أكثر توازنًا في العلاقات الدولية.
هذا التعدد في الأصوات لا يعكس فوضى، بل تخطيطًا استراتيجيًا دقيقًا تمليه الحاجة الانتخابية وتفتت الهيئة الناخبة الفرنسية.
الجزائر أصبحت قضية سياسية أكثر من كونها دبلوماسية
في عالمٍ تتراجع فيه الدبلوماسية الكلاسيكية لصالح منطق القوة – كما أظهر النموذج الترامبي – تتأقلم فرنسا. وفي علاقاتها مع الجزائر، يفرض هذا المنطق نفسه. فرغم أن الجزائر لا تمتلك أدوات تأثير كالتي تملكها القوى الكبرى، فإن قدرتها على استغلال أدوات مثل الذاكرة، والشتات، والطاقة، تجعلها فاعلًا لا يمكن تجاهله.
القضية القضائية: بين الدبلوماسية، الاتصال، والمؤسسات
نقطة توتر أخرى تُعقّد المشهد أكثر، وهي إدارة قضية قضائية حديثة، تنسب فيها الجزائر إلى برونو روتايو أفعالاً تعتبرها غير ودية، في حين تصر فرنسا على استقلالية قضائها.
من جهة، يبدو أن الجزائر تختار التعامل بلين مع إيمانويل ماكرون، وتُركز انتقاداتها على وزير الداخلية، وكأن الأخير يتصرف بمعزل عن رئيس الدولة. ويمكن فهم هذا الموقف على أنه رغبة في تجنب قطيعة مباشرة مع الإليزيه، الذي لا تزال قنوات التعاون معه مفتوحة، خاصة في الملفات الأمنية والهجرية.
ومن جهة أخرى، يذكر قصر كيه دورسيه – عبر وزير الخارجية – بأن القضاء الفرنسي مستقل، وأن وزير الداخلية لا يتدخل في التحقيقات أو القرارات القضائية. هذا الخطاب، وإن كان ملتزمًا بمبدأ فصل السلطات، إلا أنه دبلوماسيًا يضع فرنسا في موقف دقيق. فهو يُبعد الدولة عن أي مسؤولية مباشرة، ويتجنب في الوقت نفسه صدامًا مباشرًا مع الجزائر.
من على حق؟
الحقيقة تكمن في تقاطع الخطابين. من المؤكد أن برونو روتايو، بصفته وزير الداخلية، يمثل توجهًا سياسيًا صارمًا قد لا يرضي الجزائر. لكن من الناحية القانونية، كيه دورسيه محق: لا هو ولا أي وزير آخر يملك صلاحية التدخل في مجريات القضاء. والجزائر، على الأرجح، تعلم ذلك، لكنها تستخدم هذا التخصيص في الانتقاد كرسالة سياسية، دون الذهاب إلى القطيعة مع ماكرون. إنه توازن دقيق: لوم أحدهم للحفاظ على الآخر.
تعكس هذه الديناميكية واقعًا جديدًا في العلاقات الدولية: تخصيص الانتقادات يتيح أحيانًا تجنب الأزمات بين الدول. فعند استهداف دارمانان، توجه الجزائر نقدًا سياسيًا دون المساس الكامل بالعلاقات الثنائية.
الخلاصة: تقارب خفي، توترات محسوبة
لذلك، من المبالغة الحديث عن خلاف حقيقي بين إيمانويل ماكرون وبرونو روتايو بشأن العلاقة الفرنسية الجزائرية. فالفروقات تتعلق بالأسلوب والمواقف والجمهور الانتخابي المستهدف. كما أن القضية القضائية التي تبدو وكأنها صدام بين وزير الداخلية والجزائر، تعكس توازنًا دبلوماسيًا أكثر منها صراعًا مؤسسيًا.
الأزمة الحالية تكشف عن حقيقة ثابتة: في السياسة كما في الدبلوماسية، خطوط الانقسام غالبًا ما تكون قنوات تواصل تُدار بمهارة. فخلف هذه الخلافات الظاهرة، هناك نفس الإستراتيجية من الحزم، التكيّف، والحسابات الانتخابية، تمتد من ماكرون إلى روتايو، مرورًا بدا رمانان.
✍️ بلقاسم مرباح
تعليقات
إرسال تعليق