التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الجزائر ومجموعة العمل المالي (FATF): الرقابة المشددة والجيوسياسة المالية

مجموعة العمل المالي (GAFI) هي هيئة دولية رئيسية تنسق الجهود العالمية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. تُعتبر قائمتها الخاصة بالولايات القضائية "تحت المراقبة المشددة"، والمعروفة أيضًا باسم "القائمة الرمادية"، أداة للضغط على الدول لتعزيز أنظمتها المالية لتتوافق مع المعايير الدولية. ومع ذلك، يشير بعض المراقبين إلى أبعاد سياسية وجيوسياسية لهذه القائمة، خصوصًا فيما يتعلق بالجزائر التي أُدرجت مؤخرًا ضمنها. جاءت هذه الخطوة في وقت اتخذت فيه الجزائر توجهات جيوستراتيجية مستقلة، بما في ذلك انضمامها إلى بنك مجموعة البريكس، والذي يُنظر إليه كبديل عن بعض المؤسسات المالية الدولية المهيمنة من قبل القوى الغربية.


السياق الجيوسياسي واحتمالية الضغوط السياسية

اتخذت مجموعة العمل المالي قرار إدراج الجزائر في القائمة الرمادية عقب انضمامها إلى مجموعة البريكس، وهي مجموعة من الدول الناشئة (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا) التي تسعى لتقديم بديل للنظام المالي التقليدي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وأوروبا (رويترز، 2023). تهدف هذه الاستراتيجية الجزائرية إلى تقليل الاعتماد على المؤسسات الدولية التقليدية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويرى بعض المحللين أن هذا الإدراج قد يكون وسيلة غير مباشرة للضغط على الجزائر التي تعزز تحالفاتها المالية والسياسية خارج الدوائر التقليدية، وذلك للحد من استقلالها المتزايد في القطاع المالي.

الجزائر وGAFI: تقدم في التنظيم المالي

بررت مجموعة العمل المالي إدراج الجزائر في القائمة الرمادية كوسيلة لتعزيز قدراتها في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (FATF، 2023). ومع ذلك، كانت السلطات الجزائرية قد بدأت بالفعل في تنفيذ إصلاحات هامة، من بينها اعتماد تقرير التقييم المتبادل (REM) في مايو 2023، وتقليل عدد توصيات مجموعة العمل المالي من 74 إلى 13 فقط. كما تتضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، التي تم إعدادها للفترة 2024-2026، تحسينات مستمرة تهدف إلى تعزيز النظام المالي (آفاق، 2023). ورغم أن الجزائر أدرجت تحت المراقبة، إلا أنها تحظى بدعم دولي بسبب التقدم الكبير الذي أحرزته.

الوضع في المغرب: انتقادات وفوارق في المراقبة

يثير بعض المراقبين الجزائريين تساؤلات حول عدم إدراج دول مثل المغرب، المعروفة بارتباطها بتجارة المخدرات وتورطها في عدة قضايا غسيل أموال، ضمن الدول تحت المراقبة. فقد تورطت عدة بنوك مغربية، منها بنك الشعبي، في قضايا غسيل أموال؛ حيث تعرض هذا البنك لعقوبات في أوروبا بسبب أنشطة غير مشروعة، وتلقى غرامة بقيمة 170 مليون يورو عام 2021، وتم سحب رخصته البنكية في كل من إسبانيا وبلجيكا وهولندا بسبب انتهاكات في مكافحة غسيل الأموال (إيكو، 2021). يثير هذا التباين في إدراج الدول تساؤلات حول اتساق معايير مجموعة العمل المالي وحياديتها.

الخاتمة: بين مكافحة الجرائم المالية وأبعادها الجيوسياسية

يثير إدراج الجزائر في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي تساؤلات حول التقدم الفعلي للجزائر في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك حول السياق السياسي الذي قد يؤثر على هذا القرار. وقد يُنظر إلى التعاون المعزز للجزائر مع مجموعة البريكس ومبادراتها للاستقلال المالي كتهديد للتوازنات الجيوسياسية السائدة، مما قد يؤثر على تطبيق إجراءات الرقابة الدولية. وبينما تواصل الجزائر تحديث نظامها المالي عبر استراتيجية وطنية مخصصة وتعهدات ملموسة، تظل هناك حاجة إلى زيادة الشفافية وضمان تطبيق معايير موحدة من قبل مجموعة العمل المالي لتحقيق العدالة في التنظيم المالي العالمي.

بلقاسم مرباح

المراجع

  • FATF. (2023). "قائمة الولايات القضائية تحت المراقبة المشددة." مجموعة العمل المالي. تمت مراجعته في 30 أكتوبر 2023.
  • آفاق. (2023). "الجهود الجزائرية في مكافحة غسيل الأموال محط إشادة من GAFI." آفاق، 28 أكتوبر 2023.
  • لوموند. (2023). "إدراج الجزائر تحت المراقبة المشددة من قبل GAFI: الشروحات والتحديات." لوموند، 26 أكتوبر 2023.
  • إيكو. (2021). "فرض عقوبات على بنك الشعبي المغربي في أوروبا بسبب غسيل الأموال." إيكو، 15 يوليو 2021.
  • رويترز. (2023). "انضمام الجزائر إلى بنك البريكس: الأبعاد والتداعيات." رويترز، أغسطس 2023.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

  سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب.  لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ لماذا لا تفرض الدولة الجزائرية تأشيرة دخول على هذا البلد العدو لمراقبة التدفقات السكانية بشكل أفضل بين الجزائر والمغرب؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع ال

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء الجا

ما هي المشاكل بين الجزائر والمغرب ؟ لماذا لن يتم استعادة العلاقات مع المغرب ؟ ولماذا لا تقبل الجزائر أي وساطة مع المغرب ؟

في 24 أغسطس 2021، اتخذت الجزائر قرارًا تاريخيًا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، الذي واصل القيام بأعمال عدائية وغير ودية وخبيثة ضد بلدنا منذ استقلال الجزائر. في هذا المقال لن نتطرق للخيانات المغربية العديدة والممتدة عبر الازمنة و كذلك التي طالت الجزائر قبل الاستقلال (-اختطاف طائرة جبهة التحرير الوطني - خيانة الأمير عبد القادر - قصف مآوي المجاهدين الجزائريين من قاعدة مراكش الجوية - مشاركة المغاربة في مجازر سطيف، قالمة وخراطة عام 1945. الخ)، لأن الموضوع يستحق عدة مقالات ولأن الأفعال الكيدية عديدة، ولا يتسع المجال لذكرها، ومنذ وصول السلالة العلوية عام 1666 في سلطنة مراكش وفاس وهو الاسم الحقيقي للمملكة، قبل أن يقرر الحسن الثاني تغيير اسمها الرسمي بالاستيلاء دون وجه حق، عام1957(بينما كانت الجزائر تحارب الاستدمار الفرنسي) على اسم منطقة شمال إفريقيا: "المغرب" والذي يشمل كل من تونس و ليبيا والجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية وسلطنة فاس ومراكش. 1ــ بماذا تتهم الجزائر المغرب؟ للإجابة على هذا السؤال ودون الخوض فى الخيانات المغربية العديدة قبل استقلال الجزائر، فإن الوثيقة الأكثر ا