التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حرب الرمال 8 أكتوبر 1963 ... قصة "خيانة الأشقاء" المغاربة

لما أطفأت فوهات البنادق الجزائرية " نار الاستعمار الفرنسي ومعه حلف الناتو" صيف جويلية 1962 والتفت الجزائريون قيادة وشعبا لفرحة الاستقلال وما ينبغي صنعه في قابل السنوات لإعادة قيام الأمة الجزائرية ،كانت "عيون الخيانة الشقيقة" تراقب عن قرب ميلاد " دولة جزائرية جديدة "رأسمالها الحقيقي مليون ونصف مليون نفس جزائرية استأثرت الموت لحياة هذه الدولة والأمة من جديد ، لكن هذه "الحقيقة الصادحة" في المحافل الدولية والإنسانية كمصدر فخر لأحرار العالم وكافة الشعوب المناهضة للعبودية والاستعمار سرعان ما اصطدمت بـــ" غدر الأشقاء المغاربة " بعد عام وبضعة أشهر من الاستقلال فيما اصطلح على تسميته بحرب الرمال التي قدمت فيها الجزائر ثمانمائة شهيد في أول حرب حفاظا على وحدتها الترابية .


بينما كانت الجزائر دولة وشعبا تلملم جراحاتها وتحصي شهداءها وأراملها وأيتامها وينتظر الأبناء آباءهم العائدون من جبهات الشرف والشهادة وغيابات السجون الفرنسية والمنفيين إلى ما وراء البحار علها تكون بلسما لجراحاتهم الغائرة والممتدة في مسافة قرن و32 سنة، فاجأهم " المغاربة كنظام حكم" بأطماع استعمارية مزعومة على ولايتي تندوف وبشار في شهر أكتوبر 1963، حيث بدأ "نظام المخزن" مطالبات للتوسع داخل هذه المناطق ،متناسيا أن الحدود ترسمها وتحددها مقابر الشهداء قبل كل شيئ. بل وكأني به يقول للثوار الجزائريين" اذهبوا وقاتلوا أنا هاهنا قاعدون ... ولما تنتصروا على اعدائكم تعالوا وامنحونا وطنا وأرضا جديدة مزينة أطرافها بدماء شهدائكم مجانا ؟".
تصدير "الفشل الداخلي للمخزن " ضد جزائر الاستقلال
تعتبر مرحلة بداية الستينات من أكثر المراحل حرجا في تاريخ المغرب السياسي، خاصة بعد وصول الملك الحسن الثاني إلى السلطة في 26 فيفري 1961 ،وكان ذلك نتيجة للدور الذي كانت تقوم به المعارضة المغربية والضغوطات السياسية والاقتصادية التي كانت تهدد بقاء واستمرار الملكية المغربية، وهذا ما يؤكده "بول بالطا" (المراسل السابق ليومية "لوموند" الفرنسية في الجزائر خلال فترة الرئيس الراحل هواري بومدين ) الذي رأى أن حالات اللإاستقرار الداخلي قد دفعت الملك الحسن الثاني إلى الدخول في نزاعات مع الدول المجاورة لتعزيز النظام، واستغلال ذلك لقمع الاتحـاد الوطني للقوى الشعبية، كونه كان يخشى من التيار المغربي وتوجهاته الناصرية وعلاقاته مع الجزائر، وما يمثله ذلك من تهديد للعرش الملكي. لقد كان المغرب يعيش وضعا اقتصاديا واجتماعيا متدهورا، زادته حدة من الناحية السياسية نتائج الانتخابات التشريعية في 17 ماي 1963 حيث فازت المعارضة بالأغلبية المقدرة بـ 56.5بالمائة من مجموع الأصوات، مما يعكس الفشل السياسي للملك والرفض الشعبي لأعضاء حكومته، هذا الفشل السياسي ومحاولات الاغتيال وقلب النظام في جويلية 1963 وطرح التيار الثوري لمشاريع اقتصادية هدد المصالح والامتيازات الملكية كل ذلك أفرز وضعا داخليا مضطربا في المغرب أصبحت معه الملكية في خطر. إن السلوك التراعي المغربي اتجاه الجزائر كان: - فرصة لتحقيق الانسجام الداخلي بالتركيز على المزايدات الوطنية وفكرة العدو.
- قمع المعارضة باتهامها بالخيانة ومحاولة قلب النظام الحاكم.
- الدخول في النزاع مع الجزائر واتهامها بالتآمر لقلب النظام الملكي المغربي.
تركيز الخطاب المغربي على المزايدات الوطنية، وفكرة المؤامرة والعدو الخارجي، نجحت في إسكات أصوات المطالب الاجتماعية.
بن بركة من منفاه يندد بالاعتداء على الثورة الجزائرية
ومع اندلاع حرب الرمال بين الجزائر والمغرب اصطُلح عليها بـ"حرب الرمال" في الـــ8 أكتوبر 1963، ندد المعارض المغربي مهدي بن بركة من منفاه بالجزائر بالاعتداء على الثورة الجزائرية من طرف الملكية الإقطاعية، وهذا ما أعطى فرصة للسلطات المغربية لإيهام الأحزاب السياسية بالخيانة، الأمر الذي ساهم في إضعافها بشكل تدريجي، وهذا يدخل في إطار سعي المغرب للقضاء على كل القوى المعارضة للملكية .
كرونولوجيا تطور "النزاع" إلى "حرب " غير متكافئة وتفوق ديبلوماسي جزائري
في الـــ 8 أكتوبر قوات الجيش الوطني الشعبي الجزائري تستعيد تينجوب وحاسي بيضة.
في اليوم الموالي المغرب يعلن أن محمية تينجوب وحاسي بيضة وتينفوشي تم الاستيلاء عليها "في هجوم مفاجئ" من طرف القوات الجزائرية، بالنسبة للجزائر القوات المغربية تتقدم في الصحراء منذ شهر سبتمبر لإقامة محميات، وأنها هاجمت كولومب، بشار حاليا.
في الـــ 14 أكتوبر، احتلت القوات الملكية المغربية حاسي البيضاء وتنجوب وتدفع بالقوات الجزائرية نحو طريق بشار – تندوف، شكل هذا التدخل للقوات النظامية البداية الفعلية للنزاع .واستولى الجيش الجزائري على إيش موقع مغربي في الصحراء في ما وراء المنطقة المتنازع عليها، وتعتبر خطة لفتح جبهة جديدة لفك الضغط على القوات الجزائرية المهددة في الجنوب، أو بالأحرى الحصول على منطقة يمكن استغلالها في المفاوضات. وصل الجزائريون إلى حدود فكيك، الجيش المغربي المسير من طرف إدريس بنعمر مجهز جيدا بتجهيز غربي (كانت فرنسا أكبر بائع الأسلحة إلى المغرب في ذلك الوقت) وممونة على الدوام، أما القوات الجزائرية المسيرة من طرف العقيد هواري بومدين والتي تملك الخبرة في حرب العصابات والاعتماد على هجمات الكر والفر لكنها سيئة التجهيز والتي تشكلت مؤخرا من حرب العصابات في صفوف جبهة التحرير الوطني وتلقى تذبذبا في التموين، فكانت مواجهة غير متكافئة، إلا أن المغرب لم يتمكن من اختراق الجزائر.
اندلعت أكبر معركة في 25 أكتوبر، أُسر حوالي 250 جزائري بالقرب من حاسي البيضاء.
في نهاية الشهر صار للجزائر وضعية دبلوماسية جيدة ولصالحها، لها تأييد كبير بعد حرب الاستقلال وهي مؤيدة وبدرجات مختلفة من طرف المنظمات الأفريقية وبإمكانها المطالبة بمبدأ " الحدود الموروثة" لدعم مطالبها. وبأمر من الملك الحسن الثاني، يتوجه وزير الإعلام عبد الهادي بوطالب، للجزائر لكن مهمتة باءت بالفشل.
و في 15 أكتوبر، قررت الجزائر التعبئة العامة في قدامى محاربي الجيش "جنود جيش التحرير الوطني" أبطال حرب الاستقلال .
وفي 16 أكتوبر ، ظهر بن بلة ونوابه على جبهة القتال أثناء جلسة طارئة داعين جميع المحاربين القدامى للانضمام إلى الجيش ومحاربة "العدوان الإمبريالي" المغربي ؛ متعهدا بعدم خلع زيهم الكاكي حتى يكملوا مهمتهم بنجاح ثورتهم الاشتراكية. بعد مناوشات مكثفة على طول الحدود، مع مرور الوقت، أصبح الاشتباك حقيقي واقتتال عنيف حول واحة تندوف وفكيك.
الجيش الجزائري، المتكونة صفوفه من محاربي جيش التحرير الوطني كانت لا تزال غير مؤهلة وموجهة نحو حرب مباشرة، كان قليل المعدات الثقيلة.
رغم ذلك كانوا على استعداد لخوض المعركة عشرات الآلاف من المحاربين القدامى ذوي الخبرة معززين بالقوات المسلحة. علاوة على ذلك، الجيش المغربي كان يمتلك تجهيزاً حديثاً .
تذكرة عودة إلى الحدود الجزائرية المغربية.. بشهادات أكاديمية
وزيادة على هذا ، فقد تحالفت "الشقيقة الخائنة" المغرب مع الاحتلال الإسرائيلي حسب ما نقله الأستاذ وليد عبد الحي - الذي شغل سابقا أستاذا بجامعة الجزائر كلية العلوم السياسية والإعلام – في إحدى إسهاماته العلمية المنشورة عبر صفحته الخاصة في الفيسبوك يقول فيها نقلا عن شاهد من أهلها:"بدأت علاقات المغرب مع إسرائيل بشكل سري منذ بداية الستينات من القرن الماضي" عندما أرسلت إسرائيل للمغرب في أكتوبر عام 1963 طائرات حربية من "طراز مستير" ودبابات من صنع فرنسي عبر صفقة رتبها شاه إيران لمواجهة القوات الجزائرية ( وقد وردت هذه المعلومات في دراسة بعنوان (Israel and Morocco) التي كتبتها الباحثة الإسرائيلية إينات ليفي(Einat Levy ) عام 2018 في المعهد الاسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية( Israeli Institute for Régional Foreign Policies) ". وهو تجسيد للفكرة القائلة بـــ"أن التاريخ بقدر ما يدفن الحقائق فهو يكشف عن أخرى ولكن بطريقته ،،، !! .
"نهاية حرب" وبقاء شوكة في حلق "الذاكرة البينية" ..
توقفت المعارك يوم الـــ 5 نوفمبر 1963حيث انتهت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، قامت المنظمة الإفريقية بإرساء اتفاقية لوقف نهائي لإطلاق النار في 20فيفري 1964 في مدينة باماكو عاصمة دولة مالي.
وقاد الوساطة الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي، بصفته رئيس منظمة الوحدة الأفريقية، ووقّع الاتفاقية كل من الرئيس أحمد بن بلة والملك الحسن الثاني.
ونص الاتفاق على توقيف القتال وتحديد منطقة منزوعة السلاح وتعيين مراقبين من الدولتين لضمان حياة وسلام هذه المنطقة، وتشكيل لجنة تحكيم لتحديد المسؤولية حول من بدأ العمليات الحربية بين البلدين، ودراسة مشكلة الحدود بينهما وتقديم مقترحات إيجابية للطرفين.
ولكن هذه الحرب ، خلّفت توترا مزمنا في العلاقات الجزائرية - المغربية مازالت آثارها موجودة إلى الآن كشوكة في حلق الذاكرة البينية ، خاصة من ناحية الجزائريين الذين سيظلون ينظرون إليها قيادة وشعبا "وصمة خزي" على جبين "نظام المخزن" الذي لم يتورع قيد أنملة عن الإساءة إلى "حق الجيرة " كما فعل أسلافه مع المجاهد العظيم الأمير عبد القادر.
المصدر: الإذاعة الجزائرية / بلقاسم عثمان

تعليقات

  1. خيانة و غدر جارة السوء الغربية تبقى بصمة عار و خزي في التاريخ عبر الأجيال و الزمن

    ردحذف
  2. تحياتي خويا بلڨاسم 👍

    ردحذف
  3. بوركت على التذكير

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

 سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب.  لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ لماذا لا تفرض الدولة الجزائرية تأشيرة دخول على هذا البلد العدو لمراقبة التدفقات السكانية بشكل أفضل بين الجزائر والمغرب؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع الع

ما هي المشاكل بين الجزائر والمغرب ؟ لماذا لن يتم استعادة العلاقات مع المغرب ؟ ولماذا لا تقبل الجزائر أي وساطة مع المغرب ؟

في 24 أغسطس 2021، اتخذت الجزائر قرارًا تاريخيًا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، الذي واصل القيام بأعمال عدائية وغير ودية وخبيثة ضد بلدنا منذ استقلال الجزائر. في هذا المقال لن نتطرق للخيانات المغربية العديدة والممتدة عبر الازمنة و كذلك التي طالت الجزائر قبل الاستقلال (-اختطاف طائرة جبهة التحرير الوطني - خيانة الأمير عبد القادر - قصف مآوي المجاهدين الجزائريين من قاعدة مراكش الجوية - مشاركة المغاربة في مجازر سطيف، قالمة وخراطة عام 1945. الخ)، لأن الموضوع يستحق عدة مقالات ولأن الأفعال الكيدية عديدة، ولا يتسع المجال لذكرها، ومنذ وصول السلالة العلوية عام 1666 في سلطنة مراكش وفاس وهو الاسم الحقيقي للمملكة، قبل أن يقرر الحسن الثاني تغيير اسمها الرسمي بالاستيلاء دون وجه حق، عام1957(بينما كانت الجزائر تحارب الاستدمار الفرنسي) على اسم منطقة شمال إفريقيا: "المغرب" والذي يشمل كل من تونس و ليبيا والجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية وسلطنة فاس ومراكش. 1ــ بماذا تتهم الجزائر المغرب؟ للإجابة على هذا السؤال ودون الخوض فى الخيانات المغربية العديدة قبل استقلال الجزائر، فإن الوثيقة الأكثر ا

وكالة المخابرات المركزية ترفع السرية عن وثيقة تسلط الضوء على الدوافع الحقيقية للمغرب في حرب الرمال عام 1963

  رفعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مؤخرًا السرية عن وثيقة مؤرخة في 23 أغسطس 1957، وهي وثيقة تفصّل المناطق المنتجة للنفط في الجزائر وتحدد الخطط الفرنسية للجزائر ما بعد الاستقلال. تحتوي هذه الوثيقة على المعلومات التالية: كانت فرنسا ترغب بالاحتفاظ بالصحراء الجزائرية بأي ثمن، وكانت تخطط لتقسيمها إلى ولاياتان. لم تكن فرنسا تنوي مد أنابيب الغاز أو النفط إلى شمال الجزائر لتجنب التعامل في المستقبل مع الجزائر المستقلة، ولهذا السبب كانت فرنسا تناقش إسبانيا إمكانية تمريرالنفط والغاز الجزائري إلى الصحراء الغربية التي كانت تسيطر عليها إسبانيا. وكان الإسبان متحمسين للغاية بل وقدموا ضمانات للفرنسيين، مؤكدين  نية إسبانيا في عدم مغادرة الصحراء الغربية. تشير الوثيقة أيضاً إلى مشاكل حدودية مع ليبيا، التي كانت لديها مخططات إقليمية على حقول زرزايتين وإدجيليه وتيغنتورين. ويُقال إن فرنسا قدمت رشوة لرئيس الوزراء الليبي في ذلك الوقت، بن حليم، من أجل تسوية قضية الحدود بشكل نهائي.    المثير للاهتمام في وثيقة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هذه هو أن المناطق الحاملة للنفط في جنوب غرب الجزائر تتطابق بش