التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

أسطورة يَهوديت: حين تتحكم الخرافة في عقيدة الاغتيال الإسرائيلي

رغم ما تُعرف به المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من تقدم تقني وقدرات تكتية عالية، إلا أن استراتيجيتها في بعض جوانبها لا تزال حبيسة تصورات ميثولوجية ضاربة في القدم، يتقدمها السرد الديني القديم عن يَهوديت وهولوفرنيس، والذي يحتل مكانة رمزية بارزة في المخيال الجمعي الإسرائيلي، خصوصاً خلال احتفالات “حانوكا”. يستند هذا السرد إلى واقعة ميثولوجية تُصور اغتيال قائد عسكري عظيم على يد امرأة يهودية متدينة باعتباره السبب المباشر لانهيار جيشه بأكمله. ورغم البعد الرمزي لهذا النص، فإن تبنيه كقاعدة غير معلنة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، ولا سيما في استراتيجية الاغتيالات المركزة، يكشف عن إيمان شبه غيبي بأن القضاء على رأس التنظيم يعني بالضرورة تفككه. لكن هذه الرؤية، المترسخة في لاوعي سياسي/ديني، تتناقض جذرياً مع منطق الحروب الحديثة، بل وقد تؤدي إلى نتائج عكسية تماماً. من الحكاية الدينية إلى العقيدة الأمنية في قصة يَهوديت، نجد امرأة تتقن التلاعب بخصمها، فتغويه، وتسقيه حتى الثمالة، ثم تقطع رأسه أثناء نومه، فتقع البلبلة في صفوف جيشه، وينهار أمام جموع “المقاومة اليهودية”. بهذا الفعل الفردي الحاسم، تغير امرأة...

المواجهة العسكرية بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية الإيرانية (12–13 يونيو 2025): لحظة مفصلية في إعادة تشكيل التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط

تمثل المواجهة العسكرية التي اندلعت بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال ليلتي 12 و13 يونيو 2025 نقطة تحول حاسمة في مسار الصراعات الجيوستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. فخلف ما رُوّج له كنجاح تكتيكي إسرائيلي، تتوارى عملية معقّدة من حيث الأهداف، قد تكون في حقيقتها مقدّمة لفشل استراتيجي. إذ لم يكن الهدف مقتصرًا على إعادة ترسيخ الردع النووي ضد طهران، بل سعت تل أبيب، على ما يبدو، إلى استدراج ردّ إيراني عنيف قد يبرّر تدخلًا عسكريًا غربيًا، وربما يفتح الباب أمام تقويض النظام الإيراني من الداخل. وفي مواجهة هذه الضربة غير المسبوقة، جاءت الاستجابة الإيرانية محسوبة ومتقنة، عكست فهمًا عميقًا لمعادلات التصعيد وآلياته، وبرزت كجزء من استراتيجية احتواء متماسكة تهدف إلى تجنب الانجرار إلى حرب شاملة. 1. ضربة 12 يونيو: صدمة، رعب، ومحاولة لقطع الرأس في ليلة الثاني عشر من يونيو، شنّت قوات الدفاع الإسرائيلية سلسلة ضربات منسّقة شملت إطلاق ما يقارب 330 صاروخًا باليستيًا في خمس موجات متتالية. واستُخدمت في العملية صواريخ من طراز “غولدن هورايزن”، “سيلفر سبارو”، و”إير لورا”، واستهدفت مراكز قيادة رئيسية ف...

محدودية القوة الجوية الإيرانية: نقطة ضعف استراتيجية في مواجهة إسرائيل

في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، والتي تفاقمت بفعل الضربات الجوية المتكررة على الأراضي السورية، وأخيرًا على الأراضي الإيرانية نفسها، تبرز إحدى الثغرات الأخطر في بنية الدفاع الإيراني: الضعف البنيوي في سلاح الجو الإيراني. فرغم ما حققته طهران من تقدم في مجالات متعددة من الصناعات العسكرية، لا تزال قدراتها الجوية تشكل نقطة ضعف استراتيجية، خاصة في مواجهة خصم متفوق تكنولوجيًا كإسرائيل. سلاح جو متقادم تقنيًا منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وفرض الحظر العسكري الغربي، لم تتمكن إيران من تحديث أسطولها الجوي بشكل حقيقي. فمعظم طائراتها القتالية تعود إلى حقبة ما قبل الثورة، مثل طائرات F-4 Phantom ، و F-5 Tiger ، و F-14 Tomcat الأمريكية، إضافة إلى بعض الطائرات الروسية مثل MiG-29 و Su-24 ، إلى جانب محاولات محلية محدودة مثل مقاتلة “كوثر”، التي تفتقر بدورها إلى القدرات القتالية الحديثة. وتُعد أكبر نقطة ضعف في هذه المقاتلات افتقارها إلى القدرة على الاشتباك خارج مدى الرؤية ( BVR )، وهي القدرة التي تُعتبر معيارًا رئيسيًا في الحروب الجوية الحديثة، حيث تعتمد على أنظمة رادار متقدمة وصواريخ ج...

من نافارين إلى 1830: كيف فتحت الجزائر أبوابها للاستعمار بنفسها؟

من خطأ بحري إلى كارثة استراتيجية… قراءة في تاريخ طويل من إهمال المصالح الحيوية في 20 أكتوبر 1827، دارت معركة نافارين (Navarino) في خليج صغير جنوب غرب البيلوبونيز (اليونان اليوم)، وخلّفت آثاراً عميقة على توازن القوى في البحر الأبيض المتوسط. لكن ما يهمنا، كجزائريين، ليس فقط ما جرى عسكريًا في تلك المواجهة، بل كيف انخرطت الجزائر، وهي آنذاك قوة بحرية مستقلة تابعة اسميًا للعثمانيين، في حرب لا تعنيها، لتدفع لاحقًا ثمنًا استراتيجيًا باهظًا ظلّت تعاني تبعاته قرنًا ونيفًا. أولاً: السياق التاريخي والسياسي لمعركة نافارين شهدت بدايات القرن التاسع عشر صعود حركات التحرر الوطني في أوروبا، ومن بينها الثورة اليونانية ضد الحكم العثماني التي اندلعت سنة 1821. هذه الثورة حظيت بدعم واسع من القوى الأوروبية، التي رأت فيها فرصة لإضعاف الدولة العثمانية وفتح المجال لنفوذها في شرقي المتوسط. في المقابل، كان الباب العالي يُقاتل لقمع التمرد، فاستنجد بمحمد علي والي مصر، الذي أرسل أسطولًا قويًا إلى اليونان بقيادة ابنه إبراهيم باشا. كما شاركت الجزائر بأسطول بحري إلى جانب العثمانيين، رغم أن الثورة اليونانية لم تهدد أمن ...

المغرب رابع أكثر الدول الإفريقية مديونية: هشاشة هيكلية وهروب إلى الأمام في سباق التسلّح ضد الجزائر

كشف تقرير حديث صادر عن البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد (Afreximbank)، بتاريخ 28 ماي 2025، تحت عنوان “الوضع الراهن لعبء الديون في إفريقيا ومنطقة الكاريبي”، أن المغرب يحتل المرتبة الرابعة ضمن أكثر الدول الإفريقية مديونية، بدين خارجي بلغ 45.65 مليار دولار سنة 2023، أي ما يمثل 5.9% من إجمالي الدين الخارجي للقارة الإفريقية. ورغم محاولات تقديم الوضع على أنه مستقر، إلا أن هذه الأرقام تعكس هشاشة مالية متزايدة واعتماداً مفرطاً على الأسواق الخارجية، يُنذر بانزلاق اقتصادي خطير إذا لم يتم تدارك المسار الحالي. ارتهان خطير للأسواق المالية الدولية يعتمد المغرب بشكل كبير على الاقتراض من الأسواق المالية الدولية، لا سيما من الدائنين الخواص، ما يجعله عرضة للتقلبات في شروط التمويل الخارجي، كارتفاع أسعار الفائدة أو تشديد شروط الإقراض. وفي غياب ثروات طبيعية كبيرة تُعزز الضمانات السيادية، مثل النفط والغاز، فإن القدرة على الصمود المالي لدى المغرب تظل ضعيفة مقارنةً بدول أخرى في المنطقة. هذا الارتهان الخارجي لا يُهدّد فقط استقرار المالية العمومية، بل يحدّ من قدرة المغرب على وضع سياسات مستقلة بعيداً عن إملاءا...

ازدواجية المعايير: لماذا يدافع “الطيّبون” في فرنسا عن خائن جزائري ويصمتون عن نائبة فرنسية منتخبة؟

منذ أيام قليلة، ضجّت وسائل الإعلام الفرنسية ومنابرها الثقافية بحملة منظمة دفاعاً عن الكاتب الجزائري بوعلام صنصال. هؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم “أصدقاء الحريات” يقيمون الدنيا ولا يقعدونها تنديداً بما يسمّونه “قمعاً” في الجزائر. لكن المفارقة الصادمة هي أن هؤلاء أنفسهم يلتزمون صمتاً مخزياً ومتعجرفاً تجاه الحملة العنصرية والشنيعة التي تتعرض لها النائبة الفرنسية من أصل فلسطيني ريما حسن، المنتخَبة ديمقراطياً في البرلمان الأوروبي. تُهان، تُهدد، وتُحاصر لأنها فقط تدافع عن القانون الدولي وعن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. لماذا إذن هذه الإزدواجية؟ لماذا تنهال الكلمات الرنّانة دفاعاً عن رجل اختار خيانة وطنه، في حين لا نسمع منهم كلمة واحدة دفاعاً عن نائبة فرنسية تتعرض لحملة كراهية في صلب الديموقراطية؟ 1. بوعلام صنصال: كاتب الإساءات المتكرّرة لنكن واضحين: بوعلام صنصال لا يمثل الجزائر ولا شعبها. هو منذ سنوات طويلة مجرد أداة تُستخدم في الحملات المعادية للجزائر. في كتاباته وفي مقابلاته مع وسائل الإعلام الفرنسية، لا يفوّت فرصة إلا ويُسيء إلى وطنه، يُكرّر خطابات استعمارية عفا عليها الزمن، ويُغذّي الأكاذ...

في مواجهة هندسة مغربٍ عربيًا زائف: الجزائريون في فرنسا مدعوون إلى اليقظة

في مدينة فرنسية متوسطة الحجم، عُرفت لعقود بحضورها الجزائري القوي في أحيائها الشعبية، مرّت مشهديةٌ خطيرةٌ في صمت، لكنها كشفت حرباً خفيةً عميقةً تُخاض على الهوية والرمزية. في الاحتفال السنوي الذي اعتاد فيه رئيس البلدية تكريم الوجوه الجمعوية الجزائرية التي أسّست النسيج الاجتماعي للمدينة منذ الثمانينيات، حضر هذه المرة مرفوقاً بقنصل المغرب. وتحت أنظار رموز الجالية الجزائرية التاريخية، تم تكريم المغاربة، الوافدين حديثاً إلى المدينة منذ خمس سنوات فقط، فيما أُقصي الجزائريون من المشهد. لم يكن ذلك مجرد سهو أو خطأ بروتوكولي. بل كان رسالة واضحة: محاولة لتحويل مركز الثقل المجتمعي. مسعىٌ لكتابة تاريخ الحي الشعبي الفرنسي بمداد مغربي. وهذا المشهد ليس إلا عرَضاً من أعراض حرب ناعمة تُشنّ اليوم في فرنسا: هندسة اجتماعية وسياسية خفية، تهدف إلى جعل المغرب “المرجع المغاربي الأول”، بل المرجع الوحيد المسموح به، في مختلف الميادين: الدين، الثقافة، الرياضة، الإعلام. استراتيجية حصان طروادة المغربي في مدن كبرى مثل مرسيليا، تولوز، وليون، حيث كان الجزائريون يشكلون الأغلبية لعقود، نشهد اليوم صعوداً ديموغرافياً ومؤسسات...