التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

تحليل دبلوماسي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية: غياب الجدية وخرق للشرعية الدولية

عقب تقرير المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، الذي دعا فيه المغرب بشكل صريح إلى تقديم مزيد من التوضيحات بشأن ما يُسمّى بخطة الحكم الذاتي – وهي وثيقة هزيلة تتكوّن من 35 مادة موزعة على أربع صفحات ونصف بالكاد – عبّر المغرب عن تحفظ ملحوظ، يكاد يشي بحرج غير معلن. في المقال التالي، نسلّط الضوء، بشكل دقيق وموضوعي، على الأسباب الحقيقية التي تحول دون قيام المغرب بتفسير خطته، إذ أن هذه المبادرة، بخلاف ما يُروَّج لها من كونها "جدّية" و"ذات مصداقية"، لا تستوفي الحد الأدنى من المعايير القانونية ولا تنسجم مع مبادئ القانون الدولي. إنّ نزاع الصحراء الغربية، المُدرج منذ عقود في أجندة الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار، يُعد من أكثر القضايا حساسية وخطورة على استقرار منطقة المغرب العربي، بل وعلى السلم الإقليمي والدولي. ففي عام 2007، قدّم المغرب ما سماه "مبادرة التفاوض بشأن الحكم الذاتي"، التي يُفترض أن تشكّل حجر الأساس لحل نهائي لهذا النزاع. غير أن هذه المبادرة، التي تحاول أن تلبس ثوب الحل السياسي، ما هي في الواقع إلا محاولة أحادية الجانب لفرض أمر واقع، وتسويق ضمٍّ إقليمي مغلف ...

الأزمة الجزائرية-الفرنسية: شرخ متوقَّع منذ زمن بعيد وفقًا للدبلوماسيين الجزائريين في باريس

  منذ عدّة أشهر، تمرّ العلاقات بين الجزائر وباريس بمنطقة اضطرابات غير مسبوقة منذ استقلال الجزائر. وبينما يتساءل المراقبون الدوليون عن أسباب هذا التدهور، تؤكد مصادر دبلوماسية جزائرية متمركزة في باريس أن هذه الأزمة لم تكن متوقعة فحسب، بل كانت مخططة ومحللة وموثّقة منذ سنوات. ووفقًا لهؤلاء الدبلوماسيين، فإن جذور هذا الانكسار عميقة وتعود إلى استراتيجية منهجية نفذتها دوائر نافذة داخل جهاز الدولة الفرنسية نفسه. تحذيرات تم تجاهلها تشير تقارير دبلوماسية سرية، تم تسريب محتواها مؤخرًا بحسب صحيفتي الخبر و الجزائر patriotique ، إلى سلسلة من التحذيرات أرسلتها السفارة الجزائرية في باريس إلى السلطات العليا في الجزائر منذ أكثر من عقد. وتندد هذه الوثائق بسلسلة من المناورات التي تنفذها ما يصفها الدبلوماسيون بـ"الدوائر المعادية" داخل المؤسسات الفرنسية. وتفيد المصادر أن هذه الدوائر عملت على عرقلة أي محاولة للتقارب أو التطبيع بين الجزائر وفرنسا، من خلال نشاط خفي داخل أجهزة الاستخبارات، خصوصًا DGSE ، وبعض الوزارات السيادية مثل وزارة الداخلية، بالإضافة إلى ترويج خطاب معادٍ في وسائل الإعلام السائ...

الصحراء الغربية بين الجمود والتحوّل: قراءة في تقرير دي ميستورا أمام مجلس الأمن

 في 16 أبريل 2025، قدّم ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، إحاطة نادرة الكثافة أمام مجلس الأمن. يأتي هذا التقرير في لحظة حرجة، تتسم بتطورات دبلوماسية ثنائية مهمة، لكن أيضاً باستمرار انسداد سياسي مضى عليه نصف قرن. بقلم متزن ولكن حازم، يرسم دي ميستورا ملامح وضع يتسم بالركود، لكنه مشحون بعوامل قد تؤدي إلى تحوّلات، سواء كانت واعدة بالأمل أو محفوفة بالمخاطر. ديناميات ثنائية تحمل الكثير من الغموض بدأ التقرير بالإشارة إلى تطورين ثنائيين بارزين: زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى واشنطن في 8 أبريل، وزيارة نظيره الفرنسي ستيفان بارو إلى الجزائر قبلها بيومين. ورغم أن ملف الصحراء الغربية لم يُدرج رسمياً على جدول الأعمال، إلا أن الزيارتين تعكسان اهتماماً متجدداً من عضوين دائمين في مجلس الأمن — الولايات المتحدة وفرنسا — باستقرار المنطقة. وتستحق الرسالة الأميركية، التي عبّر عنها وزير الخارجية روبيو، اهتماماً خاصاً. فبإعادة تأكيد التمسك بإعلان 2020 لإدارة ترامب (الذي يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية)، مع التشديد على حل "مقبول للطر...

هل يمكن الحديث عن خلاف بين إيمانويل ماكرون وبرونو روتايو؟ تحليل سياسي في ضوء الأزمة الفرنسية الجزائرية

  التوتر الدبلوماسي الأخير بين باريس والجزائر، في ظل مناخ سياسي فرنسي متوتر، أعاد إحياء نقاش قديم: هل هناك خلاف حقيقي بين إيمانويل ماكرون، رئيس الدولة، وبعض الشخصيات السياسية من اليمين الجمهوري مثل برونو روتايو، خاصة حول القضايا المتعلقة بالجزائر، الهجرة والإسلام؟ عند النظر بتمعن، يتضح أن هذا الخلاف أقل أيديولوجيًا وأكثر استراتيجيًا. خلاف وهمي للوهلة الأولى، يبدو أن الخطابات التي يدلي بها إيمانويل ماكرون وبرونو روتايو تظهر اختلافًا واضحًا: من جهة، رئيس يتبنى أحيانًا موقفًا متوازنًا في علاقاته مع الجزائر، يتنقل بين الإشارات الإيجابية والحزم، ومن جهة أخرى، سيناتور من حزب الجمهوريين يتحدث بنبرة مباشرة وأحيانًا هجومية حول قضايا الهجرة والعلاقات ما بعد الاستعمار. ومع ذلك، فإن هذا الخلاف الظاهر يخفي تقاربًا جوهريًا: فكلاهما يشتركان في نهج صارم تجاه الجزائر، ورغبة في إعادة التأكيد على السيادة الفرنسية في مسائل الهجرة والاندماج والأمن. برونو روتايو يمثل يمينًا جمهوريًا حازمًا بل وحتى هوياتيًا، لكن خطابه لا يتعارض مع الخط الحكومي الصارم، خاصة منذ أن اتخذ روتايو مواقف واضحة. لذلك، سيكون م...

المغرب في الساحل: بين وهم القومية الإفريقية والحقائق الخفية

  هناك سردياتٌ يُعاد تكرارها بلا كلل، وشعارات تُرفع كراياتٍ لإغواء الجماهير، مرة تلو الأخرى، حتى يتحول الكذب إلى ما يشبه الحقيقة. لقد فرض المغرب نفسه في السنوات الأخيرة كمدافع مزعوم عن القضايا الإفريقية، مقدّمًا نفسه كبطلٍ للقومية الإفريقية، من خلال تحركات دبلوماسية مكثفة، وزيارات ملكية، واتفاقيات اقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء. لكن، ما الذي تخفيه هذه الواجهة المصقولة بعناية؟ كيف يمكن لمملكة تنتهج سياسة خارجية متناقضة ومبهمة أن تزعم تمثيل تطلعات القارة الإفريقية، وخصوصاً منطقة الساحل؟ الظل المغربي على الساحل دول الساحل، التي تعاني من الإرهاب منذ أكثر من عقد من الزمن، تبحث عن شركاء للمساعدة في تحقيق الاستقرار. من بين هؤلاء، يبرز المغرب كفاعل إقليمي، مدّعيًا تقديم خبرته ودعمه و"تضامنه الإفريقي". لكن، أليس من التناقض بل من الوقاحة، أن نرى الرباط تُجسّد دور المنقذ من شرٍّ هي، حسب العديد من المراقبين، أحد صانعيه الخفيين؟ كيف يمكن تفسير ظهور واستمرار جماعات إرهابية مثل "حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" دون الإشارة إلى الشبكات المالية المشبوهة التي تغذيها؟ تجارة ا...

الجزائر... آخر قلاع "جبهة الصمود والتصدي" في وجه محاولات زعزعة الاستقرار

من بين جميع الدول التي شكّلت "جبهة الصمود والتصدي" سنة 1977 رفضًا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بقيت الجزائر وحدها صامدة. واليوم، في ظلّ ضغوط إقليمية، وتوترات في ملف الصحراء الغربية، وتفاقم الأوضاع في الساحل، تواجه الجزائر فصلاً جديدًا من محاولات الاستهداف والتطويق. هذه قصة مقاومة لا تزال مستمرة. في 4 ديسمبر 1977، وُلدت في طرابلس "جبهة الصمود والتصدي" كردٍّ عربي غاضب على زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس المحتلة. بالنسبة للكثير من العرب، كانت تلك الزيارة خيانة صريحة للقضية الفلسطينية. وفي مواجهة هذا التحول الخطير، اجتمعت الجزائر، ليبيا، سوريا، اليمن الجنوبي، ومنظمة التحرير الفلسطينية في جبهة واحدة رافضة للتطبيع. بعد ما يقارب نصف قرن، انهارت تلك الجبهة الواحدة تلو الأخرى. ليبيا دُمّرت، سوريا غرقت في الحرب، اليمن الجنوبي ابتلعته الصراعات، والفلسطينيون يعانون التمزق والحصار. وحدها الجزائر، رغم الأزمات، لا تزال واقفة. الجزائر والمبدئية التاريخية منذ استقلالها، اختارت الجزائر الوقوف إلى جانب القضايا العادلة، وفي مقدّمتها فلسطين. في حرب أكتوبر 1973، دعم الرئيس ...

القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب: قرار تاريخي بجذور عميقة

 ستظلّ ذكرى 24 أغسطس 2021 محفورة في السجلات الدبلوماسية الجزائرية باعتبارها اليوم الذي أعلنت فيه الجزائر، على لسان وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المغربية. هذا القرار، الذي وُصف بالتاريخي، لم يكن وليد انفعال عاطفي أو حادثة عابرة، بل كان نتيجة تراكم من الاستفزازات والعداوات المتكررة والمحاولات الهادفة إلى زعزعة الاستقرار، تعود جذورها إلى نشأة المملكة الشريفة بصيغتها الحالية. في هذا الإعلان الرسمي، اتخذت الجزائر موقفًا واضحًا، معلنة صرامتها تجاه جار لم يُعد يُنظر إليه كأخ مغاربي، بل كعنصر مهدد لاستقرارها واستقرار المنطقة. ولا تخلو رمزية تاريخ 24 أغسطس من دلالة، إذ يتزامن مع اتهامات مغربية سابقة للجزائر عقب تفجيرات مراكش سنة 1994، ما يضفي على الموقف الجزائري بعدًا تذكاريًا قويًا. 1. إيديولوجية "المغرب الكبير": يوتوبيا توسعية تحوّلت إلى عقيدة دولة أ. نشأة مشروع إمبريالي تعتمد الإيديولوجيا التي تغذي العداء المغربي على مفهوم "المغرب الكبير"، الذي صاغه علال الفاسي، أحد رموز الحركة الوطنية المغربية ومؤسس حزب الاستقلال. هذه الرؤية ...

المغرب، فرنسا، والسعي إلى "عذرية جيوسياسية" في إفريقيا: حملة تشويه ضد الجزائر

تشهد الساحة الإعلامية والدبلوماسية في منطقة الساحل في الأيام الأخيرة حالة من الغليان، بسبب بعض التصريحات النارية، وعلى رأسها تلك التي صدرت عن الوزير الأول المالي الأسبق الدكتور شوغيل كوكالا مايغا. ففي التاسع من أبريل 2025، أطلق هذا الأخير هجومًا لفظيًا عنيفًا ضد الجزائر، متهمًا إياها بازدواجية المواقف والغموض في سياساتها الإقليمية. لكن خلف هذه التصريحات، يلوح سؤال أعمق وأكثر إلحاحًا: من يُحرك خيوط هذا الخطاب في الظل؟ ومن المستفيد الحقيقي من استهداف الجزائر في هذا التوقيت الحرج؟ الجواب واضح لمن يُحسن قراءة الأحداث: إنّها محاولة مدروسة بعناية لصرف الأنظار عن الدور الحقيقي لمن يخدم مصالح القوى الاستعمارية تحت عباءة التعاون الإفريقي. محاولة مغربية لإعادة كتابة التاريخ الإفريقي منذ سنوات، يشنّ النظام المغربي حملة دبلوماسية وإعلامية منظمة تهدف إلى تقديم المملكة كقوة "مستقلة" و"خيّرة" في القارة. إلا أن هذه الحملة، رغم زخرفها، لا تنطلي على أصحاب البصيرة. ففي باطن هذا الخطاب الناعم، تختبئ أجندة استعمارية مغلفة بمفردات جديدة، حيث يعمل المغرب كوكيل محلي لخدمة المصالح الفرنسية...

الأزمة الدبلوماسية بين مالي والجزائر: ما وراء الطائرة المسيّرة، الرهانات الجيوستراتيجية لخط أنابيب غاز محل أطماع

 لم تعد الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين الجزائر ومالي مجرد خلاف على المجال الجوي أو حادثة إسقاط طائرة مسيّرة، بل باتت تكشف عن صراع جيوسياسي أعمق، محوره السيطرة على مستقبل الطاقة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، في ظل التنافس بين مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء (نيجيريا – النيجر – الجزائر) ومشروع أنبوب الغاز النيجيري – المغربي. أزمة تتجاوز الحدود التقليدية في مطلع أبريل 2025، أعلنت الجزائر عن إسقاط طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي، بدعوى انتهاكها المتكرر للمجال الجوي الجزائري. وحسب بيان وزارة الخارجية الجزائرية، فإن هذه الحادثة ليست الأولى، بل الثالثة منذ أغسطس 2024، مؤكدة امتلاكها للأدلة التقنية والرادارية التي تثبت صحة موقفها. وردت باماكو باتهامات غير مسبوقة للجزائر بالتواطؤ مع جماعات إرهابية، في خطوة اعتبرتها الجزائر "سخيفة وغير مسؤولة"، مشيرة إلى أن النظام المالي الانتقالي – الناتج عن انقلاب عسكري – يسعى من خلال هذه الاتهامات إلى صرف الانتباه عن أزماته الداخلية وفشله السياسي. لكن وراء هذه الاتهامات، تظهر خلفية أعمق تتعلق بصراع النفوذ على مشاريع الطاقة العملاقة، وعلى رأسها مشرو...

أزمة الطائرة المُسيّرة التركية أقينجي: بين الجزائر ومالي وتورّط المغرب — تفوّق جزائري تقني وجوي واضح

في أوائل أبريل 2025، أثار حادث جوي شمل طائرة مسيّرة تركية من طراز "بيرقدار أقنجي" تابعة للجيش المالي صدمة في جميع أنحاء منطقة الساحل والمغرب العربي. ويُقال إن الطائرة اخترقت المجال الجوي الجزائري لمسافة كيلومترين، قبل أن تُسقطها القوات المسلحة الجزائرية في أقل من 26 ثانية. وقد كان هذا الزمن القصير كافيًا ليُبرز واقعًا استراتيجيًا واضحًا: التفوق التكنولوجي والعملياتي للجزائر في مجال الحرب الجوية وأنظمة مكافحة الطائرات المسيّرة. 1. الجزائر: سيادة تامة وقدرة ردع عالية في بيان رسمي صادر يوم 3 أبريل 2025، أعلنت وزارة الدفاع الوطني الجزائرية أن وسائل الدفاع الجوي التابعة لها أسقطت طائرة بدون طيار معادية دخلت المجال الجوي الجزائري في منطقة برج باجي مختار على الحدود مع مالي. الطائرة تبين لاحقًا أنها من نوع أقينجي التركية ، التي تُعد من بين أحدث الطائرات بدون طيار الهجومية والاستطلاعية. وفق المعطيات التقنية، فإن الطائرة كانت تطير بسرعة متوسطة تبلغ 280 كلم/ساعة ، ما يعني أنها قطعت 2 كلم داخل الأراضي الجزائرية خلال حوالي 26 ثانية ، وهي المدة التي احتاجتها وحدات الرادار والدفاع الجو...