التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الجزائر... آخر قلاع "جبهة الصمود والتصدي" في وجه محاولات زعزعة الاستقرار

من بين جميع الدول التي شكّلت "جبهة الصمود والتصدي" سنة 1977 رفضًا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بقيت الجزائر وحدها صامدة. واليوم، في ظلّ ضغوط إقليمية، وتوترات في ملف الصحراء الغربية، وتفاقم الأوضاع في الساحل، تواجه الجزائر فصلاً جديدًا من محاولات الاستهداف والتطويق. هذه قصة مقاومة لا تزال مستمرة.

في 4 ديسمبر 1977، وُلدت في طرابلس "جبهة الصمود والتصدي" كردٍّ عربي غاضب على زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس المحتلة. بالنسبة للكثير من العرب، كانت تلك الزيارة خيانة صريحة للقضية الفلسطينية. وفي مواجهة هذا التحول الخطير، اجتمعت الجزائر، ليبيا، سوريا، اليمن الجنوبي، ومنظمة التحرير الفلسطينية في جبهة واحدة رافضة للتطبيع.

بعد ما يقارب نصف قرن، انهارت تلك الجبهة الواحدة تلو الأخرى. ليبيا دُمّرت، سوريا غرقت في الحرب، اليمن الجنوبي ابتلعته الصراعات، والفلسطينيون يعانون التمزق والحصار. وحدها الجزائر، رغم الأزمات، لا تزال واقفة.

الجزائر والمبدئية التاريخية

منذ استقلالها، اختارت الجزائر الوقوف إلى جانب القضايا العادلة، وفي مقدّمتها فلسطين. في حرب أكتوبر 1973، دعم الرئيس هواري بومدين مصر وسوريا سرًّا بمبلغ 200 مليون دولار لشراء الأسلحة من الاتحاد السوفياتي. لم يُعلن عن ذلك في حينه، لأن الجزائر لم تكن تسعى للثناء بل كانت تؤمن أن الدم لا يُساوَم.

وخلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، أرسلت الجزائر شحنات من الأسلحة والمساعدات الغذائية والدوائية لدعم منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت الغربية. في حين كانت العواصم العربية تتبارى في الخطابات، كانت الجزائر تتحرك بصمت وفعالية.

من تفكيك الجبهة إلى عزل الجزائر

دول "جبهة الصمود" دُمّرت أو ضعفت بفعل الحروب والتدخلات الأجنبية. وحدها الجزائر نجت، لكنها دفعت الثمن. فقد شهدت "العشرية السوداء" في التسعينات، وواجهت تحديات اقتصادية وأمنية خانقة. ومع ذلك، لم تنخرط في مشاريع التطبيع، ولم تتخلَّ عن دعمها المبدئي للقضية الفلسطينية.

التطبيع المغربي – الإسرائيلي: ضغط مباشر على الجزائر

اليوم، التهديد لم يعد فقط من الشرق الأوسط. بل بات على حدود الجزائر. اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل سنة 2020، والذي تزامن مع اعتراف واشنطن بـ"سيادة" المغرب على الصحراء الغربية، فتح فصلًا جديدًا من التصعيد. تبِعت فرنسا مؤخرًا الخطوة الأمريكية، في استفزاز مباشر للجزائر، التي تُعدّ من أبرز الداعمين لجبهة البوليساريو.

الكثير في الجزائر يعتبر هذا التطور محاولة جلية لدفع البلاد إلى تدخل عسكري، يضعفها داخليًا ويزجّ بها في حرب استنزاف. فالحسابات الإقليمية تسعى إلى استنساخ السيناريوهات التي دمّرت سوريا وليبيا واليمن.

الجبهة الجنوبية... بوابة التوتر القادم

إلى الجنوب، يلوح خطر آخر. الوضع في مالي لا يقلّ تعقيدًا: تواجد قوى أجنبية، ضعف مؤسساتي، وتمدد الجماعات الإرهابية. يبدو أن الجزائر محاطة بمناطق توتر، وكأن هناك من يسعى لتطويقها جغرافيًا واستراتيجياً.

الجزائر... الصمت المدروس والمقاومة الهادئة

رغم كل الضغوط، لا تنجرّ الجزائر وراء الاستفزاز. لا تسعى للحرب، لكنها لا تتخلى عن مبادئها. تواصل دعم القضية الصحراوية والفلسطينية سياسيًا ودبلوماسيًا، وتحرص على عدم الوقوع في فخ التصعيد العسكري. ففي المعارك التي تُفرض من الخارج، تعرف الجزائر جيدًا أن أول الخاسرين هم الشعوب.

نحو مغرب الشعوب لا ممالك الطاعة

في مقابل مشاريع التطبيع والتحالفات القائمة على الولاء للمحاور الأجنبية، تطرح الجزائر تصورًا بديلًا: "مغرب الشعوب". ترفض منطق المساومة على القضايا العادلة، وتُفضّل بناء تحالفات حقيقية مع الشعوب الأفريقية والعربية التوّاقة إلى التحرر والسيادة.

وقد أثبتت تجارب الماضي أن الجزائر لا تبحث عن الواجهة الإعلامية، بل عن الفعل الصامت والمتجذر.

الخاتمة: صمود في زمن الانهيارات

في عالم عربي مزّقته الانقسامات والحروب والارتهان للخارج، تواصل الجزائر صمودها بصمت. اختارت طريقًا صعبًا لكنه مشرف. لم تغير تحالفاتها ولم تتنازل عن مبادئها. في زمن كثر فيه الانبطاح، يبقى "الرفض" موقفًا شجاعًا، وربما آخر أشكال الكرامة المتبقية.



✍️ بلقاسم مرباح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...