التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أزمة الطائرة المُسيّرة التركية أقينجي: بين الجزائر ومالي وتورّط المغرب — تفوّق جزائري تقني وجوي واضح

في أوائل أبريل 2025، أثار حادث جوي شمل طائرة مسيّرة تركية من طراز "بيرقدار أقنجي" تابعة للجيش المالي صدمة في جميع أنحاء منطقة الساحل والمغرب العربي. ويُقال إن الطائرة اخترقت المجال الجوي الجزائري لمسافة كيلومترين، قبل أن تُسقطها القوات المسلحة الجزائرية في أقل من 26 ثانية. وقد كان هذا الزمن القصير كافيًا ليُبرز واقعًا استراتيجيًا واضحًا: التفوق التكنولوجي والعملياتي للجزائر في مجال الحرب الجوية وأنظمة مكافحة الطائرات المسيّرة.

1. الجزائر: سيادة تامة وقدرة ردع عالية

في بيان رسمي صادر يوم 3 أبريل 2025، أعلنت وزارة الدفاع الوطني الجزائرية أن وسائل الدفاع الجوي التابعة لها أسقطت طائرة بدون طيار معادية دخلت المجال الجوي الجزائري في منطقة برج باجي مختار على الحدود مع مالي. الطائرة تبين لاحقًا أنها من نوع أقينجي التركية، التي تُعد من بين أحدث الطائرات بدون طيار الهجومية والاستطلاعية.

وفق المعطيات التقنية، فإن الطائرة كانت تطير بسرعة متوسطة تبلغ 280 كلم/ساعة، ما يعني أنها قطعت 2 كلم داخل الأراضي الجزائرية خلال حوالي 26 ثانية، وهي المدة التي احتاجتها وحدات الرادار والدفاع الجوي الجزائرية لاكتشاف الهدف والتعامل معه. هذا يعكس احترافية عالية وسرعة استجابة غير مسبوقة، ويؤكد كفاءة المنظومة الدفاعية الجزائرية التي يُعتقد أنها تشمل رادارات YLC-8B الصينية المتطورة ومنظومات صاروخية متقدمة.

2. المغرب في موقف حرج

الحدث لم يمر دون تداعيات على الجهة الغربية للحدود، حيث أن المغرب بدوره قام مؤخرًا باقتناء طائرات أقينجي من تركيا، في إطار تعاونه العسكري المتزايد مع أنقرة. وكان من المتوقع أن تمنح هذه الطائرات للمغرب تفوقًا في مجال الاستطلاع والهجمات الدقيقة، خاصة في المناطق الجنوبية المتوترة.

إلا أن ما حدث يُضعف هذا الرهان بشكل كبير:

  • تمكن الجزائر من اكتشاف واعتراض وتدمير الطائرة في ثوانٍ معدودة، أظهر أن هذه التكنولوجيا ليست بمنأى عن أنظمة الدفاع الجزائرية.

  • هذا يعني أن الطائرات المغربية من نفس النوع لن تكون فعالة في حال حصول أي تصعيد، وأن قدرتها على التسلل أو إحداث فارق استراتيجي باتت محدودة للغاية.

  • يظهر ذلك أن الجزائر ليست فقط مستعدة تقنيًا، بل متفوقة فعليًا في الدفاع الجوي.

وهكذا، يجد المغرب نفسه في وضعية ضعف استراتيجية غير متوقعة، بعدما راهن على التفوق من خلال المسيرات التركية.

3. تعدد الروايات: من المسؤول عن إسقاط الطائرة؟

في خضم هذا الجدل، ظهرت روايات متناقضة حول من أسقط الطائرة:

  • الجزائر أكدت رسميًا أنها من قامت بذلك، استنادًا إلى سيادتها على المجال الجوي وقدراتها الدفاعية.

  • في المقابل، الحكومة المالية حاولت التخفيف من حدة الحادث، قائلة إن سقوط الطائرة ناتج عن خلل تقني وليس نتيجة هجوم خارجي.

  • أما الانفصاليون الطوارق في أزواد، فقد ادعوا هم أيضًا إسقاط الطائرة بصاروخ محمول، لكن هذه الرواية تفتقر إلى الدليل الفني أو الصور، ومن غير المرجّح أن تكون لديهم القدرة على إسقاط طائرة من هذا النوع.

وبما أن الجزائر فقط هي من أصدرت بيانًا رسميًا مدعومًا بمنظومة دفاع جوي محترفة ومعروفة عالميًا، فإن روايتها تبقى الأقرب إلى الواقع والأكثر مصداقية.

4. تركيا تحاول إنقاذ سمعة "أقينجي"

من الجانب التركي، تشكّل هذه الحادثة ضربة محرجة لصناعة الطائرات المسيّرة التركية، خاصة أن طائرة "أقينجي" تعتبر واجهة الصناعات الدفاعية التركية الحديثة، وتُسوّق على نطاق واسع في إفريقيا وآسيا.

  • أي تأكيد رسمي بأن الطائرة تم إسقاطها من طرف الجزائر سيُعد ضربة قوية لصورة هذه الطائرات وقدرتها على المناورة والنجاة.

  • الأمر لا يهدد السمعة فقط، بل يُعرض صفقات مستقبلية للخطر، خاصة مع دول إفريقية أخرى مثل النيجر وتشاد وإثيوبيا.

  • لذلك، يُرجّح أن أنقرة مارست ضغوطًا على مالي لتبني رواية "الخلل التقني"، من أجل تفادي أي ضرر تجاري أو دبلوماسي.

5. الجزائر تؤكد تفوقها الجوي بلا منازع

لا شك أن الرسالة الأبرز في هذا الحدث هي أن الجزائر، بصمت واحترافية، أكدت للعالم قدرتها الكاملة على مراقبة مجالها الجوي والرد بسرعة وبدقة متناهية. فالمسألة لم تكن مجرّد حادث تقني أو تسرّب عرضي، بل عرض عسكري مباشر لقدرات الردع والتفوق الجوي.

في الوقت الذي تحاول فيه دول المنطقة تطوير قوتها الجوية والاعتماد على تقنيات حديثة، أثبتت الجزائر أنها لا تكتفي بالشراء أو التحديث، بل بالجاهزية الفعلية والتفوق العملي على الأرض.

خلاصة

حادثة إسقاط الطائرة "أقينجي" فوق الجنوب الجزائري ليست مجرد تطور تقني، بل هي رسالة سياسية وعسكرية قوية. الجزائر أعلنت بوضوح أنها تتحكم في أجوائها بدقة ولا تسمح بأي تجاوز، مهما كان بسيطًا أو غير مقصود. أما المغرب، فرغم استثماراته الضخمة في شراء الطائرات المسيّرة، فقد كشف هذا الحادث هشاشة رهاناته التقنية، في مواجهة خصم يمتلك تفوقًا نوعيًا في السماء.


✍️ بلقاسم مرباح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...