نحو تسوية منسجمة مع القانون الدولي لقضية الصحراء الغربية: الإطار المعياري، التشخيص، والبدائل العملية
ملخّص — يدرس هذا المقال، في ضوء القانون الدولي وممارسة الأمم المتحدة، المسارات المتفقة مع الشرعية الدولية لحل قضية الصحراء الغربية. وبعد عرض الإطار القانوني (ميثاق الأمم المتحدة، قرارات الجمعية العامة 1514 (د-15) و1541 (د-15)، الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 1975، صفة “الإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي”، وتفويض بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية – المينورسو)، يضع “مبادرة الحكم الذاتي” المغربية لسنة 2007 في سياقها ويبيّن لماذا لا تستجيب، بصيغتها الحالية، لمقتضيات حق تقرير المصير كما كرّسته الأمم المتحدة. ثم يقترح المقال جملة بدائل متوافقة مع القانون الدولي: استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة يتيح كل خيارات الوضع النهائي، خارطة طريق بضمانات أمنية وحقوقية، نظام انتقالي لإدارة الموارد قائم على موافقة الشعب الصحراوي، وتدابير لبناء الثقة. وتُستحضر سوابق ناميبيا وتيمور‑الشرقية لإبراز نماذج انتقالية قابلة للتكييف.
1) مقدّمة
تُعدّ الصحراء الغربية من آخر قضايا إنهاء الاستعمار غير المُستكملة على جدول أعمال الأمم المتحدة. فمنذ عام 1963، أُدرج الإقليم ضمن قائمة “الأقاليم غير المتمتّعة بالحكم الذاتي”، ويَستلزم تحديد وضعه النهائي ممارسةَ شعبه لحق تقرير المصير في عملية حُرّة ونزيهة وتحت إشراف دولي مناسب.
في هذا السياق، قدّم المغرب سنة 2007 “مبادرة التفاوض بشأن نظام حكم ذاتي”، تُطوّق النقاش «ضمن سيادة المملكة ووحدتها الوطنية» وتعرض استفتاءً على المصادقة على النظام المتفاوض عليه فقط. ورغم أهميّة هذا العرض سياسياً، فهو يُثير صعوباتٍ قانونية بالنظر إلى معايير تقرير المصير الأممية التي تُلزم إتاحة الاختيار بين عدة أوضاع نهائية، بما فيها الاستقلال.
2) الإطار القانوني الناظم
2.1) المعيار المؤسِّس لحق تقرير المصير
يقرّ ميثاق الأمم المتحدة مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، وقد فصّلته الجمعية العامة في القرار 1514 (د‑15) الذي يوجب وضع حدٍّ للاستعمار عبر الاختيار الحرّ للوضع السياسي. وحدّد القرار 1541 (د‑15) أن مسارات إنهاء الاستعمار المشروعة تشمل: الاستقلال، أو الارتباط الحرّ/الاتحاد، أو الاندماج — شريطةَ أن تُعبَّر إرادة الشعب بوسائل ديمقراطية، وعند الاقتضاء تحت إشراف الأمم المتحدة.
2.2) رأي محكمة العدل الدولية (1975)
خلصت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بتاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975 إلى أنّ الروابط التاريخية التي استند إليها المغرب (روابط بيعة مع بعض القبائل) لا تُثبت سيادةً إقليمية تمنع تطبيق القرار 1514 (د‑15) على الصحراء الغربية؛ وعليه ينبغي أن تتمّ عملية إنهاء الاستعمار عبر تقرير المصير بالتعبير الحرّ والصادق عن إرادة الشعب الصحراوي.
2.3) صفة الإقليم وتفويض المينورسو
لا يزال الإقليم مُدرجاً على قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي. وفي 1991 أنشأ مجلس الأمن المينورسو بقراره 690 لتنفيذ وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء يتيح للصحراويين الاختيار بين الاستقلال والاندماج في المغرب. وجُدّد التفويض مراراً (آخرها القرار 2756 (2024)) مع التأكيد على ضرورة التوصّل إلى حلٍّ سياسي «عادل ودائم ومتوافق عليه» يوفّر حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية.
2.4) الموارد الطبيعية ومبدأ الموافقة
3) التشخيص: لماذا لا تكفي مبادرة الحكم الذاتي (2007) بمعايير الشرعية الدولية؟
تُقيّد المبادرة مسارَ التفاوض داخل إطار السيادة المغربية، وتُبقي الوظائف السيادية (الدفاع، العلاقات الخارجية، النظام القضائي الوطني) بيد الدولة المركزية، وتقترح استفتاءً للمصادقة على صيغة واحدة متفاوض عليها، لا استفتاء تقرير مصير بخياراتٍ متعددة (الاستقلال، الاندماج، الارتباط الحرّ/حكم ذاتي مُعزَّز). وهذا الافتراض المسبق للسيادة يحدّ من طيف الخيارات، فيتعارض مع قراري 1514 و1541 وممارسة الأمم المتحدة في إنهاء الاستعمار.
طالما بقيت الصحراء الغربية إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي، فإن أيَّ ضمٍّ فعلي أو إدماجٍ في اتفاقاتٍ اقتصادية دولية يستلزم موافقة شعب الإقليم — وهو ما جدَّدت محكمة العدل للاتحاد الأوروبي تأكيده عام 2024.
4) بدائل متوافقة مع القانون الدولي: خيارات وآليات
4.1) استفتاء تقرير مصير تحت إشراف الأمم المتحدة (الخيار المحوري)
المعالم الأساسية. تتولّى المينورسو (بعد تعزيز قدراتها) تنظيمَ اقتراع يُتيح جميع خيارات الوضع النهائي (الاستقلال، الاندماج، الارتباط الحرّ/حكم ذاتي مُعزَّز)، مع ضمان قيد ومشاركة الجسم الانتخابي المؤهَّل — بما يشمل الشتات الصحراوي — وتأمين العملية بمنظومة دولية. وهذا متّسق مع التفويض الأصلي للمينورسو ومع قرارات مجلس الأمن اللاحقة.
الأساس القانوني. قرارات 1514 (د‑15) و1541 (د‑15)، رأي محكمة العدل الدولية 1975، صفة الإقليم كغير متمتع بالحكم الذاتي.
4.2) مرحلة انتقالية معزّزة وضمانات (حزمة انتقال)
إدارة انتقالية. بموافقة الأطراف، تُنشأ مرحلة انتقالية بإشراف/تنسيق أممي لاستعادة الثقة، إدارة الأمن، عودة اللاجئين، الأعمال المضادّة للألغام، وإنهاء تحديد الجسم الانتخابي — على غرار نماذج تيمور‑الشرقية (UNAMET/UNTAET) وناميبيا (UNTAG).
حقوق الإنسان. إضافة مكوّنٍ حقوقي صريح لتفويض المينورسو (إتاحة زيارات مفوضية حقوق الإنسان وآليات رصد مستقلة)، بما ينسجم مع اتجاه قرار مجلس الأمن 2756 (2024) نحو تعزيز التعاون مع المفوضية.
الأمن ونزع السلاح. برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR) بإشراف الأمم المتحدة، تأمين حرية التعبير والتنقّل، وضمان حياد الإدارة خلال الحملة والاقتراع — وهي وظائف منصوص عليها في تفويض المينورسو وقابلة للتكيّف مع الحالة.
4.3) حوكمة الموارد على أساس الموافقة
المبدأ. إلى حين الحسم النهائي للوضع، تُعلّق أيّ تعاقدات جديدة لا تستوفي شرط موافقة الشعب الصحراوي، ويُنشأ آليّةُ وديعةٍ مالية محايدة (صندوق ائتماني) لضمان أن أيَّ عوائد قائمة تُظهر منفعةً محدّدة وملموسة وقابلة للتحقق تعود للشعب الصحراوي، بما يتسق مع أحكام محكمة العدل للاتحاد الأوروبي (2024) ورأي كوريـل (2002).
4.4) تدابير بناء الثقة والإدماج الإقليمي
CBMs. استئناف برامج لمّ الشمل والاتصال العائلي والتعليم المدني المحايد، بدعم لوجستي من المينورسو والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، كما يتيحه تفويض البعثة.
مقاربة إقليمية. مواصلة صيغ “الطاولات المستديرة” بين المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا، برعاية المبعوث الشخصي للأمين العام، من دون شروطٍ مسبقة بشأن الوضع النهائي، كما يدفع إليه القرار 2756 (2024).
5) الدروس المستفادة من السوابق
5.1) تيمور‑الشرقية (1999–2002)
نظّمت الأمم المتحدة (UNAMET) في 30 أغسطس/آب 1999 استفتاءً يخيّر بين “حكم ذاتي خاص” ضمن إندونيسيا والاستقلال؛ ففاز خيار الاستقلال بأغلبية واسعة، وتولّت إدارةً انتقالية أممية (UNTAET) مهام الأمن والإدارة إلى حين الاستقلال. تُبرز هذه المصفوفة (استفتاء + انتقال + مواكبة مؤسسية) قابليتها للتكييف مع الحالة الصحراوية.
5.2) ناميبيا (1989–1990)
أشرفت UNTAG على وقف إطلاق النار، عودة اللاجئين، والانتخابات التأسيسية الحرة، ما قاد إلى الاستقلال في 21 مارس/آذار 1990. وتُظهر التجربة أن تفويضاً أممياً واضحاً (قرار 435 (1978)، ومن بعده 629 (1989)) قادرٌ على تحويل الانسداد الطويل إلى مسار خروجٍ منظم.
6) خارطة طريق تنفيذية (مقترح موجز)
- اتفاق‑إطار إجرائي برعاية الأمم المتحدة: التزام الأطراف بحلٍّ ينسجم مع حق تقرير المصير من دون المساس بالنتيجة النهائية، والقبول بجدول زمني (18–24 شهراً).
- تعزيز تفويض/موارد المينورسو: إضافة مكوّن حقوقي (وصول مفوضية حقوق الإنسان)، رفع قدرات الرصد، وتفويض صريح لإتمام تحديد الجسم الانتخابي بما يشمل الشتات.
- نظامٌ انتقالي للموارد: تجميد التعاقدات غير المطابقة؛ إنشاء صندوق ائتماني مستقل يضمن توجيه المنافع المحددة والموثوقة للشعب الصحراوي لحين الاستفتاء.
- ترتيبات أمنية: برنامج DDR، ضمان الحريات العامة، إتاحة الإعلام والمراقبين الدوليين، وتأمين الحملة ومراكز الاقتراع.
- الاستفتاء (خيارات متعددة) تحت إشراف الأمم المتحدة: ورقة اقتراع تتيح الاستقلال/الاندماج/الارتباط الحرّ/حكم ذاتي مُعزَّز؛ مساواة في الحملة؛ حياد الإدارة؛ رقابة دولية؛ وإعلان النتائج من الأمم المتحدة.
- تنفيذ النتيجة: في حال الاستقلال — فترة دعمٍ ما بعد الاستفتاء (نموذج UNMISET)؛ وفي حال الارتباط الحرّ/الحكم الذاتي — معاهدة دولية تُحدّد الاختصاصات والضمانات وآليات تسوية النزاعات.
7) مناقشة اعتراضاتٍ شائعة
“الواقعية السياسية” مقابل حق تقرير المصير. تدعو قرارات مجلس الأمن الأخيرة إلى حلٍّ “واقعي” و“متوافق عليه”، لكنها تؤكد أن الحل يجب أن يوفّر تقرير المصير؛ وعليه لا يمكن لحُجّة “الواقعية” أن تُقصي خيار الاستقلال من ورقة الاقتراع.
جسم الناخبين واللاجئون. يجب أن يستهدف التصويت الشعب الصحراوي — بما في ذلك اللاجئون — لا مجرّد “السكان” المقيمين. وقد شدّدت محكمة العدل للاتحاد الأوروبي عام 2024 على هذه التفرقة عند بحثها مفهوم “الموافقة”. وتوجد آليات مجرّبة للتسجيل الخارجي والمراقبة.
حُجّة “المنافع” الاقتصادية. الرأي القائل بأن العوائد الاقتصادية تكفي بديلاً من الموافقة رُفض قضائياً في أحكام الاتحاد الأوروبي (الشرط هو الموافقة، لا المنفعة)، بما ينسجم مع رأي كوريـل لعام 2002.
8) خاتمة
من منظور القانون الدولي، تبقى المعيارية الضابطة هي التفعيل الفعلي لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وتحدّد أدوات الأمم المتحدة — من قراري 1514/1541، ورأي محكمة العدل الدولية لعام 1975، وصفة الإقليم كغير متمتع بالحكم الذاتي، وتفويض المينورسو — مساراً واضحاً: استفتاء يتيح كل الخيارات، مدعوماً بمرحلة انتقالية مُؤمَّنة وحقوقية وبحوكمة موارد تتمحور حول الموافقة. ولئن سجّلت مبادرة الحكم الذاتي المغربية إشارة انفتاح سياسي، فإنها — بافتراضها السيادة وتضييقها نطاق الاختيار — لا تستوفي، بصيغتها الحالية، معايير إنهاء الاستعمار كما بلورتها الأمم المتحدة. إن حزمة الخيارات المبنية على استفتاءٍ حرّ وعمليةٍ انتقالية مؤسَّسة هي البديل الأكثر اتساقاً مع القانون الدولي والأجدر بتأمين سلامٍ مستدام.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
مراجع أساسية مختارة
- الأمم المتحدة/المعايير والقرارات: القرار 1514 (د‑15)؛ القرار 1541 (د‑15)؛ قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي (الأمانة العامة)؛ القرار 690 (1991)؛ القرار 2756 (2024)؛ تفويض المينورسو.
- محكمة العدل الدولية: الصحراء الغربية، رأي استشاري، 16/10/1975.
- وثيقة المبادرة المغربية: “مبادرة المملكة المغربية للتفاوض بشأن نظام حكم ذاتي لإقليم الصحراء” (S/2007/206).
- قضاء الاتحاد الأوروبي: حكم المحكمة العامة 29/09/2021 (T‑279/19)؛ ومحكمة العدل 04/10/2024 (بيان صحفي).
- رأي قانوني حول الموارد: رسالة المستشار القانوني (هانس كوريـل) لمجلس الأمن S/2002/161.
- سوابق انتقالية: تيمور‑الشرقية (UNAMET/UNTAET)؛ ناميبيا (UNTAG).
تعليقات
إرسال تعليق