تقع مسألةُ معاملة الأجانب على أساس جنسيتهم في تقاطع مبدئين أساسيين في القانون الدولي:
- سيادة الدولة، التي تمنحها حرية واسعة في ضبط دخول الأجانب وإقامتهم وطردهم.
- حظر التمييز التعسفي، الذي يحمي الأفراد من الإجراءات غير المبرّرة أو غير المتناسبة.
وعليه، لا يحظر القانون الدولي تمييزاً قائماً على الجنسية بصورة مطلقة، لكنه يضع له قيوداً صارمة. ويكمن الحدّ الفاصل بين التفريق المشروع والتمييز غير المشروع.
أولاً: المبدأ العام – السيادة والاختصاص الحصري للدولة
تقرّ ميثاق الأمم المتحدة وأعراف القانون الدولي بالاختصاص الحصري للدول في شؤون الهجرة.
- يحقّ لكل دولة أن تحدد شروط دخول الأجانب وإقامتهم وطردهم.
- ويمكنها، من حيث المبدأ، وضع أنظمة مختلفة بحسب الجنسية (كإلزام بعض الجنسيات بتأشيرات أو تحديد حصص معيّنة).
غير أنّ هذه الحرية ليست مطلقة، إذ يجب أن تبقى القواعد متوافقة مع التزامات الدولة الدولية، ولا سيما في مجال حقوق الإنسان.
ثانياً: حظر التمييز التعسفي
ينص المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على منع أي تمييز بسبب «العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي…».
- يفرّق اللجنة الأممية لحقوق الإنسان بين الأصل القومي (البعد العرقي أو الهوياتي) وبين الجنسية كصلة قانونية تربط الفرد بدولة معيّنة.
- هذا التمييز يسمح بإجراءات مختلفة إذا كانت تهدف إلى غاية مشروعة (الأمن القومي، النظام العام، الصحة العامة) وكانت متناسبة مع الهدف.
لذلك يمكن لدولة ما أن تفرض قيود تأشيرات أشد على رعايا دول معينة لأسباب أمنية، شريطة أن تثبت ضرورة هذه التدابير.
ثالثاً: الصكوك الإقليمية – رقابة مشددة لكن مرنة
- الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان: تحظر المادة 14 والبروتوكول 12 التمييز، لكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تقرّ باختلاف المعاملة في شؤون الهجرة متى كان «مبرَّراً موضوعياً ومعقولاً» (قضية موسطاكيم ضد بلجيكا، 1991).
- الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب: يجرّم التمييز، لكنه يؤكد أيضاً حق كل دولة في تنظيم دخول الأجانب وإقامتهم.
وبذلك تفرض هذه الصكوك اختباراً يقوم على المشروعية والضرورة والتناسب، دون أن تمنع سياسات هجرة متباينة.
رابعاً: الاتفاقيات الخاصة – اللاجئون والعمال المهاجرون
- اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين: تكفل مبدأ عدم الإعادة القسرية وتمنع الطرد الجماعي للاجئين، لكنها لا تمنع الدولة من فرض رقابة أو قيود طالما احترمت التزاماتها الإنسانية.
- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1990): تنص على مساواة المعاملة مع مواطني الدولة في بعض المجالات، إلا أنّ أثرها محدود لعدم تصديق العديد من دول الاستقبال (أوروبا، أمريكا الشمالية) عليها.
خامساً: الاجتهاد القضائي والممارسات العملية
تبرز السوابق الدولية الحد الفاصل بين التفريق المسموح والتمييز المحظور:
أمثلة مقبولة
- أنظمة تأشيرات مختلفة بحسب الجنسية.
- قيود صحية مؤقتة (مثل منع دخول القادمين من مناطق عالية الخطورة أثناء جائحة كوفيد-19).
- عقوبات محددة تستهدف رعايا دول خاضعة لحظر دولي.
أمثلة مدانة
- الطرد الجماعي لجنسية معيّنة من دون فحص ملفات فردية.
- قرارات جماعية تهدف لمعاقبة جماعة قومية بعينها.
- قضية بارزة: المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان أدانت ساحل العاج بسبب الطرد الجماعي لرعايا بوركينا فاسو واعتبرته تعسفياً.
✅ الخلاصة: توازن بين السيادة والحقوق الأساسية
مسموح:
قوانين هجرة أو أنظمة تأشيرات خاصة بجنسية معينة، متى استندت إلى هدف مشروع (الأمن، النظام العام، المعاملة بالمثل، الصحة العامة) وكانت متناسبة وقابلة للتبرير.
ممنوع:
التدابير العقابية أو الوصمية التي تستهدف شعباً بأسره، عمليات الطرد الجماعي التلقائي، أو أي انتهاك للحقوق الأساسية (الحق في الحياة، الحق في محاكمة عادلة، الحماية من التعذيب).
خاتمة
لا يحظر القانون الدولي التفريق بين الأجانب على أساس الجنسية بحد ذاته، لكنه يفرض عليه ضوابط صارمة.
والقاعدة واضحة: السيادة لا تعني الترخيص بالتمييز. فالدول تحتفظ بهامش واسع في رسم سياساتها للهجرة، لكن أي تفريق يجب أن يكون مبرَّراً وضرورياً ومتوافقاً مع مبدأ التناسب، وإلا انقلب إلى تمييز تعسفي منافٍ للمعايير العالمية لحقوق الإنسان.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق