منذ عدة أشهر، نشهد على منصة “تيك توك” مشهداً مؤسفاً: جزائريون يهاجمون جزائريين آخرين باستخدام أساليب في منتهى الدناءة. وما يزيد هذا المشهد بؤساً أن بعض هؤلاء، الذين يقدمون أنفسهم كـ”وطنيين مزعومين”، لا يترددون في الاستعانة بوسائط مغربية من أجل استهداف أبناء وطنهم.
لقد رأينا، على سبيل المثال، موقعاً إلكترونياً هاوياً مملوكاً لمغربي، ويموله جزائريون، ينشر مقالا مشيناً ضد أخينا مالك عياد بعنوان: قضية مالك عياد، يصوّره زوراً على أنه “عنصري كاره للأجانب”. وهذا المقال الكاذب يناقض تماماً الصورة الحقيقية لمالك عياد، الذي فرض نفسه منذ سنوات كصوت مستقل ووطني، مجنَّد للدفاع عن الجزائر ضد هجمات المخزن المغربي، والكيان الصهيوني، وكل المكاتب الأجنبية الساعية لزرع الفتنة بين الجزائريين. وعلى عكس الادعاءات الباطلة، لم يسعَ قط إلى التقسيم، بل كان هدفه إيقاظ الضمائر وتوحيد الجزائريين حول قيم مقدسة: الاستقلال الوطني، السيادة، والكرامة.
خلفية أيديولوجية خطيرة: عنصرية ضد الأمازيغ القبايلية وعروبية متطرفة
أمام هذه الموجة من الكراهية، بادرتُ إلى التواصل مباشرة مع رأس هذا الشبكة من “الوطنيين الجدد”، الذين ظهروا فجأة من العدم، ولم يكن أحد يعرفهم حين كنت أناضل مع مالك عياد والعقيد مبروك بلعلا في مواجهة الحرب الإدراكية التي يشنها المغرب.
واليوم، صار هؤلاء، الذين لم يكتشفوا الوطنية إلا حديثاً، يتجرؤون على التشكيك في نزاهة وشرف وإخلاص وطنيين مشهود لهم، يعرفهم الجزائريون، ومنحوهم ثقتهم، ورأوا قيمتهم تتجسد على أرض الواقع بأفعال ملموسة في خدمة الوطن وحده.
إن الخلفية الأيديولوجية لهؤلاء الذين يهاجمون مالك عياد ووطنيين مخلصين آخرين واضحة: خليط سام من العنصرية ضد القبايلية ومن العروبية المتطرفة، المشابهة تماماً لما جسدته نعيمة صالحي، التي أُدينت وسُجنت بسبب تصريحاتها العنصرية التي مست الوحدة الوطنية والثوابت الدستورية. إنه التيار نفسه الذي يسعى إلى وصم مواطنينا القبايل، وإنكار مكانتهم الطبيعية في الهوية الجزائرية، ورفع راية عروبية عقيمة لا تؤدي إلا إلى الانقسام.
ومع ذلك، كما ذكّر حسين آيت أحمد: “الجزائر واحدة لا تتجزأ. إنها غنية بتنوعها، الأمازيغي والعربي، وهذه التعددية هي مصدر قوتها.”
وكما حذّر هواري بومدين برؤية بعيدة: “وحدتنا الوطنية هي أثمن ما نملك. ومن يريد كسرها لا يخدم الجزائر بل يخدم أعداءها.”
إن كلمات هذه القامات التاريخية تظهر بجلاء أن الذين يثيرون الانقسامات العرقية والأيديولوجية يقفون ضد روح الجزائر المستقلة.
يد ممدودة للمصالحة
وإدراكاً لخطورة هذه الوضعية، وبروح من التهدئة، بادرتُ شخصياً يوم 31 أوت 2025 إلى توجيه رسالة أخوية إلى “DZ Génération”. كان الهدف بسيطاً: إنهاء الخلافات الداخلية، رفض الفرقة بين الجزائريين، وتركيز الجهود على التهديدات الحقيقية التي تواجه وطننا، أي المغرب التوسعي والكيان الصهيوني.
وجاء في أهم ما تضمنته رسالتي:
“أخي العزيز،
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نرفض هذه المعارك الرجعية التي لا طائل منها بين وطنيين جزائريين. (…)
الجزائر تجمعنا، ومن واجبنا أن نحميها ونرفع شأنها معاً.”
كانت مبادرة واضحة وصريحة وأخوية: يد ممدودة لتجاوز الضغائن والعمل سوياً من أجل الدفاع عن الوطن.
الرد المتعجرف والتهديدي لـ “DZ Génération”
للأسف، جاء رد “DZ Génération” بعيداً عن منطق المصالحة، إذ كان مليئاً بالاحتقار والتعالي وحتى بتهديد مبطّن. فبدلاً من التجاوب مع ندائي الأخوي، كتب:
“(…) ما عنديش الوقت لهذه التفاهات مع وطنيي تيك توك المزعومين اللي ما عندهم حتى عمل ميداني. نشوفك قريباً إن شاء الله… وفكّر تجدد أوراقك في القنصلية العامة بليون 🙏🏼”
إن هذه الإشارة المباشرة إلى القنصلية العامة بليون تشكل تهديداً غير مقبول، وتوحي بأن “DZ Génération” يملك وسائط أو علاقات داخل مؤسساتنا القنصلية. وهي تلميحات خطيرة يجب أن تثير يقظة كل وطني صادق.
أجندة مشبوهة
تظهر هذه المراسلات أن من يدّعون، مثل “DZ Génération” وأتباعه، أنهم يتحدثون باسم الشعب أو يدافعون عن “العروبية” في الحقيقة لا يملكون سوى هدف واحد: تقسيم الجزائريين، نشر الكراهية بين الإخوة، وصرف الانتباه عن الأخطار الخارجية الحقيقية.
فبينما يتآمر أعداؤنا ضد الجزائر، ينشغل هؤلاء بمطاردة وطنيين شرفاء ناضلوا لسنوات على الشبكات الاجتماعية. طريقتهم بسيطة:
- تنظيم حملات تشويه وتشهير ضد شخصيات وطنية؛
- ترويج أطروحات خطيرة ومهينة معادية للقبايل؛
- نزع الشرعية عن أي صوت معارض عبر وسمه بأنه “وطني مزعوم”.
كل هذا جزء من أجندة محددة، لا علاقة لها بحب الجزائر.
موقفنا
ننشر هذه المراسلات ليعرف الرأي العام الجزائري الحقيقة: نحن لا نسعى إلى الانقسام، ولا إلى الكراهية، ولا إلى الفتنة. بل على العكس، مدَدنا اليد من أجل الوحدة، لكنها رُفضت بالاحتقار والتهديد.
ومن الآن فصاعداً، لن نعطي أي أهمية للإهانات والأكاذيب التي يروجها “DZ Génération” وأتباعه. وقتنا أثمن من أن يُهدر، ويجب أن يُكرّس إلى:
- كشف المناورات العدائية للمغرب والكيان الصهيوني؛
- تعزيز الوحدة الوطنية بين الجزائريين بكل مكوّناتهم؛
- طرح قضايا ومشاريع جامعة على منصات التواصل.
أما الهجمات والتشهير والتهديدات، فلن تبقى بلا عقاب. سيكون الرد قضائياً، وفقاً للقوانين السارية.
الخاتمة
إن الجزائر ليست بحاجة إلى جدالات عقيمة، ولا إلى أيديولوجيين يغذون الانقسامات الداخلية. إنها بحاجة إلى شباب واعٍ، كريم وموحَّد في مواجهة التحديات الحقيقية.
سنظل أوفياء لمهمتنا: الدفاع عن الجزائر، جمع أبنائها، وتوجيه جهودنا نحو المعارك الأساسية. إن مناورات من يسعون إلى زرع الفتنة والكراهية العرقية بين الجزائريين لن تحيد بنا عن هذا الطريق.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق