رغم كل المحاولات التي تبذلها الدبلوماسية المغربية منذ عقود، تظل الحقيقة القانونية والتاريخية ثابتة: الصحراء الغربية لم تكن في أي مرحلة من مراحل التاريخ الحديث جزءًا من الدولة المغربية المعترف بها دوليًا. الادعاء بأن الإقليم كان مغربيًا قبل عام 1975 ليس سوى سردية سياسية تخدم مشروع الضم القسري، وتتعارض مع القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وحكم محكمة العدل الدولية نفسها.
أولًا: الصحراء الغربية… مستعمرة إسبانية لا “أرض مغربية”
في عام 1884، أعلنت إسبانيا رسميًا سيطرتها على ما كان يُعرف لاحقًا بـ”الصحراء الإسبانية”. وبهذا دخلت الصحراء الغربية في إطار الاستعمار الأوروبي، تمامًا كما وقع مع الجزائر وتونس وليبيا ودول إفريقية أخرى.
لم يكن للمغرب في ذلك الوقت، لا من الناحية السياسية ولا العسكرية، أي وجود أو إدارة فعلية على هذه الأراضي. فالإقليم ظل طوال ما يقرب من قرن خاضعًا بالكامل للسيادة الإسبانية، ولا توجد وثائق دولية معترف بها تُثبت تبعية الصحراء للدولة المغربية الحديثة.
ثانيًا: محكمة العدل الدولية تُفكك “الروابط التاريخية”
في أكتوبر 1975، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة رأيًا استشاريًا من محكمة العدل الدولية حول وضع الصحراء الغربية.
وكان السؤال الأساسي:
“هل كانت هناك روابط قانونية ذات طابع سيادي بين الصحراء الغربية وكل من المملكة المغربية وموريتانيا قبل الاستعمار الإسباني؟”
وجاء الرد واضحًا وحاسمًا:
“لم تثبت المحكمة وجود روابط سيادة قانونية بين الإقليم والمملكة المغربية.”
نعم، أشارت المحكمة إلى وجود روابط بيعة بين بعض القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب، لكنها أكدت أنها لا ترقى إلى مستوى السيادة السياسية.
🔎 هذه البيعة كانت رمزية وتقليدية، في إطار فضاء صحراوي قبلي، لا يمكن مقارنته بمفهوم الدولة الحديثة ذات السيادة.
ثالثًا: التاريخ لا يُكتب بالتقارير الرسمية
الادعاء المغربي بأن “الصحراء كانت دائمًا مغربية” يعتمد على عناصر مثل:
- الانتماء الثقافي والديني.
- اللغة المشتركة.
- بعض الوثائق التي تشير إلى “بيعة” للسلطان المغربي.
لكن هذه المعطيات، مهما كانت، لا تُنشئ سيادة دولية. فدول كثيرة في إفريقيا والعالم العربي تتقاسم الدين واللغة والثقافة، ومع ذلك فهي كيانات مستقلة.
كما أن مفهوم “السيادة” في القانون الدولي، خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية، لم يعد يعتمد على السرديات التاريخية أو الأوهام الإمبراطورية، بل على الإرادة الحرة للشعوب وتقرير المصير.
رابعًا: جبهة البوليساريو لم تنشأ ضد المغرب بل ضد الاستعمار
في عام 1973، تأسست جبهة البوليساريو، وهي حركة تحرير وطنية أعلنت بوضوح أنها تناضل ضد الاستعمار الإسباني، وليس ضد المغرب أو موريتانيا.
وبعد اتفاقية مدريد الثلاثية في نوفمبر 1975، والتي قُسمت بموجبها الصحراء بين المغرب وموريتانيا دون استشارة الشعب الصحراوي، انتقلت الجبهة إلى مواجهة الاحتلال المغربي مباشرة، ورفعت شعار الاستقلال الكامل.
خامسًا: موقف الأمم المتحدة واضح… استفتاء تقرير المصير
منذ إدراج الصحراء الغربية في قائمة “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي” عام 1963، والأمم المتحدة تعتبر الإقليم خاضعًا لتصفية الاستعمار.
لم تعترف الأمم المتحدة يومًا بسيادة المغرب على الصحراء، وكل قراراتها – وآخرها قرارات مجلس الأمن – تؤكد على:
“حل عادل ودائم ومقبول من الطرفين، يضمن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي.”
لكن حتى اليوم، لم يُنظم أي استفتاء حر تحت إشراف دولي، بسبب العراقيل المغربية، رغم أن هذا الاستفتاء كان جوهر خطة التسوية التي قادتها الأمم المتحدة منذ 1991.
الخلاصة:
- الصحراء لم تكن جزءًا من المغرب قبل 1975.
- كانت مستعمرة إسبانية معترف بها دوليًا.
- محكمة العدل الدولية لم تؤيد السيادة المغربية.
- الشعب الصحراوي يمتلك حقًا غير قابل للتصرف في تقرير مصيره.
لا سيادة بلا إرادة الشعوب، ولا استقرار مع الاحتلال.
✍️ بلقاسم مرباح
وطني جزائري، حرّ في قلمه كما في مواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق