التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بدر لعيدودي… “معارض” مزيف أم أداة في استراتيجية مغربية لضرب الجزائر من الداخل؟

في زمن الحرب الإعلامية والاختراقات النفسية، لم تعد المواجهة تقتصر على الجيوش والدبلوماسية، بل امتدت إلى الخطاب، والمنصات، والوجوه التي تدّعي الحياد وهي تخفي خناجر الغدر. من بين هذه الوجوه، يبرز اسم بدر لعيدودي، الذي يتقمّص دور “معارض” للنظام المغربي، لكنه في الواقع يؤدي وظيفة إعلامية خبيثة ضد الجزائر، من بوابة “الأخوّة” و”الودّ”، وهي أخوّة زائفة لا تهدف سوى إلى كسر تماسك الجبهة الداخلية الجزائرية.

معارضة بلا ثمن… معارضة وظيفية!

من أولى علامات الزيف في سردية لعيدودي ما يمكن وصفه بـ”المعارضة الآمنة”: الرجل ينشط يومياً في بث محتوى يركز على الجزائر، بينما تعيش عائلته بأمان داخل المغرب، دون أن تتعرض لأي مضايقة، في بلد يُعرف تاريخياً بأنّه لا يرحم المعارضين الحقيقيين ولا يترك أحداً من عائلاتهم دون أذى.

فهل يمكن تصديق أن نظام المخزن، ببطشه وتجسسه وقمعه، يغض الطرف عن معارض يدّعي أنه يهاجمه من الخارج، دون أن يمسّ أحد من أقاربه؟ أم أن ما نراه هو معارضة صورية، مبرمجة ومُرخّص لها، تخدم أجندة مركبة: في ظاهرها انتقاد داخلي، وفي باطنها تخريب موجه ضد الجزائر؟

من حزب الاستقلال… إلى أوهام “المغرب الكبير”

خلفية بدر لعيدودي السياسية ليست بريئة؛ فقد تدرّج داخل حزب الاستقلال المغربي، الحزب الذي تُعرف وثائقه، وخطاباته، ونخبه التاريخية، بتبني أطروحة المغرب التوسعي، والذي لا يزال يحلم بمشروع “المغرب الكبير” الذي يضمّ مناطق جزائرية ضمن خريطته الذهنية.

فهل يمكن أن نثق في شخص تربّى فكرياً داخل مدرسة تعتبر الصحراء الشرقية “أراضي مغربية”؟ وهل يمكن لمعارض حقيقي أن يواصل التغني بمقولات القومية المغربية في نفس الوقت الذي يدّعي فيه احترام السيادة الجزائرية؟

الجزائر هدف مفضل… والنظام المغربي مجرد خلفية!

بمراجعة بسيطة للمحتوى الذي ينشره بدر لعيدودي، يتبيّن أن أكثر من 90% من خطابه منصبّ على الجزائر… بينما في المقابل، لا نكاد نسمع له كلمة حقيقية عن الملك محمد السادس، أو عن قمع الريف، أو عن تفقير الملايين، أو عن تبعية القرار السيادي المغربي للكيان الصهيوني.

فإذا كان هذا الشخص فعلاً معارضًا لـ”نظام المخزن”، لماذا لا نراه يشنّ الحملات ضده؟ لماذا هذا التركيز المهووس على الجزائر؟ الجواب واضح: لأن المهمة الحقيقية ليست نقد النظام المغربي، بل تشويه الجزائر إعلاميًا وخدمة أجندة مغربية عدائية من بوابة “النقد الصديق”.

على خلاف بعض الشخصيات التي تعبر بشكل علني عن مواقفها العدائية تجاه الجزائر، يتّبع بدر العيدودي أسلوبًا أكثر دقة. فهو يقدّم نفسه على أنه مغربي معارض للنظام، ويُظهر دعمه للجزائر في مواجهة سياسات الرباط، في محاولة لبناء علاقة ثقة مع الرأي العام الجزائري. لكن تحليل محتوى ما ينشره يكشف واقعًا مختلفًا؛ إذ أن أكثر من 90٪ من منشوراته تركز على الجزائر، وغالبًا ما تتسم بنبرة تصعيدية. فهو يصوّر الجزائر كدولة تسعى للحرب، ويبالغ في قدرات الجيش الجزائري، ويضعه في سياق مواجهة محتملة مع حلف الناتو وإسرائيل. يبدو أن هذا الخطاب يهدف إلى خلق صورة سلبية ومُهدِّدة عن الجزائر، بما يشبه التمهيد لتعبئة دولية ضدها، على غرار ما حدث في العراق أو ليبيا.

الدفاع عن الجواسيس… وكشف الولاء الحقيقي

مؤخراً، انتفض لعيدودي ضد تصريحات الصحفي الجزائري محمد بن سديرة، الذي حذّر من أنشطة مشبوهة لبعض عناصر الجالية المغربية في الجزائر، وهي تصريحات مدعومة بشهادات دولية، خاصة من الصحفي الفرنسي جورج مالبرونو الذي كشف في 2022 أن “الموساد” استغل مغاربة في أوروبا لجمع معلومات أمنية.

ورغم كل هذه الشهادات، سارع لعيدودي إلى الدفاع الأعمى عن الجالية المغربية، مهاجماً أي صوت جزائري يحذر من الاختراق الأمني. فهل هذه ردة فعل معارض حريص على كشف الحقائق؟ أم أن الولاء الحقيقي قد سقط القناع عنه، وانكشفت الوظيفة الأمنية الناعمة التي يؤديها؟

خطاب “الصداقة” الخادع… طُعم للاختراق الداخلي

ما يجعل خطاب لعيدودي أكثر خطورة من الأبواق الصريحة المعادية، هو أنه يتسلل تحت عباءة المحبة. يتحدث كـ”أخ مغربي يحب الجزائر”، بل ويردّد شعارات مغاربية توحي بالوحدة والتضامن، بينما هو في العمق يفكك وحدة الصف الوطني، ويزرع الشكوك، ويقدّم نقداً مسموماً مغلفاً بلغة الحرص الكاذب.

هذه ليست حرية رأي، بل اختراق نفسي وإعلامي، يهدف إلى إشغال الرأي العام الجزائري بنقاشات سطحية، وتصوير الجزائر كبلد مأزوم، عاجز، فاشل، في مقابل صمت تام عن الكوارث التي تضرب الداخل المغربي.

أداة ناعمة في الحرب الإعلامية المغربية

ما يقوم به بدر لعيدودي ليس اجتهاداً فردياً، بل هو جزء من بنية استراتيجية أشمل تعتمدها الرباط، قائمة على خلق “معارضين” في المنفى، يوحون بالاستقلالية، بينما هم أدوات دعائية متقدمة في الحرب النفسية ضد الجزائر.

هذه الأداة الجديدة تعتمد على التضليل العاطفي بدل العداء الفج، وعلى الاختراق بدل الهجوم المباشر، وعلى التهدئة الظاهرية بدل التصعيد، لكنها لا تقلّ خبثاً ولا خطورة عن غيرها من أدوات الحرب الإعلامية المعادية.

الرسالة إلى الجزائريين: لا تنخدعوا بالمظهر

العدو الذي يصرخ من بعيد معروف، لكن العدو الذي يبتسم في وجهك، ويتغنّى بكلمات المودة، بينما يطعن ظهرك، هو الأكثر خطراً. لقد ولّى زمن المواجهة المباشرة، واليوم نحن في مواجهة أعداء يتقنون فن التنكر، ويعرفون من أين تؤكل كتف الرأي العام.

بدر لعيدودي ليس سوى واجهة ناعمة لعدوان صامت، يُغلف طعنه للجزائر بشعارات الإخوة والمحبّة، ويخدم أجندة مخزنية تحاول اختراق الثقة الوطنية وزرع البلبلة. وواجبنا، كجزائريين، أن نفضح هذا النفاق، ونحذر من مخططات “الاختراق الناعم” التي باتت أكثر فتكاً من الرصاص.


✍️ بلقاسم مرباح



تعليقات

  1. اتمنى منكم ان نكشفو لنا عن مغربي آخر اسمه عبد الحمد العوني.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الأسباب التي دفعت ستافان دي ميستورا إلى اقتراح تقسيم الصحراء الغربية

 النزاع في الصحراء الغربية، الذي يمتد منذ عام 1975 بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، لا يزال أحد أقدم النزاعات غير المحلولة. في ظل الجمود الدبلوماسي، اقترح المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا حل التقسيم كخيار محتمل. تعكس هذه الخطوة التحديات المستمرة في إيجاد حل يرضي جميع الأطراف. السياق التاريخي والجمود الدبلوماسي الصحراء الغربية منطقة تطالب بها المغرب منذ انسحاب إسبانيا عام 1975. المغرب يقترح خطة للحكم الذاتي تحت سيادته، مدعومة من فرنسا، بينما تسعى جبهة البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير يشمل خيار الاستقلال. فشلت الجهود السابقة في التوصل إلى حل توافقي، مما دفع دي ميستورا إلى اقتراح مسارات جديدة، منها تقسيم المنطقة. أسباب الاقتراح عدة عوامل قد تفسر سبب طرح دي ميستورا لفكرة التقسيم: المأزق القانوني والسياسي : على الرغم من أن بعض الاعترافات الدولية، مثل اعتراف الولايات المتحدة، قد تعزز الموقف السياسي للمغرب على الساحة الدولية، فإنها لا تغير الإطار القانوني الدولي الساري. وفقاً للقانون الدولي، وخاصة مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، يعود الأمر إلى شعب الصحراء الغربية لتح...