النزاع في الصحراء الغربية، الذي يمتد منذ عام 1975 بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، لا يزال أحد أقدم النزاعات غير المحلولة. في ظل الجمود الدبلوماسي، اقترح المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا حل التقسيم كخيار محتمل. تعكس هذه الخطوة التحديات المستمرة في إيجاد حل يرضي جميع الأطراف.
السياق التاريخي والجمود الدبلوماسي
الصحراء الغربية منطقة تطالب بها المغرب منذ انسحاب إسبانيا عام 1975. المغرب يقترح خطة للحكم الذاتي تحت سيادته، مدعومة من فرنسا، بينما تسعى جبهة البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير يشمل خيار الاستقلال. فشلت الجهود السابقة في التوصل إلى حل توافقي، مما دفع دي ميستورا إلى اقتراح مسارات جديدة، منها تقسيم المنطقة.
أسباب الاقتراح
عدة عوامل قد تفسر سبب طرح دي ميستورا لفكرة التقسيم:
- المأزق القانوني والسياسي: على الرغم من أن بعض الاعترافات الدولية، مثل اعتراف الولايات المتحدة، قد تعزز الموقف السياسي للمغرب على الساحة الدولية، فإنها لا تغير الإطار القانوني الدولي الساري. وفقاً للقانون الدولي، وخاصة مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، يعود الأمر إلى شعب الصحراء الغربية لتحديد مستقبله. تؤكد قرارات الأمم المتحدة ورأي محكمة العدل الدولية على أن هذا المبدأ هو شرط أساسي لحل قانوني ومستدام للنزاع .وفي غياب استفتاء لتقرير المصير، فإن أي حل يُفرض من جانب واحد من قبل المغرب، مثل منح الحكم الذاتي دون استشارة شعب الصحراء الغربية، سيكون موضع جدل قانوني. تعتمد شرعية العملية على موافقة الصحراويين من خلال آلية استشارية حرة ونزيهة. وبالتالي، فإن الاعترافات الفردية من بعض الدول بالسيادة المغربية لا تحل المسألة الجوهرية، لأنها لا تفي بمعايير تقرير المصير المنصوص عليها في القانون الدولي.
- فشل المفاوضات السابقة: فشل الحوار بين المغرب والبوليساريو في التوصل إلى توافق، حيث يرفض البوليساريو خطة الحكم الذاتي كحل وحيد، فيما يرفض المغرب استفتاءً يتضمن خيار الاستقلال.
- التوترات الإقليمية المستمرة: النزاع يعمق الخلافات بين المغرب والجزائر. يمكن أن يخفف التقسيم من هذه التوترات عبر منح كلا الجانبين بعض المكاسب.
- الضغط الدولي: بعض القوى الدولية، مثل فرنسا والولايات المتحدة، تدعم الحكم الذاتي، لكن هذا الحل لا يحظى بالإجماع دوليًا. قد يُنظر إلى التقسيم كحل وسط يرضي الفاعلين الدوليين.
- الاستقرار الإقليمي: الوضع في منطقة الساحل وعدم الاستقرار في المغرب العربي قد يدفع الأمم المتحدة للبحث عن حل سريع وعملي.
الاستجابة للاقتراح
رسميًا، لم يقبل المغرب ولا جبهة البوليساريو اقتراح التقسيم. بالنسبة للمغرب، فإن ذلك يعني التخلي عن سيادته الكاملة على إقليم يعتبره جزءًا لا يتجزأ من مملكته. أما جبهة البوليساريو، فهي تسعى إلى الاستقلال التام، وبالتالي فإن هذا التقسيم لا يلبي طموحاتها. علاوة على ذلك، فإن الديناميات السياسية الإقليمية، بما في ذلك دور الجزائر، تجعل هذه المسألة معقدة وتنطوي على مخاطر محتملة على التوازنات الإقليمية.
ومع ذلك، يبدو أن فكرة التقسيم هذه قد جاءت في الواقع من المغرب. فبعد أن وصل إلى طريق مسدود سياسيًا وقانونيًا بشأن قضية الصحراء الغربية، ورغم اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادته على المنطقة، يبدو أن المغرب أدرك حدود موقفه. والواقع على الأرض صعب جدًا على المملكة: فمنذ 15 نوفمبر 2020، تخوض القوات الصحراوية حربًا بلا هوادة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي في المغرب متدهور، مما يزيد من الأعباء نتيجة المجهود الحربي المتزايد والغليان الاجتماعي المتصاعد. يبدو أن الملك محمد السادس قد فكر في هذه المناورة السياسية بحثًا عن مخرج مشرف. ويرغب المغرب في الحفاظ على "المثلث المفيد" من الصحراء الغربية، حيث توجد مناجم فوسفات بوكراع، بينما يسلم المناطق الأقل ثراءً بالموارد الطبيعية إلى جبهة البوليساريو.
خاتمة
في الظاهر، يبدو أن اقتراح ستيفان دي ميستورا بتقسيم الصحراء الغربية يعكس إحباطًا عميقًا ناجمًا عن الفشل المتكرر لمحاولات الوساطة. ورغم أن هذا الحل مرفوض رسميًا من الطرفين في الوقت الراهن، فإنه يبرز الحاجة الملحة لإيجاد مخرج دائم لهذا النزاع الطويل الأمد. التوترات الإقليمية، الجمود الدبلوماسي، وضغوط الفاعلين الدوليين تشكل عوامل ثقيلة قد تؤثر على المفاوضات المستقبلية، على الرغم من أن التقسيم يبقى خيارًا مثيرًا للجدل إلى حد بعيد.
إن تاريخ هذا النزاع، الذي تميز بانحياز واضح من مجلس الأمن لصالح المغرب منذ عام 2007، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية لبعض القوى الغربية في الصحراء الغربية، يدفعنا إلى الاعتقاد بأن حلفاء المغرب دفعوه بشكل خفي إلى التفكير في حل التقسيم. مثل هذا الحل سيمكنهم من الحفاظ على مصالحهم الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، مع تقديم تنازل لجبهة البوليساريو، مما يمنحها وهم الانتصار السياسي في صراع مستمر منذ عام 1975. لكن الشعب الصحراوي، بدافع من كرامته وارتباطه العميق بأرضه، لن يقبل أبدًا بتقسيم أراضيه. سيواصل النضال بشجاعة حتى تحرير الصحراء الغربية بالكامل.
هذا الاقتراح بتقسيم الصحراء يذكرنا بشكل مقلق بما اقترحته فرنسا على الجزائر عام 1958: استقلال جزئي للشمال مقابل السيطرة على ثروات الجنوب الغنية بالموارد النفطية. رفضت الجزائر هذا الحل الجزئي، واستمرت في الحرب لأربع سنوات إضافية حتى حصلت على استقلالها الكامل. وسيكون الأمر كذلك بالنسبة لإخواننا الصحراويين، الذين سيحررون بلادهم حتمًا من نير الاستعمار المغربي. فلا شيء ولا أحد يمكنه أن يمنع شعبًا كريمًا من استعادة كبريائه الوطني واستقلاله.
شكرا
ردحذفلك كامل الاحترام والتقدير ،اخوك من الصحراء الغربية
ردحذف