التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تحليل شامل للقاء الدوري للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

 في لقائه الدوري مع الإعلام، الذي بُث مساء السبت عبر القنوات التلفزيونية والإذاعية الوطنية، تناول رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عدة قضايا داخلية ودولية، حيث استعرض المستجدات المتعلقة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى مواقفه بشأن القضايا الإقليمية والدولية. وقد شكل هذا اللقاء فرصة لتوضيح العديد من الملفات التي تهم الشأن العام الوطني والدولي.

أولًا: القضايا المحلية

1. تعزيز الطابع الاجتماعي للدولة ورفع الأجور

جدد الرئيس تبون التزامه بالحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة، معلنًا عن فتح حوار وطني شامل بحلول نهاية 2025 أو بداية 2026. وأكد استمرارية الزيادات التدريجية في الأجور ومنحة البطالة، مشيدًا بالوعي الوطني العالي لدى الشباب الجزائري، خاصة الفئة الجامعية القادرة على تحليل الأحداث السياسية والاجتماعية.

2. حرية التعبير بين الحماية والتنظيم

شدد الرئيس على أن الدولة ستقف بالمرصاد ضد أي محاولات للمساس بالوحدة الوطنية تحت غطاء "حرية التعبير"، موضحًا أن هذه الأخيرة لا تعني "الشتم والتجريح"، بل يجب أن تظل ضمن إطار أخلاقي يحمي الاستقرار الوطني.

ثانيًا: القضايا الاقتصادية

1. الاكتفاء الذاتي في المنتجات الغذائية

أكد الرئيس تبون أن الجزائر ستصل إلى الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الغذائية، وأبرزها القمح الصلب، خلال العام الجاري. كما أعلن عن مشروع استثماري كبير بالشراكة مع قطر في ولاية أدرار لتربية الأبقار وإنتاج الألبان، ما سيساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحليب في غضون سنتين.

2. تنظيم سوق المواشي وخفض الأسعار

في ظل الارتفاع الكبير لأسعار الأضاحي، وصف الرئيس تبون بيع الكبش بـ 17 مليون سنتيم بأنه "غير معقول"، داعيًا إلى "القناعة" والابتعاد عن المضاربة، مؤكدًا أن الدولة ستتخذ إجراءات لضبط سوق المواشي، من بينها استيراد الأغنام من إسبانيا استعدادًا لعيد الأضحى.

3. تنويع مصادر الطاقة والاستثمار في الهيدروجين

أعلن تبون عن خطة لمضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي خلال السنوات الخمس القادمة، مشيرًا إلى مشروع إنشاء أنبوب ثالث بين الجزائر وإيطاليا لنقل الهيدروجين والكهرباء إلى ألمانيا، وهو ما يعكس توجه الجزائر نحو الطاقات المتجددة.

4. تعزيز التصنيع المحلي واستثمارات السيارات

أشاد الرئيس بالشراكة الجزائرية الإيطالية في قطاع صناعة السيارات، حيث يتم التركيز على رفع نسبة الإدماج المحلي. كما أكد تحرير استيراد قطع غيار السيارات بشكل "معقول"، في خطوة تهدف إلى تحفيز التصنيع المحلي وخلق فرص عمل جديدة.

5. استغلال الموارد الطبيعية وتخصيب اليورانيوم

أوضح الرئيس أن الجزائر تقوم حاليًا بتخصيب اليورانيوم بنسبة تتراوح بين 3% و5% لأغراض مدنية، خصوصًا في القطاع الطبي، مع إمكانية تصديره مستقبلًا في حال وجود شركاء أجانب جادين.

6. مشاريع تحلية المياه والأمن المائي

كشف تبون عن إطلاق مشاريع لتحويل المياه بين السدود واستغلال المياه الجوفية، إلى جانب خطط لإنشاء مؤسسة وطنية متخصصة في إنجاز وتسيير محطات تحلية مياه البحر.

ثالثًا: السياسة الخارجية والمواقف الدولية

1. الدعم المستمر للقضية الفلسطينية

جدد تبون تأكيد الجزائر على دعم فلسطين، مشيرًا إلى أن بلاده كانت أول من طالب بمعاقبة المسؤولين عن المجازر في غزة، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية ستظل "قضية جوهرية" في السياسة الخارجية الجزائرية.

2. إصلاح الجامعة العربية وترتيب البيت العربي

انتقد الرئيس بقاء الجامعة العربية على حالها منذ إنشائها، مشددًا على ضرورة تحديث هياكلها بما يتماشى مع المتغيرات العالمية. كما أكد أن الجزائر تلعب دورًا محوريًا في التقارب بين دول المغرب العربي، وتعزز التعاون مع تونس وموريتانيا وليبيا.

3. العلاقات مع الدول الإفريقية ودورها في الساحل

أكد الرئيس أن الجزائر تسعى إلى وحدة القارة الإفريقية ولمّ شمل دولها، مبرزًا دورها في مساعدة مالي والنيجر، رغم محاولات "طرف ثالث" نشر الأخبار الكاذبة لزعزعة الاستقرار في المنطقة.

4. تطبيع العلاقات مع إسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة

أكد تبون أن العلاقات الجزائرية الإسبانية تعود تدريجيًا إلى طبيعتها بعد فترة من التوتر. كما كشف عن جهود لفتح خط جوي مباشر بين الجزائر ونيويورك، في إطار تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، مؤكدًا أن التعاون العسكري مع واشنطن لن يؤثر على علاقات الجزائر مع روسيا والصين والهند.

رابعًا: العلاقات الجزائرية الفرنسية

1. الخلاف بين الجزائر وفرنسا "مفتعل بالكامل"

وصف الرئيس تبون الخلاف بين الجزائر وفرنسا بأنه "مفتعل بالكامل"، مؤكدًا أن تسوية القضايا العالقة تتم بين الدولتين على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية. كما أوضح أن زيارات المسؤولين الفرنسيين إلى الصحراء الغربية "ليست استفزازًا"، لكنه أشار إلى أن "التباهي" بالعلاقات الفرنسية المغربية يثير الاستغراب في الأوساط الدولية.

2. قضية الذاكرة والتاريخ المشترك

أكد تبون أن الجزائر لا تعيد كتابة التاريخ، مشيرًا إلى أن فرنسا الرسمية اعترفت باغتيال الشهيد العربي بن مهيدي، ومشددًا على أن هناك العديد من الفرنسيين الشرفاء الذين وقفوا إلى جانب الجزائر خلال الثورة التحريرية، مثل أودان وسارتر وجيزيل حليمي.

خاتمة

عكس اللقاء الإعلامي الدوري للرئيس تبون رؤية واضحة لمستقبل الجزائر على الصعيدين الداخلي والخارجي. فمن الناحية الاقتصادية، تبرز جهود الحكومة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الإنتاج المحلي، إلى جانب توسيع الاستثمارات في الطاقة والتصنيع. أما على المستوى الدولي، فقد جدد الرئيس مواقف الجزائر الثابتة تجاه فلسطين وإفريقيا، في حين تسعى البلاد إلى إعادة التوازن لعلاقاتها مع الدول الكبرى. ويبقى التحدي الأبرز هو تحقيق هذه الطموحات في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية.



✍️ بلقاسم مرباح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...