التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فرنسا والمغرب وإسرائيل: التحالف الشرير والمؤامرات الفاشلة!

لطالما اعتبرت فرنسا نفسها قوة عظمى، لكن الواقع اليوم يكشف عن وجه مختلف تمامًا. بعد طردها المهين من إفريقيا، وجدت باريس نفسها في وضع لا يُحسد عليه، إذ خسرت نفوذها السياسي والاقتصادي، وأصبحت مصالحها عرضة للخطر. توقفت صادراتها، وتعرضت لما يشبه الحصار الاقتصادي، ولم يعد بإمكانها نهب الثروات الإفريقية كما اعتادت لعقود طويلة.

لقد أُجبرت القوات الفرنسية على مغادرة القارة، وأُغلقت قواعدها العسكرية واحدة تلو الأخرى، مما قطع عنها التمويلات التي كانت تحصل عليها تحت غطاء "اتفاقيات الحماية". أما سفاراتها، فتحولت من مراكز نفوذ تُملي قراراتها على الحكومات الإفريقية إلى أهداف محاصرة من قبل الشعوب الغاضبة، التي لم تعد تقبل بالهيمنة الاستعمارية الجديدة.

وبعد أن فقدت فرنسا مواردها الإفريقية، وجدت نفسها أمام حقيقة مريرة: اقتصادها الذي كان يعتمد بشكل كبير على ثروات مستعمراتها السابقة بدأ يترنح، ما أدى إلى أزمة سياسية عاصفة داخل البلاد. أكثر من ذلك، بدأت دول الاتحاد الأوروبي نفسها تتساءل عن جدوى استمرار فرنسا كقوة كبرى، وطُرحت أصوات في بروكسل تدعو إلى تجريدها من حق الفيتو ومنحه لألمانيا، باعتبارها القوة الاقتصادية الأبرز في القارة العجوز.

تحالف باريس-الرباط-تل أبيب: محاولة يائسة لاستعادة النفوذ

في ظل هذا الانهيار، تسعى فرنسا إلى إعادة ترتيب أوراقها، عبر الدخول في تحالف جديد يضم المغرب وإسرائيل، بهدف تحقيق عدة أهداف رئيسية:

  1. تصفية القضية الصحراوية: بعد فشل المغرب في فرض سيطرته الكاملة على الصحراء الغربية، تسعى فرنسا وإسرائيل لدعمه في هذا المسعى، من خلال مخططات أكثر جرأة، تشمل الاحتلال الفعلي للأراضي المحررة، ومحاصرة جبهة البوليساريو، ومنع أي تحرك دبلوماسي لصالح تقرير المصير.

  2. محاولة اختراق الجزائر: تدرك باريس أن الجزائر هي العقبة الأكبر أمام تنفيذ هذا المخطط، لذلك تعمل على محاصرتها دبلوماسيًا وإعلاميًا، وإثارة القلاقل على حدودها.

  3. العودة إلى الساحل الإفريقي: بعدما طُردت فرنسا من دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تحاول العودة عبر المغرب، الذي يمكن أن يوفر لها بوابة جديدة نحو الساحل الإفريقي، حيث تملك فرنسا مصالح استراتيجية كبرى، خصوصًا فيما يتعلق باليورانيوم والموارد الطبيعية الأخرى.

المخطط المزدوج: تصفية القضيتين الصحراوية والفلسطينية

ما يثير الانتباه هو أن هذا الحلف لا يقتصر على الصحراء الغربية، بل يتزامن مع محاولات إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول العربية المطبعة لتصفية القضية الفلسطينية. المخطط يبدو واضحًا:

  • إسرائيل تسعى إلى استغلال الحرب في غزة لفرض حل نهائي، يقوم على اجتثاث المقاومة، وتهجير الفلسطينيين، وضم الضفة الغربية بشكل كامل.
  • في المقابل، تعمل فرنسا والمغرب، بدعم من إسرائيل، على تنفيذ سيناريو مشابه في الصحراء الغربية، عبر تكريس الاحتلال المغربي ومحاصرة أي تحرك صحراوي أو جزائري داعم للقضية.

التنسيق بين الطرفين لم يعد سرًا، فقد بدأت فرنسا بالاعتراف بـ "الحكم الذاتي" الذي يقترحه المغرب كحل للنزاع، ووجهت استثماراتها نحو الأقاليم المحتلة، وكثفت حملاتها الإعلامية ضد الجزائر.

الجزائر: الحاجز الذي لا يمكن تجاوزه

لكن ما لم يدركه هذا الحلف، هو أن الجزائر ليست بالخصم السهل، وأنها كانت، وما تزال، العائق الأكبر أمام تنفيذ أي مخطط يهدف إلى تصفية القضيتين الصحراوية والفلسطينية. الجزائر تدرك جيدًا أن استهدافها بشكل مباشر قد يكون مخاطرة كبيرة بالنسبة لفرنسا والمغرب وإسرائيل، ولهذا فإن هذه الدول تلجأ إلى تكتيكات غير مباشرة، مثل:

  • إثارة الأزمات الإقليمية: محاولة خلق صراعات على الحدود الجزائرية، سواء في الصحراء الغربية أو في منطقة الساحل.
  • حملات إعلامية شرسة: تقودها منصات غربية وإسرائيلية ومغربية، بهدف تشويه صورة الجزائر وإضعاف موقفها الدبلوماسي.
  • تحالفات عسكرية مشبوهة: آخرها الإعلان عن مناورات عسكرية فرنسية-مغربية على الحدود الجزائرية، وهي خطوة استفزازية تهدف إلى جرّ الجزائر إلى مواجهة مباشرة.

لكن رغم كل هذه المحاولات، يبدو أن فرنسا وحلفاءها قد أخطأوا في الحسابات، فالمتغيرات الجيوسياسية لم تعد كما كانت في الماضي، والجزائر اليوم أكثر قوة واستعدادًا لمواجهة أي تهديد لأمنها القومي أو للقضايا العادلة التي تدافع عنها.

خاتمة: تحالف الفشل والمقامرة الخاسرة

إن التحالف الفرنسي-المغربي-الإسرائيلي ليس سوى مقامرة خاسرة، تعكس مدى يأس باريس والرباط وتل أبيب في مواجهة التحولات الجديدة. فكما سقطت فرنسا في إفريقيا، وكما فشلت إسرائيل في القضاء على المقاومة الفلسطينية رغم كل المحاولات، فإن أي مخطط لتصفية القضية الصحراوية سيواجه المصير نفسه.

التاريخ علّمنا أن الشعوب لا تُهزم بسهولة، وأن مشاريع الاحتلال والاستعمار، مهما بدت قوية، مصيرها الزوال. وما يجري اليوم ليس إلا جولة جديدة في صراع طويل، ستحدد نتائجه موازين القوى في المنطقة لسنوات قادمة.


بــلقـــاســم مــربــاح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...