لقد أُجبرت القوات الفرنسية على مغادرة القارة، وأُغلقت قواعدها العسكرية واحدة تلو الأخرى، مما قطع عنها التمويلات التي كانت تحصل عليها تحت غطاء "اتفاقيات الحماية". أما سفاراتها، فتحولت من مراكز نفوذ تُملي قراراتها على الحكومات الإفريقية إلى أهداف محاصرة من قبل الشعوب الغاضبة، التي لم تعد تقبل بالهيمنة الاستعمارية الجديدة.
وبعد أن فقدت فرنسا مواردها الإفريقية، وجدت نفسها أمام حقيقة مريرة: اقتصادها الذي كان يعتمد بشكل كبير على ثروات مستعمراتها السابقة بدأ يترنح، ما أدى إلى أزمة سياسية عاصفة داخل البلاد. أكثر من ذلك، بدأت دول الاتحاد الأوروبي نفسها تتساءل عن جدوى استمرار فرنسا كقوة كبرى، وطُرحت أصوات في بروكسل تدعو إلى تجريدها من حق الفيتو ومنحه لألمانيا، باعتبارها القوة الاقتصادية الأبرز في القارة العجوز.
تحالف باريس-الرباط-تل أبيب: محاولة يائسة لاستعادة النفوذ
في ظل هذا الانهيار، تسعى فرنسا إلى إعادة ترتيب أوراقها، عبر الدخول في تحالف جديد يضم المغرب وإسرائيل، بهدف تحقيق عدة أهداف رئيسية:
-
تصفية القضية الصحراوية: بعد فشل المغرب في فرض سيطرته الكاملة على الصحراء الغربية، تسعى فرنسا وإسرائيل لدعمه في هذا المسعى، من خلال مخططات أكثر جرأة، تشمل الاحتلال الفعلي للأراضي المحررة، ومحاصرة جبهة البوليساريو، ومنع أي تحرك دبلوماسي لصالح تقرير المصير.
-
محاولة اختراق الجزائر: تدرك باريس أن الجزائر هي العقبة الأكبر أمام تنفيذ هذا المخطط، لذلك تعمل على محاصرتها دبلوماسيًا وإعلاميًا، وإثارة القلاقل على حدودها.
-
العودة إلى الساحل الإفريقي: بعدما طُردت فرنسا من دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تحاول العودة عبر المغرب، الذي يمكن أن يوفر لها بوابة جديدة نحو الساحل الإفريقي، حيث تملك فرنسا مصالح استراتيجية كبرى، خصوصًا فيما يتعلق باليورانيوم والموارد الطبيعية الأخرى.
المخطط المزدوج: تصفية القضيتين الصحراوية والفلسطينية
ما يثير الانتباه هو أن هذا الحلف لا يقتصر على الصحراء الغربية، بل يتزامن مع محاولات إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول العربية المطبعة لتصفية القضية الفلسطينية. المخطط يبدو واضحًا:
- إسرائيل تسعى إلى استغلال الحرب في غزة لفرض حل نهائي، يقوم على اجتثاث المقاومة، وتهجير الفلسطينيين، وضم الضفة الغربية بشكل كامل.
- في المقابل، تعمل فرنسا والمغرب، بدعم من إسرائيل، على تنفيذ سيناريو مشابه في الصحراء الغربية، عبر تكريس الاحتلال المغربي ومحاصرة أي تحرك صحراوي أو جزائري داعم للقضية.
التنسيق بين الطرفين لم يعد سرًا، فقد بدأت فرنسا بالاعتراف بـ "الحكم الذاتي" الذي يقترحه المغرب كحل للنزاع، ووجهت استثماراتها نحو الأقاليم المحتلة، وكثفت حملاتها الإعلامية ضد الجزائر.
الجزائر: الحاجز الذي لا يمكن تجاوزه
لكن ما لم يدركه هذا الحلف، هو أن الجزائر ليست بالخصم السهل، وأنها كانت، وما تزال، العائق الأكبر أمام تنفيذ أي مخطط يهدف إلى تصفية القضيتين الصحراوية والفلسطينية. الجزائر تدرك جيدًا أن استهدافها بشكل مباشر قد يكون مخاطرة كبيرة بالنسبة لفرنسا والمغرب وإسرائيل، ولهذا فإن هذه الدول تلجأ إلى تكتيكات غير مباشرة، مثل:
- إثارة الأزمات الإقليمية: محاولة خلق صراعات على الحدود الجزائرية، سواء في الصحراء الغربية أو في منطقة الساحل.
- حملات إعلامية شرسة: تقودها منصات غربية وإسرائيلية ومغربية، بهدف تشويه صورة الجزائر وإضعاف موقفها الدبلوماسي.
- تحالفات عسكرية مشبوهة: آخرها الإعلان عن مناورات عسكرية فرنسية-مغربية على الحدود الجزائرية، وهي خطوة استفزازية تهدف إلى جرّ الجزائر إلى مواجهة مباشرة.
لكن رغم كل هذه المحاولات، يبدو أن فرنسا وحلفاءها قد أخطأوا في الحسابات، فالمتغيرات الجيوسياسية لم تعد كما كانت في الماضي، والجزائر اليوم أكثر قوة واستعدادًا لمواجهة أي تهديد لأمنها القومي أو للقضايا العادلة التي تدافع عنها.
خاتمة: تحالف الفشل والمقامرة الخاسرة
إن التحالف الفرنسي-المغربي-الإسرائيلي ليس سوى مقامرة خاسرة، تعكس مدى يأس باريس والرباط وتل أبيب في مواجهة التحولات الجديدة. فكما سقطت فرنسا في إفريقيا، وكما فشلت إسرائيل في القضاء على المقاومة الفلسطينية رغم كل المحاولات، فإن أي مخطط لتصفية القضية الصحراوية سيواجه المصير نفسه.
التاريخ علّمنا أن الشعوب لا تُهزم بسهولة، وأن مشاريع الاحتلال والاستعمار، مهما بدت قوية، مصيرها الزوال. وما يجري اليوم ليس إلا جولة جديدة في صراع طويل، ستحدد نتائجه موازين القوى في المنطقة لسنوات قادمة.
بــلقـــاســم مــربــاح
تعليقات
إرسال تعليق