التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جان-نويل بارو: رمز انحدار الطبقة السياسية الفرنسية

 لطالما كانت السياسة الفرنسية محكومة برجال دولة كبار، يتمتعون برؤية استراتيجية وقدرة على إدارة العلاقات الدولية بحنكة وذكاء. لا يزال العالم يذكر خطاب دومينيك دو فيلبان الشهير في الأمم المتحدة عام 2003، حين دافع عن موقف فرنسا الرافض للحرب على العراق، أو دور رولان دوما، الذي رغم الجدل الذي أحاط به، كان دبلوماسيًا بارعًا يفهم موازين القوى ويجيد المناورة السياسية.

أما اليوم، ومع صعود شخصيات مثل جان-نويل بارو، فإن المشهد يبدو مختلفًا تمامًا. فهذا الوزير، الذي يشغل منصب وزير أوروبا والشؤون الخارجية، يمثل جيلًا جديدًا من السياسيين التكنوقراط، الذين يفتقرون إلى الخبرة والعمق الاستراتيجي. تصريحاته الأخيرة على قناة BFMTV، حيث أعلن أن فرنسا فرضت بالفعل عقوبات على الجزائر وأنها مستعدة لتشديدها إذا لم تمتثل الجزائر للمطالب الفرنسية، تعكس تخبطًا دبلوماسيًا خطيرًا.

تصعيد دبلوماسي وعواقب وخيمة

العلاقات بين فرنسا والجزائر متوترة منذ فترة طويلة، لكنها دخلت مرحلة أكثر تعقيدًا في يوليو 2024، عندما اعترفت باريس بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. هذه الخطوة لم تكن مجرد إعلان سياسي، بل كانت بمثابة استفزاز مباشر للجزائر، التي تعتبر هذه القضية مسألة أمن قومي. فالجزائر تدرك أن السياسة التوسعية للمغرب لا تقتصر على الصحراء الغربية، بل تمتد إلى مناطق جزائرية مثل تيندوف وبشار.

بدلًا من انتهاج سياسة التهدئة، اختارت فرنسا، من خلال تصريحات جان-نويل بارو، مسار التصعيد والمواجهة. إعلان فرض عقوبات على الشخصيات الجزائرية، والتلويح بالمزيد منها، يعكس استهانة واضحة بالواقع الجيوسياسي، وجهلًا بحجم التغيرات التي طرأت على موازين القوى في المنطقة.

رؤية استراتيجية قصيرة النظر

يبدو أن باريس لم تستوعب بعد أن دورها في شمال إفريقيا لم يعد كما كان في الماضي. فالجزائر اليوم ليست دولة ضعيفة يمكن الضغط عليها عبر العقوبات والتهديدات. بل على العكس، فإن الجزائر تتمتع بشراكات استراتيجية قوية مع قوى عالمية مثل الصين وروسيا، مما يجعلها في وضع يسمح لها بالتصدي لأي محاولات للضغط أو الابتزاز السياسي.

إذا كانت فرنسا تهدف إلى إجبار الجزائر على تغيير موقفها، فإنها ستواجه نتيجة عكسية. هذا النهج المتعجرف لن يؤدي إلا إلى دفع الجزائر نحو مزيد من التقارب مع حلفاء آخرين، بعيدًا عن النفوذ الفرنسي. كما أن التصعيد الدبلوماسي قد يؤثر على المصالح الاقتصادية الفرنسية في الجزائر، حيث قد تواجه الشركات الفرنسية العاملة هناك عواقب مباشرة، إضافة إلى احتمال تأثر التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين.

هل انتهت هيبة الدبلوماسية الفرنسية؟

تصريحات جان-نويل بارو ليست مجرد زلة لسان، بل تعكس تحولًا عميقًا في الطبقة السياسية الفرنسية، التي انتقلت من رجال دولة يتمتعون برؤية عميقة، إلى سياسيين هواة يفتقرون إلى الخبرة والحنكة الدبلوماسية.

على فرنسا أن تدرك أنها لم تعد القوة المهيمنة التي كانت عليها في الماضي، وأن السياسة الخارجية التي تعتمد على الضغوط والتهديدات لم تعد تجدي نفعًا. إذا استمرت باريس في هذا النهج، فإنها ستدرك عاجلًا أو آجلًا أن زمن الإملاءات قد ولى، وأن عليها التعامل مع الجزائر وغيرها من الدول كشركاء متساوين، وإلا فإنها ستدفع ثمن سياساتها على المستوى الإقليمي والدولي.


بــلقـــاســم مــربــاح




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...