لطالما وُصفت الجزائر بأنها لاعب هادئ لكنه مؤثر على الساحة الدولية، ويبدو اليوم أنها تجني ثمار دبلوماسية متبصرة قائمة على الاستقلالية الاستراتيجية وتنويع الشراكات. فبينما تواجه فرنسا عزلة متزايدة في أوروبا وإفريقيا، وتشهد منطقة الساحل تحولات جذرية، نجد أن الجزائر تثبت أنها قوة لا غنى عنها في المنطقة.
تشير الأحداث الأخيرة، بما في ذلك عودة مالي إلى الحوار مع الجزائر بعد محاولات لجرها نحو معسكر آخر، وتراجع الدور الفرنسي بعد الاعتراف بـ"مغربية الصحراء الغربية"، إلى أن الجزائر قد اتخذت قرارات صائبة واستباقية، مما عزز مكانتها في المعادلة الجيوسياسية العالمية.
مالي تعود إلى الجزائر: انتصار دبلوماسي جديد
إحدى أبرز الدلالات على نجاح الدبلوماسية الجزائرية هو القرار الأخير للسلطات المالية إعادة فتح قنوات التواصل مع الجزائر، عبر إرسال سفير جديد إلى الجزائر العاصمة، في خطوة تهدف إلى تخفيف التوترات التي نشأت خلال الأشهر الماضية.
- الحدود المشتركة الطويلة بين البلدين، والتي تتطلب تنسيقًا أمنيًا وثيقًا، خاصة في ظل التهديدات الإرهابية.
- دور الجزائر التاريخي في اتفاق السلام في مالي (اتفاق الجزائر 2015)، وهو اتفاق جوهري في استقرار البلاد.
- الدعم الاقتصادي والإنساني الذي تقدمه الجزائر لجيرانها الأفارقة، مما يجعلها شريكًا أكثر موثوقية واستدامة من أي قوة أخرى.
وهكذا، فإن عودة مالي إلى التعاون مع الجزائر تمثل نكسة دبلوماسية كبيرة للمغرب وتؤكد أن الجزائر تظل حجر الزاوية في استقرار منطقة الساحل.
فرنسا: عزلة متزايدة بعد الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية
بينما تستعيد الجزائر زمام المبادرة في إفريقيا، تواجه فرنسا واحدة من أكبر نكساتها الدبلوماسية. ففي يوليو 2024، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون اعتراف فرنسا الرسمي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في تحول جذري يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة وأحكام محكمة العدل الأوروبية.
- تعارض موقفها مع قرارات الأمم المتحدة التي لا تزال تعتبر الصحراء الغربية إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي.
- معارضة محكمة العدل الأوروبية، التي أكدت في عدة أحكام أن موارد الصحراء الغربية لا يمكن استغلالها دون موافقة الشعب الصحراوي.
- استياء الجزائر، التي ترى في هذا القرار انحيازًا صريحًا ضد حق تقرير المصير للشعب الصحراوي.
- طرد القوات الفرنسية من مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، ما أنهى حقبة النفوذ العسكري الفرنسي في الساحل.
- صعود القوى البديلة مثل روسيا وتركيا والصين، التي عززت وجودها في إفريقيا على حساب النفوذ الفرنسي.
- تعزيز الجزائر لتحالفاتها داخل الاتحاد الإفريقي، ما جعلها قوة إقليمية ذات تأثير متزايد.
بالتالي، نجد أن فرنسا ليست فقط في عزلة إفريقية، بل أيضًا تواجه صعوبة في حشد الدعم داخل أوروبا، مما يزيد من تهميش دورها الدولي.
الولايات المتحدة وروسيا تناقشان أوكرانيا بدون كييف أو أوروبا
في تحول جديد يعكس إعادة ترتيب الأولويات العالمية، دخلت الولايات المتحدة وروسيا في مفاوضات مباشرة حول مستقبل أوكرانيا، دون إشراك كييف أو حتى الاتحاد الأوروبي.
- هذا يعكس واقعًا صادمًا: أوروبا ليست فاعلًا عسكريًا بل مجرد تابع للولايات المتحدة.
- الاتحاد الأوروبي، رغم قوته الاقتصادية، لا يمتلك رؤية دبلوماسية مستقلة تجعله لاعبًا حاسمًا في الأزمات العالمية.
الجزائر: قوة متنامية في عالم متعدد الأقطاب
بينما تتراجع فرنسا وأوروبا، نجد أن الجزائر تواصل تعزيز موقعها على الصعيدين الإقليمي والدولي، مستفيدة من:
🔹 التزامها بالقانون الدولي
- لم تتورط الجزائر في سياسات متقلبة أو تحالفات مشبوهة، بل ظلت وفيّة لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، ما أكسبها احترامًا عالميًا، خاصة فيما يتعلق بالصحراء الغربية وفلسطين.
🔹 تنويع تحالفاتها الدولية
- الجزائر لم ترهن نفسها لمحور واحد، بل عززت علاقاتها مع روسيا والصين، وحافظت على قنوات اتصال مفتوحة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تعزيز مكانتها داخل إفريقيا والعالم العربي.
🔹 استقرارها الداخلي يعزز موقعها الخارجي
- في وقت تعاني فيه دول الجوار من اضطرابات سياسية واقتصادية، نجحت الجزائر في تحقيق استقرار نسبي، مما يمنحها قدرة أكبر على التأثير في محيطها الإقليمي والدولي.
خاتمة: الجزائر تنتصر في معركة الاستراتيجيات
في عالم يشهد تحولات كبرى، يمكن القول إن الجزائر كانت صاحبة رؤية بعيدة المدى، حيث راهنت على مبادئ السيادة والاستقلالية ونجحت في تجنب الأخطاء الجيوستراتيجية التي وقعت فيها دول أخرى.
- مالي تعود إلى الجزائر، معترفةً بأن دورها في الساحل لا يمكن تجاوزه.
- فرنسا تواجه العزلة بسبب خيارات دبلوماسية خاطئة.
- أوروبا تجد نفسها خارج الحسابات الجيوسياسية الكبرى.
في النهاية، يبدو أن الجزائر قد اختارت الطريق الصحيح، حيث تؤكد مكانتها كقوة إقليمية صاعدة في عالم يتجه نحو التعددية القطبية.
بــلقـــاســم مــربــاح
تعليقات
إرسال تعليق