التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الجزائر: بوابة استراتيجية لروسيا نحو الأسواق الأفريقية

في إطار سعيها لتعزيز وجودها الاقتصادي والجيوسياسي في أفريقيا، ترى روسيا في الجزائر شريكاً محورياً يمكنه أن يفتح لها أبواب القارة الأفريقية. بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي وبنيتها التحتية المتنامية، يمكن للجزائر أن تصبح مركزاً إقليمياً لنقل وتوزيع المنتجات الروسية إلى الأسواق الأفريقية. هذا ما أكده إيفان نالتش، رئيس البعثة الاقتصادية الروسية في الجزائر، خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الروسية ريا نوفوستي.


شراكة اقتصادية متنامية

خلال المقابلة، كشف إيفان نالتش عن أرقام هامة تُبرز حجم التبادل التجاري بين الجزائر وروسيا. وأوضح أن روسيا تُعدّ مورداً رئيسياً لبعض المنتجات الأساسية في الجزائر، لا سيما الحبوب، حيث تغطي روسيا حوالي 30% من احتياجات السوق الجزائرية من القمح.

إلى جانب القمح، تصدر روسيا إلى الجزائر مجموعة واسعة من المنتجات الأخرى، مثل المعادن، والأسمدة، والمنتجات الكيميائية. وتسعى أيضاً لتطوير مجالات تصديرية جديدة، بما في ذلك الحليب المجفف والأدوية.

وأشاد نالتش بالإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها الجزائر، خاصة موقعها الجغرافي الذي يجعلها جسراً بين شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء. كما أكد أن الجزائر تمتلك مقومات لوجستية هامة تؤهلها لأن تصبح مركزاً رئيسياً لتصدير المنتجات الروسية إلى القارة الأفريقية.

تذليل العقبات أمام الشركات الروسية

لتعزيز التعاون الاقتصادي، يعمل مركز التصدير الروسي (Veb.Rf) على تحسين الإطار القانوني وإزالة العقبات التي قد تعيق استقرار الشركات الروسية في الجزائر. وأكد نالتش أن هناك قطاعات واعدة يمكن للشركات الروسية أن تستثمر فيها بنجاح، مثل الزراعة، والصناعات الدوائية، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات.

وأشار إلى الاهتمام المتزايد من جانب الشركات الروسية بالسوق الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، مؤكداً أن البعثة الاقتصادية الروسية في الجزائر تقدم كل الدعم اللازم للشركات الراغبة في دخول هذا السوق الواعد.

تعزيز الشراكة الاقتصادية

حرصاً على تعزيز التبادل التجاري، أطلقت روسيا عدة مبادرات لدفع التعاون الاقتصادي مع الجزائر. ففي العام الماضي، نظم مركز التصدير الروسي بعثة تجارية ركزت على مجالات البناء والتكنولوجيا الحديثة، بينما تُخطط بعثة متعددة القطاعات لزيارة الجزائر في نوفمبر المقبل.

ووفقاً لبيانات السفارة الروسية في الجزائر، بلغت صادرات روسيا إلى الجزائر حوالي 3 مليارات دولار في عام 2021، في حين لم تتجاوز الواردات الروسية من الجزائر 18 مليون دولار. هذه الأرقام تُظهر أن هناك إمكانات غير مستغلة بالكامل، خصوصاً فيما يتعلق بالصادرات الجزائرية التي يمكن تعزيزها عبر تحسين هيكلة التدفقات التجارية.

الجزائر في قلب الاستراتيجية الروسية في أفريقيا

يمثل الاهتمام الروسي بالجزائر جزءاً من استراتيجية أوسع لاستعادة النفوذ في أفريقيا. وعلى مدى السنوات الأخيرة، عززت روسيا حضورها في القارة عبر بناء شراكات عسكرية وأمنية مع دول مثل مالي، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وبوركينا فاسو، وليبيا، والسودان. هذه الشراكات، التي تم تعزيزها من خلال مجموعات مثل "فاغنر" (التي أُعيد تنظيمها تحت اسم "Africa Corps")، مكّنت موسكو من ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في القارة.

لكن روسيا تسعى الآن إلى توسيع نفوذها عبر تعزيز التعاون الاقتصادي. وفي هذا الإطار، تُعد الجزائر شريكاً طبيعياً لروسيا، بالنظر إلى تاريخ العلاقات الثنائية المتينة بين البلدين، خاصة في المجالات العسكرية والطاقوية.

سياق جيوسياسي متغير

يأتي هذا التعاون المتزايد بين الجزائر وروسيا في وقت يشهد فيه النفوذ الفرنسي تراجعاً ملحوظاً في العديد من الدول الأفريقية، وسط توسع كبير للوجود الصيني في القارة. وفي هذا السياق، ترى روسيا في الجزائر حليفاً استراتيجياً يمكنه أن يساعدها في تحقيق أهدافها الاقتصادية والجيوسياسية في أفريقيا.

خاتمة: شراكة ذات أفق واعد

يبدو أن التعاون بين الجزائر وروسيا يدخل مرحلة جديدة من التوسع، حيث يسعى الطرفان إلى تعميق العلاقات الاقتصادية وتوسيع مجالات التعاون. بالنسبة للجزائر، يمثل هذا التعاون فرصة لتنويع شركائها الاقتصاديين وجذب استثمارات جديدة في قطاعات حيوية. أما بالنسبة لروسيا، فالجزائر ليست مجرد سوق واعدة، بل بوابة نحو قارة مليئة بالفرص الاقتصادية.

في ظل عالم متعدد الأقطاب، يعكس هذا التقارب بين الجزائر وروسيا إعادة تشكيل للتحالفات الدولية بناءً على المصالح المشتركة. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل سيتمكن الطرفان من ترجمة هذه الطموحات إلى شراكة اقتصادية مثمرة ومستدامة تعود بالنفع على الجزائر وروسيا والقارة الأفريقية بأكملها؟

 بلقاسم مرباح


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...